المؤتمر نت - عاد منتخب الأرجواي من مونديال جنوب أفريقيا مزهواً بحصوله على المركز الرابع من بين أقوى (32) منتخباً لكرة القدم في العالم؛ إضافة إلى ظفر نجمه دييجو فورلان بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في مونديال جنوب افريقيا.
منتخب الأرجواي الذي تم انتقاء نجومه من بين ثلاثة ملايين نسمة فقط، أي أقل

المؤتمرنت – عصام السفياني -
ماذا لو كانت لحج جنوب الأرجواي؟
عاد منتخب الأرجواي من مونديال جنوب أفريقيا مزهواً بحصوله على المركز الرابع من بين أقوى (32) منتخباً لكرة القدم في العالم؛ إضافة إلى ظفر نجمه دييجو فورلان بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في مونديال جنوب افريقيا.
منتخب الأرجواي الذي تم انتقاء نجومه من بين ثلاثة ملايين نسمة فقط، أي أقل من عدد سكان الحالمة تعز التي لم تتوج سوى بثلاث بطولات في الدوري المحلي واحدة منها في القرن العشرين، وبطولتين لنادي تقف خلفه أكبر مجموعة صناعية في البلد هي مجموعة هائل سعيد أنعم.

الاستهلال بالحديث عن منتخب الأرجواي ليس مجرد معلومات تستدعي السرد، بل للاستشهاد بخطوة وطنية رائعة أقدم عليها هذا المنتخب بعد أن حظي باستقبال رسمي وشعبي كبير تمثلت في تبني المنتخب إنشاء صندوق يشارك في تمويله نجوم المنتخب المحترفين في الأندية الأوربية ونجوم السينما والفنانين، وأخيراً الحكومة، وتكون مهمته دعم المهارات في كل المجالات لشباب الأرجواي.

فدور الاستثمار في الرياضة ليس هيناً مهما كانت كلفته، كما أن إفرازات تجاهل قطاع الشباب وحرمانهم من أنشطة ومهارات يتوقون لممارستها لم تعد خافية على كل متابع للشأن الرياضي والشبابي في بلد كاليمن ثلاثة أرباع سكانه هم شباب وأطفال ليست اهتماماتهم الرياضية أقل شأناً من الشباب.

جميعنا كيمنيين من مسئولي المؤسسات المعنية بالرياضة على يقين تام بأن شباب اليمن بإمكانهم تقديم صورة مغايرة لواقعنا الرياضي المثقل بالهزائم والنكسات في مختلف الألعاب؛ إن هم وجدوا التفاتة صادقة ودعماً يوفر -ليس كل، بل بعض- متطلبات حياتهم الرياضية.

ولا يجب هنا تجاهل صفحة ناصعة في تاريخ اليمن الكروي حيث قدم مجموعة من الأشبال عروضاً أبهرت العالم، هؤلاء الفتية الصغار القادمين من بلد فقير ومتعب واجهوا وبندية ثلاثة من أقوى منتخبات العالم، فيمثل كل واحد منهم قارة: البرازيل، والبرتغال، والكاميرون، وذلك في كأس العالم للناشين التي أقيمت في "فلندا" عام2003م، ومثل اليمن فيها منتخب "الأمل".

الحديث عن التفريط بمنتخب الأمل ليس جديداً فقد كثر النواح والعويل عن ذلك الحلم الذي غادر مضاجعنا وإلى اليوم، لكن المهم هو أن نجوم منتخب الأمل لم يأتوا من المريخ، بل من حواري وأزقة وقُرى اليمن التي قل ساسة الرياضة فيها آمال الصغار والكبار الذين ينشدون رياضة تشرف علمهم في كل المحافل.

*عشاق رياضة وتبريرات جاهزة

من يشاهد – وخصوصاً في العطلة الصيفية التي نعيشها هذه الأيام- الملاعب الترابية والأراضي المسورة التي تكتظ بعشاق الرياضة لا يجد تبريراً لعجز الجهات المختصة عن استثمار طاقات هؤلاء الصغار وصقلها وفق الأسس المتبعة في أفقر بلدان أفريقيا إن نحن تحججنا بشحة الإمكانات..

ويكفي هنا الإشارة إلى مثال واحد لإثبات سودواية واقع الرياضة في البلد رغم هدر الكثير من الإمكانات في فعاليات وأعمال وهمية وغير ذات جدوى!!

محافظة لحج وهي واحدة من محافظات اليمن المهمة، فهي وإن كانت اليوم مصدر قلق للحكومة بسبب الخارجين عن القانون الذين يستغلون الشباب في أعمال فوضى وشغب ومسيرات ترفع شعارات بائدة تبقى لحج منجم المناضلين والثوار ومدينة الفن والخضرة والجمال، والحِرف اليدوية والحلوى، وكل ما هو محبب للنفس.

التقارير –سواء كانت أمنية أو صحفية- تؤكد أن غالبية الذين يخرجون في المظاهرات في محافظة لحج هم شباب!! والسؤال يبقى دائماً لماذا تعجز الحكومة بمؤسساتها الرياضية والتعليمية والثقافية عن احتواء هؤلاء الشباب، مع أن المهمة ليست بالمعجزة؟!

يقول رئيس وزراء تركيا "رجب طيب اردوغان" إن الرياضة والتدريب المهني والحِرف مكنت حكومته من إدماج آلاف الشباب الأكراد في المجتمع التركي، رغم أن المقارنة هنا ليست منصفة، سواء من حيث أداء الحكومة في تركيا وآلياتها المتبعة، أو من حيث الاختلاف العرقي بين الأكراد والأتراك، في حين نحن في اليمن شعب واحد، ودين واحد، ولكن مؤسساتنا لم تتمكن من استغلال إمكانات القوى البشرية وتنوعها الرائع لخدمة البلد.

*اهمال الشباب الى متى

يعود التساؤل: هل لو وجد شباب ردفان ولحج عموماً والضالع وتعز وصعدة- وغيرها من بقاع اليمن مؤسسات رياضية قادرة على توظيف إمكاناتها في خدمة مناشطهم الرياضية- سنجد هؤلاء الشباب في شوارع "الحبيلين" للتظاهر أو جبال "مران" للقتال والتمرد، أو صحاري الشرق اليمني بين أحضان تنظيم الإرهاب ودعاة القتل والتشطير.

إذا كانت لحج التي يوجد في كل قرية من قرى مديرية "تبن" -إحدى مديرياتها- أكثر من فريق شعبي لكرة القدم بمسميات رياضية، وبدعم فردي لا يوجد ممثل لها في الدوري الممتاز، بل يمثلها فريق واحد في الدرجة الثانية، بينما كل أنديتها تلعب في الدرجة الثالثة.

وإذا كانت لحج –وهي إحدى المحافظات الساحلية المطلة على بحر العرب- لا توجد فيها رياضة السباحة.
وإذا كانت أندية لحج تلعب بطولة الدوري المحلي في ملعب غير قانوني، ولا يوجد بها سوى ثلاثة ملاعب ترابية مضى على إنشاءها عشرات السنين، وإذا كانت رياضة "الكونغفو" و"البلياردو" والسباحة وغيرها من الرياضات غير مجودة، كيف سيجد شباب هذه المحافظة صعوبة في السير خلف دعاة الفرقة والتمزق؟!

*دعم الحكومة
من نصف مليون ريال إلى مليون وستمائة ألف ريال هذا ما تدفعه وزارة الشباب والرياضة لأندية محافظة لحج، ومحافظات اليمن كلها!!

يقول رئيس نادي "الحسيني" في محافظة لحج مهدي علي العمري إنه وللعام الثالث يتابع وزارة الشباب والرياضة لصرف مبلغ ربع مليون ريال مخصص كتكريم للفرق التي تحقق المراكز المتقدمة في مختلف الرياضات، ولكنه بعد ثلاث سنوات يفاجئ بقرار من نائب وزير الشباب بإلغاء المبالغ المقررة للأندية كتكريم على أدائها، وذلك للأعوام 2007، 2008، 2009م.

مهدي العمري بعد ثلاث سنوات من مطالبته بتكريم فريقه الذي حصل على المركز الثالث على مستوى اليمن في كرة اليد، عاد الأسبوع الماضي إلى محافظة لحج من العاصمة صنعاء بإنجاز يتمثل في إنه أنهى رحلة السنوات الثلاث وأصبح الآن مقنعاً أن تكريم لاعبيه لم يعد ممكناً، وبالتالي لن يضطر للسفر إلى صنعاء وإلقاء التحية على مسئولي وزارة الشباب الذين ظلوا ثلاث سنوات يردون عليه بإجابة موحدة (ما فيش رصيد بالبنك)!

*القطاع الخاص ليس اكرم من الحكومة

مأساة أخرى رواها مهدي اختزلت بعداً آخر من يوميات الإهمال الذي يواجه الرياضة والشباب من قِبل القطاع الخاص والسلطة المحلية، حين عجزت عن توفير تكاليف رحلة لعدد من رياضيي النادي الكبار في السن، تكريماً لدورهم السابق كنجوم قدامى مثلوا النادي في البطولات المحلية.

مهدي يقول وبحرقة إن السلطة المحلية تكتفي بتوجيه رسالة إلى مؤسسات القطاع الخاص لدعم أي نشاط مع معرفتها إن هذه الرسالة لن تعود إلا بالقليل لحاملها.. ويتحدث كيف مكث في مكتب مدير أحد مصانع المحافظة وقتاً طويلاً محاولاً إقناع هذا المدير بدعم الرحلة إلى الحديدة، ليعرض عليه بعد ذلك المدير المبجل مبلغ ثلاثين ألف ريال، مع العلم إن هناك عدد من المصانع الكبيرة في محافظة لحج، منها (8) مصانع حديد وأسمنت وسيراميك وطوب وإطارات ومياه وغيرها..

وإذا كانت وزارة الشباب والرياضة لم تقدم شيء للرياضة في لحج، وكذلك السلطة المحلية، وأيضاً القطاع الخاص، فمن إذاً المعني بانتشال شباب لحج الخضيرة من هذا الإهمال؟ ولماذا تقدم وزارة الشباب والرياضة معدات رياضة لمشائخ ونافذين في حين أن هناك آلاف الشباب بحاجة إليها.

أكثر من (50) فريق رياضي في مديرية "تبن" وحدها يقوم اللاعبين بشراء كل مستلزماتهم الرياضة، ويمارسون لعبة كرة القدم بعشق كبير.. فهل يجد هؤلاء التفاتة من قِبل المعنيين لدعمهم وتأطيرهم في أندية المحافظة الموجودة، أو في أندية جديدة.
لن نطالب وزارة الشباب بأن تخرج من محافظة لحج أو تعز أو اليمن كلها منتخب كالإرجواي، ولكن نتمنى من كل مؤسسات الدولة الرياضية والسلطة المحلية والقطاع الخاص استشعار خطر الفراغ لدى الشباب..

*امنية وتساؤل
مجرد أمنية ليس أكثر ولحج ليست أكثر من مثال، وجارتها عدن ليست بأحسن حال، رغم إنها المدينة التي تأسس فيها أول نادي في الجزيرة العربية هو "التلال" الذي عاد إلى الأضواء بمولد كما يقال..

وأخيراً ماذا لو كانت لحج جنوب الأرجواي؟!!
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 04:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/83053.htm