كلما انحسرت قوة التخلف في اليمن كلما حقق اليمنيون ربحاً أكيداً.هذه القاعدة تصح على القضايا الكبيرة وعلى القضايا الصغيرة في هذا البلد الناهض.وآخر انتصارات التقدم على التخلف أحرزت في انتخابات نقابة الصحافة الأخيرة التي تميزت بحيوية وشفافية انتزعت إعجاب أهل المهنة في الداخل والخارج على حد سواء. لابل يمكن القول إن حرية التنافس النقابي المطلقة التي عكستها وسائل الإعلام اليمنية الأسبوع الماضي في صنعاء تفضح الكثير من مهرجانات المباركة وال «بصم» التي تضج بها العمليات الانتخابية في مؤسسات نقابية عربية هي من بين التي طيرت برقيات تهنئة للإعلاميين اليمنيين على نتائج مؤتمرهم الأخير.ولكي يقدر صحافيو اليمن ما جرى في نقابتهم حق قدره ربما عليهم أن يعلموا أن نقابة المحررين في البلد الأكثر ديموقراطية في العالم العربي لا تتيح الانتساب لكل العاملين في المهنة و تمثل ربع الصحافيين فقط ونقيبها مازال في منصبه منذ أكثر من ثلاثة عقود!! وربما على الصحافيين اليمنيين أن ينتبهوا إلى أن المرتبة الأولى في حرية العمل والتنافس النقابي الإعلامي العربي ما زالت شاغرة ويحتلها من لا يستحقها وأنها ستكون معقودة لهم بلا جدال إذا ما واصلوا البناء على ما أنجزوه في مؤتمرهم الأخير. وقد لا تحتاج التجربة اليمنية الأخيرة إلى أن يتسامح احد مع بعض ظواهرها السلبية ذلك أن السلبيات هي ملح التجارب الناجحة وجزء لا يتجزأ منها طالما أنها حديثة العهد ولا تدور في المدينة الافلاطونية الفاضلة. لكن بعض السلبيات لا يجوز أن تظل بمنأى عن المساءلة خصوصا في اليمن وبخاصة في العهد الحالي.أليس من المخجل أن يتهم صحافي كبير ومشرف على مؤسسة ناجحة زميلاً له بمحل ولادته !! لقد خلق الله اليمنيين عربا دون غيرهم على هذه الأرض ومنهم انتقلت العروبة إلى كل مكان ومع ذلك نجد أحيانا أن بعض الأصوات تضيق بهذه الحقيقة الأزلية وتجنح إلى تقزيمها في لحظة نسيان ومزاج متعكر.... هذا إذا أردنا تخفيف الأسباب واعتماد الظن الحسن. تبقى الإشارة إلى أن حرية الصحافة في اليمن هي من اجل اليمنيين وليس من اجل غيرهم. تماما كما هي حال حرية الصحافة في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وصولا إلى ماكرونيزيا. ذلك إن الإعلام في تعريفه الأهم هو المساحة العامة التي يلتقي فيها كل أبناء البلد بمختلف حساسياتهم واتجاهاتهم ومصالحهم وفي هذه المساحة تنتظم خلافاتهم وتنصهر مكوناتهم. نذكر بهذه الحقيقة التي يعرفها أهل المهنة في اليمن في معرض الإشارة إلى خطر الشائعات التي تتسلل مع الأسف في بعض الأحيان إلى وسائل الإعلام وتتحول عن قصد أو عن غير قصد إلى خنجر يطعن البلاد بخاصرتها. ولعل الدول التي تملك تجارب متراكمة في مجال التعبير الحر استطاعت أن تحدد ضوابط ومناهج لتحصين العمل الصحفي وضمان عدم جنوحه نحو الفوضى أو تحويله إلى «حصان طروادة» للإضرار بمصالح المعنيين به بدلا من حمايتها ولعل وحتى لا ينزلق الخبر إلى حيز الشائعة يتعلم طلاب الصحافة أصوله وضوابطه ومن بينها توآفر شروطه المختصرة في الأسئلة التالية: من ـ متى ـ كيف ـ أين ـ ولماذا؟.فكل خبر أو نص إخباري لا يجيب عن هذه الأسئلة غير جدير بالنشر. ومن بين الضوابط أيضا اعتماد مصادر وثيقة للأخبار وأجراء تقاطع بين مصادر متنوعة للخبر الواحد للتمييز بين الخبر والشائعة والدسيسة وتجنب الانزلاق نحو الدعاية واكتساب المناعة تجاه محاولات التحكم الخارجي بالمواد الإعلامية وبالتالي جعل الصحفي المحلي يقول ما تريد له أن يقول مراكز التحكم بالعقول عن بعد....الخ. وأخير لطالما طرحت مشكلة خطيرة على وسائل الإعلام في كل الأمكنة والأزمنة وهي هل يجوز للصحفي أن ينشر أخبارا صحيحة وموثقة لكنها مضرة بمصلحة بلاده العليا؟الجواب عن هذا السؤال يكاد أن يكون واحدا في معظم الحالات المعروفة وهو الامتناع عن النشر خصوصا عندما تكون هذه المصالح معرضة للخطر من أطراف خارجية فيكون النشر في هذه الحالة أشبه بإنسان سوي قرر فجأة أن يطلق رصاصة على قدمه. قناة الحرة و راديو سوا نخلص مما سبق إلى أن الإعلام الحر هو إعلام وطني يخدم مصالح جميع أبناء وطن معين بالدرجة الأولى ومن هذه الزاوية يتوجب النظر إلى وسائل الإعلام وليس من زاوية الإعلام للإعلام على غرار الفن للفن. ومن هذه الزاوية أيضا يتوجب النظر إلى المشاريع الإعلامية الأجنبية الناطقة باللغة العربية وبخاصة راديو سوا وفضائية الحرة ونكتفي فقط بالإشارة إلى شروط العمل في المحطتين لتوفير دليل ملموس على ما نقول. انقل هذه الشروط عن جريدة «لوموند» الفرنسية بتاريخ 26 مارس ـ آذار عام 2003 وهي تتحدث عن «راديو سوا» لكنها تنطبق أيضا على «الحرة».تقول الصحيفة المعروفة برصانتها ودقة أخبارها نقلا عن صحافيين عربيين رفضا الانتساب إلى «سوا» بعد أن ذهلا لشروط العمل فيها»..كان علي أن اذهب إلى السفارة الأمريكية كي تؤخذ بصماتي ومن ثم علي أن أرد على ستين سؤالا تتعلق بحياتي الشخصية وأفكاري السياسية. ومن ثم أوقع على أجوبتي امام محققين من (الاف بي أي) يشهدان على توقيعي.وفي الإذاعة يجب الالتزام بتعابير معينة وعدم الخروج عنها من نوع: جيش الدفاع الإسرائيلي ويحظر قول جيش الاحتلال أو حتى الجيش الإسرائيلي ويحظر أيضا الحديث عن الجيش الأمريكي في العراق بل يتوجب الحديث عن قوات التحالف. لذا رفضت العمل على الرغم من الراتب المرتفع وهو (65) ألف دولار سنويا « للصحافي العادي طبعا. وتفيد إحدى الصحافيات المحترفات أن راتبها (90) ألف دولار وترجح معلومات أخرى أن راتب رئيس التحرير في الحرة (140) ألف دولار. يذكر أن (سوا) تعني بالعربية «معا» لكن الاسم بالأجنبية هو اختصار لكلمتي «صوت واشنطن» وليس صوت العرب بطبيعة الحال. هل نتخيل رد فعل واشنطن وجمعيات حماية الصحافة ومنظمة العفو الدولية لو طبقت هذه الشروط في اليمن أو في أي بلد عربي آخر؟!. أي ضرورة أن يجيب الصحافي قبل أن يعمل في وسيلة إعلام عن أسئلة تتعلق بحياته الخاصة وأفكاره السياسية وان تؤخذ بصماته وان يوقع على تعهد أمام رجال المخابرات وان يمتنع عن استخدام مصطلحات متداولة. نسوق هذه المعلومات أمام القارىء ونترك له أن يقرر إن كان يريد الاستماع أم لا إلى «صوت واشنطن» و قناتها التلفزيونية « الحرة» أو «الهرة» كما يلفظها المسئولون الأمريكيون. ونكتفي فقط المسؤولون. بالإشارة إلى إن الاستثمار الأمريكي الضخم في وسائل إعلام ناطقة بالعربية يخدم بالدرجة الأولى الجهة المستثمرة و حليفتها إسرائيل وليس العرب فهل حجم المستمعين والمشاهدين «المازوشيين» كبيرا في عالمنا العربي وهل يصل إلى حد تشكيل تيار عريض حول «الهررة» المذكورة؟! في الختام نقول لأهل الصحافة في اليمن هنيئا لكم بالأوكسجين الذي انتشر في مؤتمركم الأخير ونتمنى أن يملأ رئة كل فرد منكم بما يكفي لمواجهة ثاني اوكسيد الكربون الوافد بكثرة من وراء الحدود... وبخاصة تلك الواقعة في أعالي المحيطات القصية. |