رحلة المشترك.. ما اكثر المبادرات وما اوسع سلة المهملات أكثر من ثلاثة أعوام استغرقها اللقاء المشترك في رحلته الطويلة من »برنامج الاصلاح السياسي والوطني« الى نظرية »الانقاذ الوطني«، وبين النقطتين والنظريتين هناك محطات »ومواقف« كثيرة استدعت اطلاق عدد لا بأس به من المبادرات والوثائق و»النظريات« المشابهة- وان بحجم أقل وأخف صخباً، ولكن لم تتوقف مفرزة اللقاء عن انتاج واعادة انتاج المبادرات واستنساخها مراراً وتكراراً، عند كل محطة وفي سائر الظروف والاستحقاقات السياسية والمناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية والوطنية والاجازات الرسمية. < والآن هناك نظرية مستحدثة أو قل محدًّثة ترفع عقيرة الانقاذ الوطني وتؤذن بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتتوعد اليمن واليمنيين بــ»انهيار« عظيم وكوارث فادحة، والخيار الوحيد لتفادي كل ذلك هو-فقط- التأمين على قراءة المشترك والتقرب الى الله عز وجل بنظرية الانقاذ.. واعتمادها منهجاً للحياة وطريقاً للنجاة والفرار اليها من كل ما سواها! هي إذاً نظرية »الجبر« ولاتحتمل النقاش او التخيير والمفاضلة، فهل هي -بالتالي- وثيقة سياسية أرضية من فعل البشر ومحض اجتهاد بشري يؤخذ منه ويرد، أم أنها ليست هكذا.. بل جزء من الاصحاح أو العهد الجديد وتلمود يؤخذ على سبيل الايمان والاعتقاد ولايقبل النقاش او المراجعة؟! مشاهد ووجوه.. < التلويح الشرس بخيارات كارثية مؤكدة، والضغط المتشدد من قبل المتحدثين في المؤتمر الصحافي لاعلان الوثيقة المذكورة برمادة حدة- الاسبوع الماضي- على مقولات »الانهيار الشامل« الذي ينتظرنا عند عتبة المرحلة وعلى بعد دقائق معدودة لا أكثر، إنما هو ضرب من الارجاف والتخويف والتهويل، وقد ألفنا من المشترك وقياداته واحزابه هذه اللغة البارودية والخطاب الاستفزازي والاستنفاري منذ كنا وكان المشترك. والذاكرة -ولها التحية والامتنان- تسعفنا بمشاهد ومواقف سابقة ومطابقة لمشهد الاثنين الماضي بصالة مؤتمرات -خمسة نجوم- رمادة حدة. < وأقرب مشهد من هذا هو المؤتمر الخاص بإعلان »برنامج الاصلاح السياسي والوطني« لأحزاب المشترك في 2006م، وتقريباً كانت نفس الوجوه حاضرة ناظرة، ويومها لم يكن حميد الاحمر هو البطل الأول والأوحد في المشهد، كما حدث في هذه المرة في رمادة حدة.. ولكن هذه تظل حسبة أخرى ولها اعتبارات »خاصة وخصوصية جداً«، فرضت نفسها على المخرج والمنتج، ويجيد ناس المشترك المضاربة بالأوراق واستثمار الوجوه والاسماء في سوق المال السياسي و»المناكفة« اللا سياسية!! < يومها لم يبخل المتحدثون من قيادات المشترك أبداً في اطلاق الرصاص السياسي الحي والقنابل المدوية على شكل تحذيرات نهائية من كارثة ماحقة وانهيار شامل ينتظر اليمن واليمنيين، وأذكر بالحرف ان أحدهم استخدم نفس العبارات والتوصيف الذي استخدمه حميد الأحمر الاثنين الماضي »انهيار شامل« وليست صدفة او توافقاً مرتجلاً ان يقال في الاخيرة ماقيل في الأولى، ولكنها الطباع تعيد نفسها وتزاول مخزونها الذاتي من التشاؤم والتهويل والوعيد والارجاف، وواضح تماماً بأن الاعوام الثلاثة الماضية لم تفلح أبداً في خلخلة الطباع المتصلبة وتغيير او تحسين اللغة الحزبية والذهنية السياسية المسكونة بالكوارث والانهيارات!! ويعرف اليمنيون اليوم بأن لدينا فئة نادرة و»خاصة« من السياسيين او من الدخلاء على هذه »المهرة«، هم اصحاب طبع لاينفع معه التطبع، وليسوا مستعدين للتخلي عن عقلية المضاربة والصراع والاستقواء بالمال السياسي في مجال العمل المدني والممارسة السياسية والنشاط الفكري البعيد كل البعد عن حسابات الدفع المسبق او »الدجاجة التي تبيض مالاً«!! مليون نسخة.. فقط! < بعد أكثر من ثلاثة أعوام لايزال منظرو وقصاصو المشترك يتحدثون اللغة نفسها ويقترفون القناعات والاحلام نفسها بأن ثمة انهياراً وشيكاً وكارثة محققة وقيامة قريبة جداً تنتظر اليمنيين واليمن.. ولامفر منها الى الكفر بكل خيار او بديل، واعتناق نظرية المشترك »الجديدة- القديمة« نفسها- سواء أكانت باسم برنامج الاصلاح او وثيقة الانقاذ او غيرها من الاسماء والمسميات التي تشابهت على القوم وبقيت في المضمون جميعها واحدة ومع شيء من التقديم والتأخير هنا أو هناك. < في برنامج الاصلاح السياسي والوطني كان المشترك يتحدث عن »النظام البرلماني« كخيار اوحد ووحيد يناسب اليمن وكفيل بحل كافة المشاكل والصعوبات وتحسين حياة ومعيشة ودخل الموظفين وايجاد فرص عمل كثيرة واستيعاب البطالة ومكافحة الفساد والحمى القلاعية ودودة الدوباس التي تضرب أشجار ومحاصيل النخيل بوادي حضرموت!! ويومها فاخر الفرقاء كثيراً وكثيراً جداً بنظرية الاصلاح السياسي تلك، وسمعنا وقرأنا عن خطة قومية ضارية يعد لها اللقاء لطبع مليون نسخة -فقط- من برنامج الاصلاح السياسي وتوزيعها على عموم قرى ومديريات ومحافظات الجمهورية اليمنية.. بدءاً بعمران وانتهاءً بجعار أبين بهدف »توعية« و»تثقيف« المواطنين بالخطة او البرنامج الاصلاحي الكفيل باغراق البلاد والعباد في بحر من الرفاهية و»العسل المشترك«!! وبدأ -بالفعل- بعض قيادات المشترك نزولاً ميدانياً للمحاضرة المباشرة حول البرنامج. زفة في مأتم!! < ولكن بقيت حكاية المليون نسخة معلقة في جدار قصي من ذاكرة النسيان، لتبرد جمرة المشترك على مشارف انتخابات سبتمبر 2006م. وبعدها أخذنا شيئاً فشيئاً ندخل مع فرقاء اللقاء في أجواء »النضال السلمي« وصيفنا نضال« و»أعيادنا نضال« وايضاً أجواء »الحراك السلمي« ومن ثم الحراك السلمي- المسلح، وصولاً الى خطة عبقرية وطارئة تفتقت عنها عقلية النضال السلمي المستجد، حيث بدأت تتصاعد أدخنة مقاييل النضال ودواوين السمرة حاملة معها بشارات المولود الجديد »الحوار الوطني«-كبديل جديد، و»عبقري« هذه المرة ايضاً، يحل محل برنامج الاصلاح سيئ الذكر والذاكرة، ورأينا لجنة عظيمة تتشكل لهذا الحوار الوطني وتعقد لقاءات ومحاضرات وندوات وملتقيات نوعية مع فئات مختلفة من المجتمع- كان جميع ممثليها من أعضاء واحزاب المشترك إلا قليلاً. وفي النهاية كان هناك مؤتمر الألف -الشهير- بقاعة المعارض- الشهيرة ايضاً- »اكسبو- أبولو« بصنعاء ورأينا كيف رفض قادة لجنة الحوار ومؤتمر الألف حضور مناسبة الاحتفالات بالعيد الوطني التاسع عشر واعتكفوا بقاعة ابولو للخروج ببيان او وثيقة عارمة قالت كل شيء- تقريباً- سبق وقيل مثله في برنامج الاصلاح السياسي الذي صار نسياً منسياً، ويجب التنويه الى انها »الوثيقة« لم تغادر أبداً مقولة »الانهيار« المنتظر والكارثة المرتقبة.. كالعادة وبلا ملل يذكر..! < بعض الغبار والضجيج علق بالاجواء لبعض الوقت وانفض المولد الألفي وآلت الوثيقة العظيمة بدورها الى سلة الذاكرة او المهملات المنسية، لنصحو على لجنة مستحدثة لـ»التشاور الوطني«، وكم هو »الوطني« هذا عرضة للقرصنة والمصادرة والتملك والتجيير!؟ وبدورها آلت اللجنة الى وثيقة جديدة هي التي علقت بأجواء قاعة رمادة حدة، واختار لها القوم هذه المهمة صفة درامية واسماً سينمائياً فضفاضاً »الانقاذ الوطني«.. ليتساءل كل من في نفسه اشياء من »حتى« ومن ينقذكم منكم وينقذنا منكم مرتين؟! < ليست احتفالية او ماشابه تلك التي فعلتها لجنة حميد الاحمر بقاعة رمادة حدة يوم الاثنين الماضي- والناس صيام لا يودون ان يجرحوا صومهم ويومهم الرمضاني. غير أنها محطة أخرى تضاف الى سابقاتها، ولسوف يكتشف ناس المشترك ولجنة التشاور من قبل الناس أجمعهم بأن هذه النظرية او المنتج الاخير بحاجة الى إعادة هندسة وتعديل في المواصفات والمقاييس.. ولسوف تُنسى غير مأسوف عليها كما لم يأسف أهلها على سابقاتها المنسية في قبور الذاكرة الحزبية التي تجيد النسيان أكثر من أي شيء آخر..! فهل هي نكسة مستمرة الحدوث، أم أنها حكاية نزيف لا آخر له وزفة عرائسية يؤديها الطرشان في بيت العزاء، ومأتم حزبي يضرب خيامه على هذه الأرض من أعوام خلت؟! من »البرلماني« إلى »الفيدرالية« < بالمقارنة الى برنامج الاصلاح السياسي والوطني في 2006م، فإن نظرية الانقاذ لم تعد معنية او منشغلة بالمطلب الأول والرئيسي لأحزاب المشترك »النظام البرلماني« عوضاً عن الرئاسي. ولحسن او لسوء الحظ هذه المرة اهتدى خبراء اللجنة او لجنة الخبراء والخُبرة الى عنوان درامي وخلافي جدير بالتوبيخ والزجر والحجر السياسي على اللجنة واعضائها »العظام« وبدم بارد كالجليد القطبي فعلتها اللجنة وصدرت نظريتها الجديدة بدعة »الفيدرالية« كمطلب أول وأخير وكبديل وحيد لامفر منه لإنقاذ اليمن من »الهاوية« ومن »الانهيار« ومن »الكارثة«! - وهي تركيبة ثلاثية خاصة بلجنة الخبراء والتشاور وبالأصالة عن لجنة الحوار الوطني.. بالاصالة- ايضاً- عن اللقاء المشترك! ..وما بين البرنامج والوثيقة.. وما بين الحوار والتشاور وما بين النظام البرلماني والفيدرالية وما بين رئيس لجنة الحوار ورئيس لجنة التشاور ورئيس اللقاء المشترك- كثر الرؤساء ياقوم!- يطول السفر وتطول المسافات بين المشترك والمفترق، وكلما انقضى ليل أعقبته ليالٍ تبشر بأن العتمة هي سيدة الموقف وبأن التيه لايزال قادراً على استدراج الفرقاء واستضافتهم لمواسم قادمة، طالما بقي القوم يقدمون الياء على الألف ويصرون على »العمياء« هي وحدها الأجدر والأحق بتقدم الصفوف وارشاد السائرين الى الغد!. يريدها »مخضرية« وكفى!! < هوّنوا عليكم أيها الناس، ليس بوسعكم اعطاء الوثيقة قيمة أكبر مما هي عليه وأكبر مما أعطاها أصحابها. لاتبالغوا بردة الفعل، ولا بأس بقليل منها على أية حال، انها موعودة بمصير- مشرف ولائق- ينتظرها وتنتظرها هناك وثائق وبرامج سابقة تقبع الآن في قاع سلة مهملات كبيرة.. ورائعة! مجرد استدراك < فقط مجرد استفسار -بريء وسلمي وايضاً على سبيل الانقاذ، ما الذي كان يعنيه او يقصده خبراء الانقاذ بدعوتهم ومطالبتهم الدولة بالتوقف عن ملاحقة عصابة التمرد والتخريب والعصيان المسلح وعناصر القتل والاجرام بصعدة، واقتراحهم على الدولة التوجه نحو إعادة احياء وإذكاء جبهة المحافظات الجنوبية بعد ان هدأت وصام المسلمون بحمد الله وفضله؟!! ثمة مكيدة في كل ذلك- والأيام حُبلى بالكلام..!! |