المؤتمر نت -
سام عبدالله الغُـباري -
قتـلوك يا(أمي)!!
يشعر أطباء اليمن بعقدة الجهل المزمن .. فيشخص أحدهم حالتك المرضية بلغة إنجليزية ، لأنه يعرف أنك لا تفقه لغة البريطانيين ، و بهذا يتفوق عليك و يوهمك ببراعته الطبية ، لكن ألمك لا ينتهي .. و عندها تعرف أنه مجرد مدع ضال .. !!
يعتقد الغالبية العظمى من اليمنيين بغباء أطباءهم .. و هو ما أنعش رحلات الخطوط الجوية اليمنية لبلدان عربية كـ الأردن و مصر .. و أصبحت رحلة الطائرة القادمة من صنعاء محل تندر الأشقاء .. بكونها تحمل كماً هائلاً من المرضى الذين يهرعون لمستشفياتهم لعلاج أخطاء التشخيص الطبي الذي بدء من أحدى مستشفيات الصحة المفقودة في اليمن الحزين (!!) ، لكن هذه الأخطاء لم تدنها محكمة متخصصة في جرائم الأغبياء ، و هو ما يفتح شهية التجارة الطبية بتحويل أجساد اليمنيين إلى حقل تجارب حي لصنوف الأدوية التي يمنحها الأطباء بلا ضمير (!!).
و على قدر سوء الطبابة اليمنية .. تظهر جرائم الجراحين .. و تسفك دماء الآلاف بمباضع الجهل .. و بالممارسة يتحول الجزار إلى جراح .. فنزع الأعضاء البشرية لم يعد مخيفاً .. و أنا أعرف طبيباً عاماً ذبح أكثر من مائة و خمسين حالة حتى الآن .. و بدلاً من أن يساق لمحكمة الإعدام .. يكافئه المساكين بلقب الدكتور .. و يبررون موت ضحاياه بالقضاء و القدر (!!). تعريف الطبيب يأتي من الطب .. وعندما يكون منزوعاً أو فاقداً لأجزائه أو بعضاً منها .. فلا يجوز أن يستمر في مهنته .. لأنها مرتبطة بحياة .. و أمل الآخرين (!!) ، و عندما يتفوق الطبيب على الجزار في عدد الضحايا .. فلن تكون لمهنته الملائكية معنى .. سوى أنها قطعة من جهنم (!!).

حاولت السلطة الحاكمة أن تخفف الزحام على مشافي صنعاء الحكومية ، و الخاصة فأصدرت قرارات جمهورية بترقية مستشفيات المحافظات إلى هيئات طبية و هو أمر لا ينقذ حياة اليمنيين .. لأن جرائم الإهمال الطبي تفوق معدلات الأخطاء الشائعة في هذا المجال الإنساني .. و بدون إنشاء محكمة طبية لإدانة الجرائم القاتلة .. فإن شيطان "الثأر" قد يقض مضاجع الأطباء المغرورين ..!!

يعترف الطبيب بتعدد الأخطاء التشخيصية في مرض غير قاتل .. لكن عندما يكون التشخيص بوابة الموت الأولى ، تكون وصفة الطبيب إدانة ينبغي أن تجلب له العار و تحمله مسؤولية إزهاق النفس بجهالة من يدعي العلم و هو غبي (!!) .
و لا يكاد يخلو طبيب يمني من نزعة الربح المادي ، تكشفه بذلك وصفاته العلاجية و قد حدد بها أدوية هامشية يحرص على ذكرها كعقاقير المضادات الحيوية و المهدئات مقابل نسبة شهرية من مبيعات شركات الأدوية لهذا الصنف العلاجي ، كما يبرم الطبيب اتفاقات مالية أخرى مع الصيدلاني ، و صاحب المستشفى الخاص ، و المخبري .. كل هذا لا يهم لو أنه قدم لك وصفاً طبياً ناجعاً لحالتك المستغيثة من الألم ، لأنه بتجارته الحرام يستغل أقسى درجات ضعفك ، للتفكير في كيفية جلب المزيد من الأموال مقابل إسكات أنينك المتواصل (!!).

"أمي" كانت مكاناً لتشخيص قاتل .. و جراحة جاهلة .. وصل فيها الجزار بمبضعه من الحوض إلى الحوض بحثاً عن رحمها الطاهر .. فلم أتمكن من إلحاقها بـ"طائرة العيانين" لأن مبضع الجراحة القذر كان أسبق من تمكني و محاولاتي اليائسة .. فأرداها شهيدة ..!! .
القصة كانت سهلة .. مرض بسيط دخلت به أمي إلى مستشفى ذمار العام .. كانت تعتقد أنها في طريقها لطلب الشفاء .. لكن طبيبها أهملها .. و جراحها قتلها .. و كان سبب الوفاة تجرثم الدم المؤدي لفشل الأعضاء الفسيولوجية بفعل الجراحة التي لم تلتئم منذ بدء العملية المأساوية حتى مرور ستة أشهر كاملة بأقسام العناية المركزة في ذمار و صنعاء ، و من ثم إعلان الوفاة المفجع (!!).
مخالفة الطبيب أو الجراح لليمين الطبية .. أو ما يسمى القسم الطبي .. يجب أن يضعه في دائرة المساءلة ، فـ"أمي" قتلتها الوساخة الجاهلة المدعية معرفة الجراحة ، تلاها الإهمال العميق المؤدي إلى الموت .. فسكتت أجمل أم .. و أروع إمرأة .. و لم يكن ذنبها شيء سوى أنها طلبت الشفاء من جهلة لا يجب أن تمر روح أمي الطاهرة بلا إدانة لفعلتهم الدموية .. و إيقاف شهوة الجراح من ممارسة مهنته العشوائية القذرة .. و تخليد روح الضحايا الكثيرين باعتبار الأمر صرخة في وجه الطب الجاهل .. و الجراحة الفاشلة .. و لأنهم "لن يمروا" .. فهذه الرسالة الحزينة بداية لأفعال قانونية و مطالب حقيقية لتحويل الجراح المتهم لمحكمة متخصصة يكون لها حق الفصل في دعاوى الضحايا أملاً في الحد من تزايدهم المؤلم .. و لكي لا يكون الرد بألم موازٍ لدماء الأبرياء في مرمى الفاعل الشنيع (!!).

كانت وصية "أمي" إدانة قاتلها .. ليس رغبة في الانتقام .. إنما أملاً في إيقاف مبضعه الخبيث .. و لكي لا يأتي غيرنا فيمزق أحشائه بسكين صدئ فمرارة السكوت عن جرائمهم لا يجب أن تمضي بسلام (!!) .
لقد دافعت الصحافة عن الطبيب "القدسي" .. و كانت وفاته حادثة مؤسفة لكن السلطة الرابعة لم تلتفت لملفات الموت التي برع فيها الأطباء تحت ستار الواجب الطبي .. و قداسة المهنة و قد جعلتهم مصاصي دماء .. و تجار وصفات طبية كاذبة (!!).

إن تحويل أسّرة المستشفيات إلى توابيت صماء جرائم فادحة بحق الأبرياء الغافلين عن مطالبهم بضرورة عقاب الطبيب .. و قد خان ثقتهم الكبيرة بإعطائهم جرعات مميتة لدواء دمر قدراتهم المعنوية .. و أعضائهم الحيوية ، كما قريبتي التي جاءت تشكو ألم مفاصلها لطبيب شهير بذمار .. فأعطاها دواء أنهى مفاصلها ، و سبب لها السكري ، و أودى بها بعد أعوام الإعاقة الإجبارية عن الحركة ، و التورم ، و احتقان السوائل إلى حتفها المؤلم (!!).
لقد بلغ عدد الأخطاء الطبية في السعودية (233) في 2009م .. فيما فشلت محاولاتي بالوصول إلى رقم محدد لمثل هذه الأخطاء باليمن .. مع أهمية التفريق بين الخطأ .. و الإهمال .. و بين ممارسة العمل الجراحي من طبيب عام لا يحمل أدنى تخصص و لا خبرة عملية .. و لا إجازة واضحة المعالم من بروفيسور موثوق في صحة شهادته .. لأن حياة الناس أغلى من أن ينالها طبيب ينفق وقته على اكتشاف منتديات الدردشة في غياهب "الويب" أكثر مما ينفقها على متابعة الجديد في ثورات الطب الحقيقي (!!).

سنحت لي الضرورة قراءة قانون المهن الطبية و الصيدلانية لسنة 2002م في مواده الـ(43) ، و كان منظماً لدور مشتغلي المهنة الطبية .. مبتعداً عن ذكر عقوبات الإهمال الطبي .. أو الخطأ التشخيصي .. و تركزت مواده في أساسيات الدخول إلى هذه المهنة الهامة .. لكنه لم يذكر شيئاً عما بعد الدخول ؟! ، و من أساء و أهمل و ذبح الآخرين بجهالة .. من يحاكمه ؟! ، و يوقف جهالته المتخفية ؟! ، لقد أستطاع القانون الحصول على كم متعدد من النصوص المطاطية ، متجاهلاً دور المجلس الطبي و غافلاً اختصاصاته (!!) .
هذا أمر ، و الآخر يبرز عند اكتشافك أن أربعة مختبرات بما فيها المختبر الرئيس بمستشفى خاص و حديث له علاقة بالألمان بالعاصمة صنعاء ، و هو المشفى الذي كانت ترقد بعنايته المركزة "والدتي – رحمها الله- " يقدمون نتائج مغايرة لفحوصات الدم الضرورية ، و منها ما بُـني عليه استخدام دواء معين سبب جلطة أمي الدماغية الأخيرة .. فقتلها ، و أيضاً ذهابك لطبيب "جيد" بأمراض القلب ، يؤكد لك بهدوء و عُـمق أن "قلبك" متضخم .. و عليك تعاطي عقاقير طبية مدى الحياة .. و بعد تجاوزك شوطاً طويلاً في أثيرة التناول الملتزم لدواء الطبيب أملاً في إطالة عمرك و الحفاظ على حياتك من أمراض القلب الخطرة .. يفزعك رئيس مركز القلب بمشفى الثورة الحكومي أن قلبك سليم ، و أنك تشكو رئتيك .. و بهذا كانت أدوية (مدى الحياة) التي تناولتها واثقاً أقصر الطرق لإنهاء حياتك ؟! .
أنظروا كيف كانت المأساة المستمرة في مرض "والدتي" الذي جاء بأدوية لها تأثيرات جانبية و مباشرة على العضو السليم .. و قد شخصه الجهل المتمثل في طبيب الغفلة بضعفه و حاجته لدواء يقيه مضاعفات الفشل .. فكان الفشل الأكيد وصفته الأولى ، و المدمرة للكيان البشري التعيس (!!)

إننا نُـذبح .. و دمنا صار هدراً في يد الجلاد .. و ما كانت "أمي" طاعنة السن .. أو مصابة بسرطان مميت .. كانت صغيرة لا تتجاوز الخمسين .. ترنو لعام يجمعنا في المنزل الجديد .. و تتطلع لزفاف إبني ، و بأنها من ستختار عروسه .. كانت عاشقة للحياة .. تلثم وجه الصباح الندي بصلوات الفجر الأولى .. و تنكب على الطهر و الصلاح فتدعونا إليه .. و كانت حماقة الشباب تثأر من حسناتنا فلا نلقي لطلبها بالاً .. و لا لأمرها إجابة .. الآن أبكي و أتذكر القات الذي أخبأه بين ملابسي .. فتكشف أمره .. و تدعو لي ضاحكة .. أتذكر أبني و هو يناديها باسمها مجرداً من لقب "ماما" ، فتغسل قلبها بضحكته البريئة ، و تغتصب جسده الصغير بقبلاتها الحارة .. كم أنت عظيمة يا أمي .. و كم كان رحيلك فاجعة مدمرة للقلوب المثقلة بصرخات البكاء العاصف (!!)

أخيراً : السلام عليك يا "أمي" .. من حياتي القصيرة إلى عالمك الخالد .. و من جموح الدنيا إلى هدوء الآخرة .. و هذا الذي أصابنا بفراقك المروع أبكى تفاصيل الدمع في مآقي العين .. و أجهد القلب الصغير بفاجعة لن تمحها سنين العمر الباقية .. و في ذكراك أبكي .. و أشاهد الفيلم القصير لرحلتك العذابية المرهقة .. و الصوت الحزين يرافق المشاهد المتداخلة .. ينشد : (( لسوف أعود يا أمي أقبل رأسك الزاكي )) .. فيلفني الحزن مجدداً ، و لا أمنع دموعي من مواصلة الانهيار الصامت على مشاهد الألم .. و طفحات الجلد الساخنة .. و صورتك و أنت تبكين .. أو تضحكين .. و حكايتك مع أطفالي : عدي و قصي و إياد ، و أما "يحيى" الجديد فهو إسم يخص رؤيتك الطاهرة عن ولادة طفل مبارك بإذن الله .

لقد فارقتنا يا أم مرغمة (!!) .. أخذك الطبيب المهمل .. و الجراح الجاهل من بين أحضان السعادة و جلسات السمر الرمضاني .. و ليالي العيد ، و مسلسل النبي يوسف .. و عشق قراءة القران الشريف .. و صلوات الوتر ، و تراويح الجامع القريب .. لقد انتزعك الذئاب من حديقة الحملان الوديعة .. و سفكوا دمك المقدس على بلاط الجهل و الكذب و زيف الخداع .

يا "أمي" لن يمر هؤلاء .. سيحاكمهم الله عز وجل .. و سترين كم هي الحياة قصيرة .. و كم هو العذاب الطبي ابتلاء يُـقدره الله تعالى للصالحين .. و عباده الأتقياء الأنقياء .. وداعاً يا "أمي" .. أقولها للمرة الأولى .. أكتبها ساخنة على أوراق الصيف الماطر بحزن يلوك أفئدتنا جميعاً .. و يعتصر أجسادنا المرهقة .. و يحفزنا على الثأر من الجهل الطبي بما يمحو تأثيره المزمن على الضحايا الأبرياء القادمين من بعيد (!!).
وداعاً "أمــي" ..!!
و صباحكم .. مُـــر ،،

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:45 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/80007.htm