المؤتمر نت - صورة تعبيرية

سعاد عبدالله الحليمي* -
زيارة بعد منتصف الليل (قصة قصيرة)
أنهى ما يسميه عملاً في ساعة متأخرة من ليلة شتائية موحشة ، وقف بتكاسل يحاول أن يحني ظهره مرة للخلف ومرة أخرى شمالاً, علّــه يستطيع أن يقلل من تصلب ظهره بهذه الحركات الرياضية البسيطة ,نظر إلى سرير متواضع قرب المكتب واثر أن ينام عليه ، فهو الأقرب لجسده المرهق من غرفة نومه الأصلية ، وعليه فقط يستطيع أن يقُـط في سبات عميق دون أن يزعجه أحد .
وعلى ذلك السرير راح في سبات عميق، عميق جداً... جداً ....

ولكن لم تكن سوى ساعة من راحته حتى دخلت عليه امرأة غريبة ، حاولت أن تعبر الغرفة وصولا إلى سريره بهدوء تام حتى لايسمعها ,وبعد جلوسها على طرف السرير, واعتدالها في جلستها القريبة منه، وضعت يدها اليمنى على كتفه الأيسر وهزته برقة بالغة قائلة له بما يشبه الهمس:
_استيقظ .... استيقظ .
وبما أن صاحبنا كان فيما يشبه الغيبوبة لشدة تعبه فلم يستجب لها، فما كان منها إلا أن قربت وجهها منه لتصرخ في أذنه:
_استيقظ .. إلى متى وأنا أنتظر !!!
فهب فزعا من نومه ليجد مايذهله .....
امرأة فاتنة تجلس وبالقرب منه , وعلى طرف سريره , بزي غريب جدا, وكأنه قد جمع حضارات العالم من أقصاها إلى أدناها, ومن عصر ادم إلى يومنا هذا. فنظر بعفوية يشوبها الهلع إلى الباب, ليجده مقفلا كما تركه !! سألها وهو يحاول أن يدير رأسه بين الباب الموصد وبين الجسد الجميل محاولا في نفس الوقت أن يرفع جسمه ويجلس بعيدا عنها عند رأس السرير:
_ من أنت ؟ وكيف دخلت إلى هنا ؟ وماذا تريدين ؟
اقتربت منه أكثر قائلة بهدوء :
_ هون على نفسك فأنا مسالمة كما ترى ... ورفعت يديها الخاليتين إلا من ...........

هاله ما رأى .... انها خيوط رقيقة جدا جدا تلتف مابين أصابعها الطويلة بتشابك غريب!!
وهي نفسها الخيوط التي صُــنع منها ثوبها العجيب, الذي لم يترك قطعة حرير صينية أو قطيفة يمانية, أو صوف بدوية, أو جينز أمريكية إلا حواه الثوب بهذه الخيوط الغجرية !!!!

_ابتعدي عني وإلا...
قالها مهددا وهو يقفز قفزة بهلوانية أبعدته عن سريره وعنها ، فيقف في منتصف الغرفة ممسكا بكرسي مكتبه ليكون حاجزا بينهما .
أنزلت يداها وهي تبتسم من تصرفه .
_ قولي من أنت وإلا...
وبهدوء ساخر قالت :
_ وإلا ماذا ؟ ماذا ستفعل لي ؟ لقد أتيتك كما طلبت .
_ ماذا ؟ أنا طلبتك أنت ؟ أنا حتى لا أعرفك. فمن أنت حتى أطلبك ؟
نظرت إليه بخبث وثقة بالغين , وقالت وهي تقترب منه بجسدها المياس :
_ أنا من كنت تطمح بها منذ مدة, أنا من تركت رعاية أهلك لأجلي , وأهملت الجميع بسببي
أنا الكل والكل أنا... أنا ماضيك وحاضرك, وبالتأكيد مستقبلك , وليس أنت فقط بل كل الناس.

ما إن أكملت ذلك حتى كانت قــُــرب الكرسي الذي يمسك به, وأبعدته عنه, وأمسكت بيده في هدوء تام, بينما هو كان كمن سـُــلبت منه إرادته من الهلع الذي أصابه عندما لمسته بيدها الغريبة الملمس.... أجلسته على الكرسي قائلة له:
_ جربني ...جربني في أي شي.
_عن أي شي تعنين , وعن أي تجربة تتحدثين ؟؟
عادت هي إلى سريره, وجلست عليه كما كانت فأجابت :
_اسألني عن أي شيء بل ... عن كل شيء,فأرد عليك في الحال .
ضحك باستهزاء قائلا :
_ ماذا !! مارد الفانوس أنت وأنا علاء الدين الذي عليه أن يتمنى ثلاث أمنيات فقط.
رفعت جانب إحدى حاجبيها لترد بثقة:
_ كلا ... ولكني سأجيبك حتى لو عن مليون سؤال وسؤال.

حينها صاحبنا قد ذهب عنه روعه وارتاح في جلسته على كرسيه وبدأ يشعر بالتحدي تجاه هذه المخلوقة العجيبة التي اقتحمت داره بلا استئذان , ونسي كل شئ سوى أن يختبر صدقها ، فنظر إلى طاولته وقام من كرسيه ليسحب النظارات من الطاولة وعندما لبسها عاد لكرسيه ليعاود التمعن في ملامح الحسناء ..... حك ذقنه وفكر للحظة ثم قال مستهترا:
_ حسنا ... إذا متى انتهت حرب فيتنام ؟
_هل ترغب بالذهاب إلى هناك !!
فرد باستعجال واستهزاء :
_ إلى هناك .. نعم ولم لا ... السياحة مطلوبة مادامت على حساب الغير.

وفجأة وجد نفسه في إحدى قرى فيتنام المنكوبة حيث الأكواخ المهدمة, والمزارع مهجورة ولا يوجد سوى الحطام , حطام كل شيء, ورائحة الدم منتشرة في المكان , والموت يحوم كالغراب على الجميع ... كانت تمسك بيده عند إحدى أركان كوخ يصرخ بداخله طفل رضيع قتل والداه عند باب الكوخ عندما قدما لأخذه والهرب به ، وصوت القنابل تهز الأرض فتهز سريره ويسكت حينها !! والنيران تلتهم لون الحياة الأخضر بحمرتها الغانية المليئة بالسواد لتصل إليه... دخل الكوخ بسرعة وحاول أن يحمل الطفل من مهده لكنه تفاجأ بأنه غير قادر على ذلك ، فيداه وجسده كله يخترق الأجسام والمادة دون أن يمنعها شئ .. صرخ في فتاته :
_ ساعديني أرجوك لأحمل ذلك الطفل قبل أن تلتهمه النار.
فردت بقلب بارد جدا :
_أنت يا عزيزي تشاهد ما حدث في تلك القرى البائسة وليس بمقدورك أن تغير مجرى الأحداث .
فصرخ بها ليختلط صوت صراخه مع صراخ الطفل:
_ أرجوك افعلي شيئا له. أرجوك بسرعة !!
وبنفس البرود قالت :
_ مادمت غير قادر على رؤية الدمار في هذا البلد الذي نـُــكب بحرب طاحنة فلماذا وافقت ؟
صاح قائلا :
_إذا أعيديني قبل أن أرى النار تلتهم جسده الصغير.
وهنا ... وجد نفسه على كرسي مكتبه من جديد وهو لايزال في حالة ذعر مما رأى .
أما هي فكانت نشوة الانتصار تنطق بها عيناها:
_ ها !!! عن أي حرب ستسألني الآن ؟
_ من أنت؟؟!
_ لم ننتهي بعد يا عزيزي .
فرد بإصرار :
_من أنت ؟
_ ألم أقل لك بأنني الحاضر والمستقبل وبأنني....
قاطعها قائلا :
_ كفي عن هذه الترهات وأخبريني من أنت ؟
_هل انتهت أسئلتك ؟ فقط هذا ماذا تريد معرفته ؟ لقد ظننتك تواق للمعرفة أكثر من هذا بكثير.

فعاد له الإحساس بالتحدي من جديد فانتصب قائما, وعندما اقترب منها كثيرا انحنى عليها وقال لها:
_ حسنا ... ماصحة هذا الخبر المنتشر عن هذا المرض المسمى بأنفلونزا الطيور ؟؟ ومن أين بدأ ؟ ومتى سينتهي ؟ وهل سيتطور ليصبح مع أنفلونزا البشر شيء واحد , فيتزاوج الفيروسان , ويبدأ الناس يتناقلونه بسرعة البرق ؟ وهل هو مرض العصر أم انه نقص المناعة المكتسبة هو الذي سيحصد الناس أو هي النزعات السياسية والأطماع الاقتصادية ؟

فوقفت أمامه وجها لوجه لتقول له باستهزاء وهي تحاول أن تضع يدها الموحشة حول رقبته وكأنها تحاول خنقه:
_ماذا ؟ ! هل تخاف من الموت ياعزيزي ؟ هل تخاف أن تطالك الأمراض يوما ؟ هل تخشى من العجز والضعف ؟ ومن النوم على ظهرك دون حراك مشلولا حتى تموت ؟ هل ....
رفع يدها عنه بسرعة قائلا:
_ ابتعدي عني وإلا.....
ضحكت هذه المرة بصوت عال :
_ ( وإلا !!!! ) هل عدت لتهديدك السخيف من جديد .... أتدري بودي أن أعرف ( وإلا ماذا ؟ )
فرد بغضب :
_ أنت وقحة !
وما إن سمعت هذه العبارة حتى تحولت في لحظات إلى عنقاء هائلة تحني برأسها عليه وجسمها الضخم يملئ أركان الغرفة ، ريشها عبأ المكان حتى كاد جسدها يخنقه لولا أنه لاذ في زاوية ، أمسكت بمنقارها الكبير طرف قميصه لترفعه للأعلى , فيجد نفسه على بعد مئات الكيلو مترات فوق سطح بحر هائج وتلقيه بعدها على شاطئه الذي كان مليئا بسرب من الطيور المهاجرة وهو بحجم دودة صغيرة ، وما إن رأته الطيور حتى بدأت باللحاق به محاولة التقاطه والتهامه, أما هو فقد كان مذعورا لضالة حجمه ولكثرة الطيور التي كانت تصدر صوتا غريبا وهي تركض في طلبه , ومع ذلك كان ركضها بطيئا وكأنها في حالة إعياء من كثرة الطيران والتحليق ... جاءه صوت تلك العنقاء قائلة :
_ بم تفكر أيها الغبي، فهي ليست بطيئة لكثرة طيرانها, بل لأنها مصابة بالمرض الذي سألتني عنه.
رفع رأسه وهو يلهث ويركض ليجدها لازالت تحلق فوق رأسه وتمنع عنه أشعة الشمس فيرد عليها بانفعال:
_ماذا تنوين العمل بي ؟ هل ترغبين بقتلي ؟؟
ومن بعيد جاءه صوتها :
_أنا !! أنت من سأل وكان على أن أريك .
كانت الطيور المسكينة لازالت تهرول خلفه وهو مستمر بالركض أمامها ,ومن حسن حظه أن الطيور المهاجرة المعتلة بدأت تتساقط واحدا تلو الآخر, فقد فتك بها المرض وأعيتها رحلتها السنوية التي قدرت عليها منذ الأزل..... وحتى بعد أن انتهى من سباقه المميت وجلس على حجر صغير محاولا التقاط أنفاسه لم يتمكن من ذلك, فالعقرب التي لم ينتبه لها خلفه تأملت به وجبة لذيذة , فهب من جديد ليصرخ بالعنقاء:
_ إلى متى وأنا أعيش هذا الرعب !!
أجابته :
_لك ما تريد .
وهكذا كما وجد نفسه على الشاطئ بلمح البصر , عاد إلى غرفته بنفس السرعة، وعاد إلى حجمه الطبيعي , وهي عادت كما كانت فتاة غريبة داخل عقر داره مع ضحكة واستهزاء وهي تقول:
_ههههههه .... كم تمنيت لو ترى نفسك من المكان الذي كنت أنظر أنا إليك منه.. لقد كنت فعلا كما يـُــقال ( ريشة في مهب الريح ).
نظر إليها بحقد :
_ أنت مجنونة ! مجنونة !
_ نعم ... ربما أنا مجنونة, ولكن لا تنكر بأنك تحب جنوني هذا .
وباستنكار:
_ أنا !! أنا أحب جنونك ... من قال لك ذلك ؟ !
_ أنت.
_ أنا!!! آه يبدو انك لغز لن ينتهي ، تحركيني كما شئت بلا إرادة مني , وكأنني في متاهة .

وببساطة هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة :
_ متاهة ! ؟ حسنا كما تريد .
ومع انتهاء جملتها كان هو بمكان عجيب .
شعور غريب انتابه رغم هدوء هذا المكان.....
الظلام رهيب والصمت أرهب .
حدث نفسه ( يا الهي معقولة !! هذه متاهة ؟؟؟؟ ) صرخ بها :
_لماذا ؟ لماذا كل هذا ؟ كيف سأخرج من هنا ؟
وأتاه الصوت من مكان ما :
_ما عليك سوى أن تسير في الخطوط السليمة ، إنها لعبة لطالما كانت تسليك في مجلاتك ووصلت إلى المنفذ السليم .
ماذا ؟ ولكنني لا أرى شيئا ... الأمر مختلف هنا .
لايوجد اختلاف ياعزيزي خذ وقتك واستمتع باللعبة .
لعبة !! وعزيزي !! انك فعلا مجنونة .
وبنبرة شماتة قالت :
_ مثلك أيها الأحمق النـُــقطي ....
_ النـُــقطي !!
_نعم ألا تعلم أنك الآن نقطة حبر تتدحرج على ورقة.
_ تبا لك .... حسنا أنا لا أتمنى متاهة بل أتمنى أن أنام قليلا فقد تعبت من اللعب، أرجوك
( قال هذا بأدب هذه المرة ).
_ ماذا أيها الأبله !! ألا زلت تظن فعلا بأني مارد مصباح وأنت علاء الدين ؟؟ يالك من غبي لم أظن أنك بهذه الدرجة من السذاجة .
_رويدك, فلم يبقى نعت بذيئ لم تصفيني به ( غبي وساذج وأبله ) هلا احترمت مشاعري قليلا ؟
_ أنا من علي احترام مشاعرك أم أنت الذي لم تراعي شعوري منذ أن قدمت ؟ ترهقني بطلباتك وتسهرني معك حتى وقت متأخر من الليل كل يوم, لتوحي لي بأنك مغرم بي إلى حد الجنون.. وعندما حضرت لك جسدا متمثلا إلى غرفتك تنبذني بنظراتك ؟
_ إني لا أفهم مما تقولين شيئا.
_ لأنك غبي .
_ أرجوك كفى.
_ هكذا كنت ؟ أنت من يحدد ويطلب وينهي الأمور, واللقاء أنت الذي تحدده متى تشاء, ولكن هذه المرة لن أسمح لك بذلك .
_ ماذا تعنين ؟؟!
_عليك إكمال اللعبة حتى تصل إلى النهاية ولن أخرجك منها هذه المرة أبدا حتى تكملها.

وبدون أن ينطق بكلمة بدأ بالتدحرج خلال الممرات المرسومة ، حاول مرارا أن يتخطى اللون الأسود ليقفز من المتاهة ويهرب, لكن دون جدوى, فالخطوط بالنسبة لضالته كانت بمثابة حائط وهكذا ظل يتدحرج ويتدحرج بلا دليل . فإذا ماسار مسافات طويلة وجد نفسه أمام طريق مسدود, يعود أدراجه من جديد ليحاول مرة أخرى, وهو مع هذا صامت كأسير سياسي أمر سجانوه بتعذيبه عذاب نفسي فيحاول أن لايبدي لهم انكساره وقلة حيلته, خصوصا وانه قد أراق ماء وجهه برجائه إياها عدة مرات .... شعر بأن الوقت يمر وهو لم يصل إلى النهاية ,وعرقه بدأ يتصبب لشدة الحر داخل المجلة فيزيد ذلك شعوره بالاهانة والضعف , وبدأ يفكر بعمله الصباحي فماذا لو لم يخرج منه أبدا ؟؟؟ نعم ولم لا؟ فربما يعود للوراء أكثر وأكثر وهو لا يدري, وربما يمر على نفس الطريق عشرات المرات !!! وماذا عن ولديه الصغيرين اللذين لم يلاعبهما منذ مدة ,وأهمل متابعة دروسهما , وماذا عن ( عبير ) تلك المرأة التي صبرت على تغير طباعه ولا زالت صابرة... ( عبير ) الفتاة التي ظن عند لقائه بها لأول مرة بأنه لن يفارقها أبدا, وعندما تزوجها جزم على أنه ملك العالم بأسره، أما اليوم فالوضع مختلف لكن لا... إن خرجت من هذا المأزق فلن أغضبها مني مهما حدث ( فرد على نفسه ):
لكن (عبير) لم تغضب مني يوما ولم تشعرني بتقصيري في حقها هي والأولاد, بل كانت دائما تراعي شعوري ورغبتي في الابتعاد عنهم (( كلا.... ما إن أخرج من هذه اللعبة حتى أصلح كل ما أفسدته )).
_ ها ... ألم تصل بعد ؟؟ ( جاءه صوتها مستفزا )
لم يرد عليها واستمر في التدحرج هنا وهناك.
لايعلم كم من الوقت مضى عليه وهو في هذا المكان الموحش الذي زاد من وحشته إحساسه بالضعف التام والندم على مافاته ، ومع هذا استمر في التدحرج .. كان يسمع صوتها وهي تتحرك جيئة وذهابا, تنتظر خروجه .. ويتخيل لو فتحت زوجته الباب بمفتاح آخر في أي لحظة ورأتها بغرفته فماذا سيحدث ؟؟ وكيف ستكون ردة فعلها ؟؟
_أعوذ بالله العظيم من هذه الأفكار.
( قال هذا محاولا إبعاد هذه الفكرة من رأسه )
وأكمل تدحرجه ولكن هذه المرة وهو يستغفر الله ويكبره عله يغفر له ما أضاعه من وقت بهذه الغرفة المشئومة.
وبعد عناء طويل خرج من المتاهة وبدأ يرى درج المكتب يفتح عليه, ليدخل له بصيص من الأمل والضوء معا.
_ هل انتهيت ؟
رد بقتور وبدون أي اهتمام :
_نعم
_ يمكنك الخروج الآن .

أخرجت المجلة التي تحتويه لتعيده إنسان بلحم ودم كما كان، جلس على سريره مبتعدا عن الطاولة وعنها دون أن ينطق بكلمة وكأنها غير موجودة، اقتربت منه وجلست قبالته على السرير وسألته بدلال:
_ والآن.... ماذا تريد ياحبيبي ؟
رد من دون أن ينظر إليها:
_ لا شيء .
_ هل أنت غاضب مني ؟
_ كلا ( دون أن ينظر إليها ).
وبدلال أكثر .
_ بلى ... ماذا ؟ هل انتهيت مني ؟ حقا ؟
_نعم .
_انظر إلي يا عزيزي ...
رفع رأسه والتقت عينيه بعينيها.... رغم غرابة هذه الفتاة إلا أن بعينيها سحرا وجاذبية مذهلين ورغم ما فعلته به, إلا أنه شعر للحظة بأنه مستعد للبقاء معها أطول وأطول ..
أحست بضعفه أمام أنوثتها الطاغية, واقتربت منه ...جثت على الأرض بركبتيها وهي لازالت تحدق به محاولة التظاهر بالخضوع له, وقالت وهي تضع يديها على ركبتيه بحنان:
_أأمرني فأنا طوع أمرك , وتحت إشارتك من إصبعك .
همّ بأن يضم يديها بيديه, ويجلسها بقربه وينجرف وراء نزواته. لكن أمورا كثيرة منعته: خوفه من خالقه العالم بخفايا النفوس قبل الأفعال ,والمتفضل عليه بالنعم، ومعرفته بحدوده كمسلم أولا, وكزوج لامرأة فاضلة ثانيا ,ولكونه أب يجب أن يكون قدوة لأبنائه في السر كما في العلن.
ولهذا ... أشاح بوجهه عنها وأجاب :
_اذهبي ...
_ماذا ؟؟ ( فقد صدمها بجوابه )
_أمرتك بأن تذهبي .
_ولكن أنت من تطلبني .
فرد بغضب:
_كاذبة...فمنذ مجيئك وأنت تقولين ذلك، لماذا ؟؟
_هذا ما تفعله أنت كل ليلة !! تستدعيني فأحضر لأجلك ( قالت هذا بانكسار قلب مدافعة عن نفسها وهي تهم بالوقوف ).
صرخ بها :
_كاذبة قلت لك إنني لم أفعل.
اجتاحها نوبة غضب مما سمعته فدفعته إلى الوراء لتمسك عنقه بيديها القويتين وتضغط عليه بقوة مهولة وهي ترد :
_ مخادع.. مخادع ... غشاش.
حاول أن يفلت من قبضتها وهو يصرخ بدوره:
كاذبة !! كاذبة.....

_( أحمد ) ... ( أحمد ) استغفر الله يا ( أحمد ) !! ( جاء صوتها من خلف الباب )
_ ( أحمد ) استيقظ ياعزيزي فصوت المؤذن يصدح في كل مكان كيف تنكر ذلك ؟ وتقول بأني كاذبة ؟

استيقظ من نومه وهو ممسكا بوسادته التي كانت على وجهه وكأنه يحاول إبعادها عنه:
_ماذا تقولين ؟
_استيقظ فقد حان وقت صلاة الفجر.
نهض بسرعة والعرق يتصبب منه . فتح الباب وإذا بها ( عبير ) تنظر له باستغراب:
_لماذا تقول لي بأنني كاذبة!! ألم تسمع صوت المؤذن ؟
_ لم أكن أعنيك يا عزيزتي .
_إذا من تعني ؟
وبعفوية حاولت أن تنظر إلى داخل الغرفة ولكنه مسكها بلطف وأغلق الباب مجيبا:
_الحلم... أقصد الكابوس .
ابتسمت في دلال قائلة :
_ اعترف ..كان حلما ورديا وفيه فتاة أجمل مني.
نظر لها بحب قائلا :
_ لا توجد امرأة بالكون أجمل منك , لذا فعندما أرى امرأة في منامي وأقارنها بحسنك أجده يتحول إلى كابوس .
وعادت تسأله :
_ولكنك كنت تقول....
قاطعها قائلا :
_هيا علينا أن نتوضأ بسرعة للصلاة .
في اليوم التالي دخل تلك الغرفة نظر إلى أرجائها وأركانها ركنا ركنا:
سريره الفردي الذي كان يتساهل النوم عليه لشدة تعبه وقربه منه... طاولة مكتبه ...أدراجه !! أخذ بعض الأوراق المهمة فعلا والتي تخص عمله وهم بإغلاق الباب ليقع نظره أخيرا على جهاز الحاسب الآلي الذي كان ينسى نفسه وهو يعمل عليه متنقلا من موقع لآخر داخل الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) مضيعا أجمل لحظات عمره التي كان من الممكن أن يقضيها عبدا راكعا لربه, أو لاهيا لاعبا مع أطفاله في أحد الحدائق أو مع ألعابهم, متحدثا أو مستمعا لزوجته العزيزة.
هنا أدرك من تكون تلك الفتاة أو بالأحرى من الذي تشكلت له في جسد فتاة , وأوصد الباب خلفه ليعطي المفتاح لزوجته قائلا :
_ الليلة سنذهب جميعا إلى المتجر لشراء مايلزم ، وتنفيذ ماكنت ترغبين فيه منذ مدة .
نظرت له باستغراب .
وأكمل هو :
_ وتحويل هذه الغرفة إلى غرفة خاصة بلعب أطفالنا !!


انتهت
26 / 4 / 1428هـ
*قاصة سعودية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 10:43 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/81450.htm