الدكتورة رؤوفة حسن لـ(المؤتمر نت):

المؤتمر نت -  لا أعتبره جزءاً من الحراك، لكنه جزءٌ من النفاق، وجزءٌ من الكذب، بأن يكون في الشوارع ناس فقراء، وناس تبيع نفسها، لأنها لا تجد لقمة العيش، وناس آخرون يرمون في الزبالة ما يكفي من المأكولات لكل فقراء  المدينة....
المؤتمر نت-عارف ابو حاتم -
أدعو الصحفيين إلى كشف الحقيقة وسكوتهم عن السلبيات يجعلهم مشاركين في صنعها (الحلقة الأولى)
لا أعتبره جزءاً من الحراك، لكنه جزءٌ من النفاق، وجزءٌ من الكذب، بأن يكون في الشوارع ناس فقراء، وناس تبيع نفسها، لأنها لا تجد لقمة العيش، وناس آخرون يرمون في الزبالة ما يكفي من المأكولات لكل فقراء المدينة، أنا لا أقبل هذا الكلام.. الدكتورة رؤوفة حسن متحدثةً إلى عارف أبو حاتم من "المؤتمر نت"

* قلتِ ذات مرة أنكِ اكتشفتِ حالة من النفاق مورست أثناء العملية الانتخابية في المؤتمر العام الثالث لنقابة الصحفيين ، أدت إلى وجود (83) مرشحا.. برأيك ما هي البذور التي أدت لمثل هذه الحالة؟
-مثير بالنسبة لي أن يخدع الناس بعضهم البعض، وينافقوا بعضهم البعض، ويبالغون في النفاق، ويستخدمون عبارات غير صادقة. ويعدون وعوداً غير حقيقية، ويجعلوا بعضاً من زملائهم يندفعون –ظناً- أن لديهم شعبية، لترشيح أنفسهم بينما ليس لديهم رغبة في الترشيح.
هذه المسألة فعلاً حيرتني، ولا أزال متحيرة، ماذا يحدث ثقافياً، ومجتمعياً، هل صارت لغة عامة يظن فيها الإنسان الذي يخدع زميله أن هذا الخداع يخدمه هو، ولصالحه في شيء، أو أن العملية تمت من منطلق سياسي حقيقي هو: تشتيت الأصوات على جماعات.
-أنا أقول إن البعض اشتغل من منطلق سياسي، بأنك كلما زيدت عدد المرشحين الذين تعرف أنهم، وأصدقاؤهم لن يكونوا تبعك، كلما شتَّتَ الأصوات، وهذه نظرية بسيطة في الجانب الديمقراطي، لكن كيف يقع الناس في المطب؟ بمعنى كيف يخدعك أصدقاؤك؟ أو من كنت تظن أنهم أصدقائك، ثم يخذلونك؟
هذه مشكلة أكبر بكثير من مجرد لعبة سياسية، لأنه من يلعب اللعبة السياسية يجب أن يكون إيديولوجياً، وعقائدياً، مؤمن إيماناً كاملاً أن ما يفعله هو لصالح قضية يؤمن بها، لكن عندما يكون ليس في هذا المفهوم، الأمر يختلف.

المسألة لو كانت أيدلوجية وعقائدية، وفكرية للبعض كان من الممكن تقبلها، لأن هؤلاء يناضلون في سبيل قضية، لكن لا يوجد قضية، وهذه هي القصة، إذن لماذا يلجأون لمثل هذا الأسلوب. أنا أتساءل عن علماء الاجتماع، والمتخصصين في العلوم النفسية، والإنسانية.. على من يشتغلون في اليمن؟!

التطورات الحادثة تدل على أن هذا أمراً ليس طبيعياً.. ما حدث لزملائي أثارني جداً، وأثار انتباهي، جعلني أشعر أن هناك تطوراً سلبياً يحدث للشباب، ويجعلهم منافقين اجتماعيين على نحو غير مقبول لا لهم، ولا للمهنة التي يمارسونها، أنهم بذلك يفتقدون المصداقية بهذا الشكل مع ذاتهم، وأصدقائهم، فما بالك من الجمهور، ومع القراء، ومع الناس الآخرين.

أنا اعتقد أن هناك جلداً آخراً يرتديه الناس، يضعونه فوق جلودهم الحقيقية، إما بغرض حماية أنفسهم، أو بغرض التشويش على الآخرين، وكل هذه الأحوال ليست طبيعية، وإنما هي حالة مرضية.

الوعي والسلوك
أتريدين القول بأن الوعي لدى شريحة الصحافيين هو نفس الوعي لدى عامة الناس، إنْ لم يكن أقل؟

لا.. أنا لا أتحدث عن الوعي، أنا أتحدث عن سلوك.. السلوك مسألة أخرى مغايرة لمسألة الوعي، يسلك الناس الآن سلوكيات رديئة، ولا ينظرون إليها رديئة، مثل ما يحدث في مسألة الفساد، لا يوجد الآن من يتحدث عن الفاسدين، حديثاً حقيقياً، أنا لم أسمع نهائياً عن يمنيين لديهم مصداقية مع النفس أن يقاطعوا حفل عرس، لأنهم يعرفون أن العرس بتكاليفه مسروق من المال العام.
لا أعرف أن أحداً يرى سيارة مسروقة، ويتعامل معها على أنها مسروقة، ويتعامل مع صاحبها على أنه سارق، وإنما ينافق، ويعتبر السيارة جزءً من المظهر الاجتماعي، ويقبل هذا المظهر الاجتماعي أن يكون منافقاً، وسارقاً، وكاذباً، عدد كبير من الأشياء التي تحدث، والتي هي متردية داخل المجتمع، يتم القبول بها، والسكوت عنها، هي مشابهة تماماً لمثل هذا النفاق في أنك تكذب على الآخرين لكثرة ما كُذب عليك، ولكثرة ما قبلت الكذب، ولكثرة ما وافقتَ عليه، هذا لم يعد وعياً. لا دلالة وعيويَّة، ولا فكرية لما يحدث.
يسلك الناس مثل المصابين بالعمى، لا يرون، لا يسمعون، لا يتكلمون، مقبول أن يكون هذا للناس الذين هم خاضعين للضغوط، لكنه مرفوض أن يكون لقادة رأي، لصناع رأي، لإعلاميين، لتخصصين في كشف الحقيقة، هذه سلطة رابعة، تساهم في توصيل الحقيقة من الناس إلى من هم أعلى من صناع القرار. أما إذا قبلوا بالظواهر السلبية في المجتمع، وسكتوا عنها، فهم مشاركون في كل السلبيات الأخرى التي داخل المجتمع، وهذا ما يخوفني، أنا ممكن انطلق من نقطة بسيطة جداً، هي هذا النفاق الكبير جداً من الزملاء لبعضهم بعض. إلى جميع مظاهر النفاق الأخرى، التي أراها الآن في المجتمع، والتي أرى أنه يتم التعامل معها، وتقبلها.
بالنسبة لي لا أذهب إلى حفلات زفاف، ولا أقبل. وهناك آلاف السلوكيات الأخرى التي أرفضها مجتمعياً، وأرفضها للآخرين..

جزء من النفاق!!
* أنت بهذا تقاطعين الحراك اليومي للحياة؟
- لا أعتبره جزءً من الحراك، لكنه جزءٌ من النفاق، وجزءٌ من الكذب، بأن يكون في الشوارع ناس فقراء، وناس تبيع نفسها، لأنها لا تجد لقمة العيش، وناس آخرين يرمون في الزبالة ما يكفي من المأكولات لكل فقراء المدينة، أنا لا أقبل هذا الكلام. هذا شيء يزعجني، يؤرقني. أحاول أن أفكر، وأتأمل فيه، لكن حدود قدراتي بسيطة. أنا على الأقل فيما يتعلق بذاتي لا أمارسه، ولا أتقبله، ولا أتعامل معه.

-بمعنى حالة قطيعة مع الطبقة العليا؟!
*هي حالة قطيعة مع الخُلق، ومع المُثل، ومع القيم، هذه القطيعة التي تحصل، هذا هو الأمر المرعب، ولا أعرف من بدأ بالقطيعة، لكن أعرف أن هناك أشياء تحدث داخل المجتمع، يسكت عنها علماء الاجتماع، يسكت عنها العلماء التخصصين، يسكت عنها علماء الدين، يشغلون أنفسهم ببهارج، وبأبسط الأمور، ويتركون جواهر الأشياء، ويتحول المجتمع إلى مجتمع يأكل بعضه البعض.

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 02:45 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/7851.htm