المؤتمر نت - جمع التبرعات في اليمن يتم دون ضوابط

المؤتمر نت – تقرير – عبدالملك الفهيدي -
متى تتوقف فوضى جمع التبرعات في اليمن؟
قبيل شهر رمضان أقدم أحد المختلين عقلياً بأخذ صندوق لجمع التبرعات خاص بإحدى الجمعيات الخيرية من إحدى البقالات في العاصمة والهرب بالصندوق ومايحويه من مال التبرعات ( يحتفظ المؤتمر نت باسم الشخص واسم البقالة)، وحينما حضر أحد مسئولي الجمعية للسؤال عن الصندوق لم يجد صاحب البقالة ما يجيب به سوى الرد بأن أشخاصاً من الجمعية جاءوا وأخذوه لتنتهي قصة ذلك الصندوق هنا .

هذه القصة الطريفة تعكس صورة للفوضى التي تمارس بها عملية جمع التبرعات في اليمن، ذلك أن مسئولي الجمعية اقتنعوا برد صاحب البقالة ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث أو معاودة السؤال عن مصير الصندوق لسبب بسيط هو عدم وجود وثائق تنظم عملية جمع التبرعات بين الجمعية وبين أصحاب البقالات التي تنتشر فيها صناديق جمع التبرعات بشكل كبير .

قصة الصندوق الذي سطا عليه ذلك المختل "المجنون" هي نموذج بسيط لقضية جمع التبرعات في اليمن التي باتت واحدة من أبرز القضايا المثيرة للكثير من التساؤلات المتكررة سيما في ظل استمرار عملية جمع التبرعات دون ضوابط أو آليات قانونية تنظمها ودون وجود أي إشراف حكومي عليها، فضلاً عن تعدد الجهات التي تتولى جمع التبرعات ، وتعدد الطرق التي تتم بها ، ناهيك عن السرية التي تحيط عمل معظم الجهات التي تجمع التبرعات والتي تتزايد في شهر رمضان المبارك.

ضوابط في الكويت... تساؤلات في صنعاء


قبيل حلول شهر رمضان المبارك أعلنت السلطات في دولة الكويت الشقيقة عن آليات وضوابط جديدة لجمع التبرعات والعمل الخيري من أبرزها منع جمع التبرعات عن طريق الطاولات، سواء في المساجد أو الجمعيات التعاونية أو في الأسواق التجارية بجميع مناطق الكويت.

الخطوة الكويتية التي أثارت جدلاً هناك أثارت تساؤلات متكررة عن أسباب استمرار فوضى جمع التبرعات في اليمن دون حسيب أو رقيب، وعن العوامل التي تقف وراء عجز الحكومة والسلطات المختصة حتى عن تطبيق ما سبق وأعلنته من خطوات هادفة إلى تنظيم العملية والحد من استغلالها بطرق وأساليب مشبوهة.

وكانت معظم الدول لجأت إلى اتخاذ ضوابط هادفة إلى تنظيم عملية جمع التبرعات وإخضاعها لإشراف الدولة عقب اكتشاف تورط عدد كبير من الجمعيات الخيرية في عدد من الدول بدعم وتمويل المنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة .

ومع أن تلك الخطوة أثارت الكثير من الجدل حيث رأى الكثيرون أن تحميل كل الجمعيات الخيرية المسئولية ووضعها في دائرة الاشتباه بتمويل الإرهاب إنما يعد خطاً فادحاً ،خصوصاً حين نجد أن كثيراً من الجمعيات الخيرية تمارس مهامها وأنشطتها على مرأى ومسمع من السلطات الحكومية في الدول التي تتواجد فيها من جهة، ومن جهة أخرى فإن جمع التبرعات من قبل تلك الجمعيات لدعم المقاومة للاحتلال يعد أمراً مشروعاً تكفله القوانين الدولية كما هو الحال في جمع التبرعات لدعم المقاومة الفلسطينية و دعم الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة منذ أكثر من أربع سنوات.

لكن في المقابل فإن الداعين إلى تنظيم عملية جمع التبرعات يرون ضرورة عدم خلط الأمور بذلك الشكل ويدعون إلى الفصل بين عملية جمع التبرعات لدعم المقاومة المشروعة ضد الاحتلال سيما الإسرائيلي، وبين عملية جمع التبرعات التي تتم تحت مسميات متعددة.

ويضيف هؤلاء إن ما يثير الشبهات هو رفض الكثير من الجمعيات الخيرية ممارسة مهامها بشكل قانوني والكشف عن حساباتها وأرصدتها المالية بشكل علني، مشيرين إلى أن بعض الجمعيات الخيرية تمارس عملها في جمع التبرعات بطرق بعيدة عن الإشراف، ودون وجود حسابات بنكية ومصرفية على غرار ما يحدث في المساجد، وفي البقالات، وفي المدارس، وفي الجامعات من جمع للتبرعات النقدية دون وجود إيصالات أو كشوفات أو وثائق خاصة بتحديد المكان الذي ستصل إليه تلك التبرعات،أو المستهدفين الذين سيستفيدون منها.

فوضى الجمعيات

وتبدأ فوضى التبرعات من فوضى القائمين على جمعها حيث تشير الإحصاءات الرسمية لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل إلى أن عدد المنظمات المدنية في اليمن حتى نهاية العام الماضي 2009م بلغ (7047) منظمة منها(2628) جمعية خيرية وهو ما يعني أن الأخيرة تًُشكل حوالي 40 % تقريبا من إجمالي المنظّمات المدنية في اليمن .

وتتعدد وتتنوع مسميات وأهداف الجمعيات الخيرية المنتشرة في عموم محافظات اليمن ومعظمها -إن لم تكن جميعها - تمارس أعمالها بطرق مخالفة للقوانين المعمول بها بدءاً من عدم حصولها على تراخيص رسمية، أو عدم تجديدها للتراخيص -إن وجدت- مروراً بعدم انعقاد جمعياتها العمومية أو إجراء انتخابات فيها، وصولاً إلى تحولها إلى جمعيات شخصية أو أسرية يديرها أشخاص جاءوا إلى قمة هرمها القيادي منذ أول يوم لتأسيسها ولا يزالون هم دون تغيير، وانتهاء بعدم وجود حسابات بنكية لتلك الجمعيات، وعدم الكشف عن حساباتها -إن وجدت- أو مصادر تمويلها ، أو مصادر صرف التبرعات التي تجمعها ،وعدم خضوع أنشطتها المالية لأي إشراف محاسبي أو قانوني رسمي أو غير رسمي.

وتتنوع الجمعيات الخيرية في اليمن من حيث المسميات والفئات التي تستهدفها من جمعيات خيرية تحت مسمى كفالة الأيتام ،إلى جمعيات لدعم الفقراء ،وأخرى تحت مسمى جمعيات المشاريع الخيرية الاجتماعية والتنموية، مروراً بجمعيات دعم الفئات الأشد فقراً، وجمعيات المهمشين، والمكفوفين، والمعاقين، والنساء، وجمعيات بناء المساجد، وطباعة المصاحف، وانتهاء بالجمعيات التي تحمل مسميات مناطقية وتحصر عملها في إطار منطقة معينة.

وبالرغم من أن بقية المنظمات المدنية الأخرى التي تحمل أسماء وأهدافاً ذات طابع بعيد عن مسمى العمل الخيري كالمنظمات الحقوقية، والعاملة في مجال العمل الديمقراطي ودعم حقوق المرأة والصحفيين.. الخ من الفئات الاجتماعية النوعية، إلا أن آلية عمل تلك المنظمات يظل شبيهاً بآلية عمل الجمعيات الخيرية خصوصاً فيما يتعلق بالجانب المالي حيث لا يعرف أحد مصادر تمويلها، أو مصادر الصرف التي تنفق عليها تلك الأموال سوى ما تصرفه على بعض ورش العمل والندوات التي تضج تلك الجمعيات وسائل الإعلام بأخبارها ليل ونهار.

دعم حكومي بلا مردود

وعلى الرغم من نظرة الحكومة اليمنية الايجابية إلى منظّمات المجتمع المدني واعتبارها شريكا مُهما للجهود الرسمية في عملية البناء والتنمية ودعمها بشكل كبير،إلا أن ذلك الدعم يقابله قصور كبير في أداء كثير من المنظمات المدنية .

ويعدد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية، علي صالح عبد الله أوجه دعم الحكومة للمنظمات المدنية في جُملة من الإجراءات والتدابير منها ما هو مالي مباشر أو غير مباشر، ومنها عيني، حيث يشير إلى أن الحكومة تمنح العمل الأهلي إعفاءات جُمركية وضريبية بلغ إجماليها خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة أكثر من 60 مليون دولار، في حين تصل حجم المبالغ المقدّمة نقدا من الحكومة لدعم بعض الاحتياجات داخل هذه المنظّمات بما قيمته أكثر من 300 مليون ريال سنويا.

لكن في المقابل فان المسئول الحكومي ينتقد القصور في أداء هذه المنظمات مقارنة بالدعم الحكومي حيث يقول :إن المُسوح بينت أن عدد المنظّمات الفاعلة لا يتجاوز 30 إلى 35 % من العدد الإجمالي، بينما 30%منظّمات متعثرة و30 % مجمّدة نهائيا.

ضوابط قانونية في أدراج البرلمان


في الجهة المقابلة فان وزارة الشئون الاجتماعية لا تزال عاجزة عن تنظيم عمل الجمعيات الخيرية والمنظمات المدنية والأهلية، والإشراف عليها ، وهو ما يعيده البعض إلى القصور في التشريعات القانونية الخاصة بالعمل الأهلي والمدني.

ويؤكد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية ذلك القصور بالقول: الفوضى الموجودة في مجال التبرعات سببها أن القانون الحالي لم يوفّر أساسا ضابطا لهذه التبرّعات، والتي يُفترض أن تراقبها جهة حكومية، خصوصا وأننا وجدنا أن بعض حملات التبرّعات التي تمّت لدعم بعض الأنشطة الإنسانية الخارجية أنها لم تصل إلى تلك الجهات، وهذا مؤشر سلبي، فالتبرّعات بحاجة إلى نظام وضبط للمصلحة العامة.

وفي محاولة لتجاوز ذلك القصور قدمت الحكومة إلى البرلمان مشروع تعديلات على قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية في اليمن تضمن ضوابط لعملية جمع التبرعات وتنظيم عمل المؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية .

ويقول وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية علي صالح عبدالله في حوار نشرته صحيفة السياسية اليومية: إن الضوابط التي تضمنتها التعديلات على القانون تهدف إلى حماية مصالح أعضاء الجمعيات وحقوقهم، بحيث يستفيد الجميع من الدعم، وليس أفراد معينون ذوو مهارات خاصة أو ذوو علاقات خاصة بالجهات المموّلة،ويجب أن يستوعب التمويل الخارجي أن هناك محافظات بحاجة إلى موارد وتطوير العمل الأهلي، إلى جانب الحفاظ على هذه الموارد من التبديد والإهدار والفساد داخل منظّمات المجتمع المدني.

وتحظر التعديلات على الجمعيات والمؤسسات الأهلية - تحت أي مسمى – جمع تبرعات من الجمهور دون موافقة مكتوبة من وزير الشئون الاجتماعية أو أمين العاصمة أو محافظ المحافظة التي يقع المقر الرئيسي للجمعية فيها،وهو ما اعتبره وكيل الشؤون الاجتماعية تنظيماً للتبرّعات غير المنظّمة التي يتضايق منها الناس حاليا، والتي تحدث في المنابر المختلفة، ومنها المساجد والأماكن العامة كالبقالات وغيرها مضيفاً: وهذا ليس تقييدا للتبرّعات وإنما تنظيم، ووضع ضوابط للمصلحة العامة، وبحيث تصل هذه التبرّعات إلى قنواتها الصحيحة.

ومنع تعديل المادة (76) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية في اليمن أي منها جمع تبرعات عبر شبكات الهاتف المحمول إلا بموافقة وزير الاتصالات، مع منع الإعلام الرسمي من نشر إعلانات للمنظمات الأهلية إلا عبر وزارة الشئون الاجتماعية أو مكاتبها في المحافظات .

وحرمت تعديلات المادة (23) من القانون – الذي لا يزال حتى الآن تحت قبة البرلمان دون إقرار رغم مرور أكثر من عام على تقديمه - تلقي الجمعيات مساعدات عينية أو نقدية من شخص أو جهة أجنبية أو ممثل أيٍ منها في اليمن بغير التقدم بطلب مكتوب إلى وزارة الشئون الاجتماعية للحصول على الموافقة قبل القيام بأي إجراء لاستقبال تلك المساعدات أو إرسالها للخارج .

وتكررت البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن مسئولي وزارة الشئون الاجتماعية والعمل حول الجمعيات الخيرية والمنظمات غير القانونية دون طائل حيث لا تزال تلك الجمعيات والمنظمات تمارس عملها في وضح النهار دون أي إجراءات قانونية متخذة بحقها من قبل الوزارة التي يبرر بعض مسئوليها ذلك العجز بتحميل القانون ونصوصه المسئولية، والإشارة إلى أن صدور القانون الجديد بعد إقرار البرلمان له سيمكن الوزارة من ممارسة اختصاصاتها القانونية بشكل أكبر وبفعالية أكثر.

تبرعات بلا رقيب

وفي الجهة الأخرى شكلت فوضى الكم الهائل للجمعيات الخيرية بيئة مناسبة لفوضى أخرى تتمثل في آلية عمل تلك الجمعيات وطرق وأساليب جمعها للتبرعات المالية،حيث تتنوع مبررات جمع التبرعات من قبل تلك الجمعيات تحت مسميات متعددة ومختلفة بعضها يرتبط بمسميات زمانية محددة وبعضها يتم بشكل دائم.

ومن أبرز مسميات جمع التبرعات المرتبطة بالظروف الزمانية التبرعات الخاصة بمشروع إفطار الصائم في رمضان، ومشروع كسوة العيد في الأعياد الدينية (الفطر والأضحى) ومشروع أضاحي العيد ومشروع الحقيبة المدرسية.

أما التبرعات ذات البعد الزماني الدائم فتتعدد كثيراً ومن أبرزها التبرعات المتعلقة بالأيتام " كفالة الأيتام، تزويجهم..الخ".الزواج الجماعي للشباب، المخيمات الطبية، دعم النازحين، دعم الأقصى، دعم المقاومة، بناء المساجد، طباعة المصاحف....الخ.

وتمتد كل تلك الفوضى إلى إنتاج فوضى أخرى هي فوضى أساليب وطرق جمع التبرعات التي تبدأ من الحصول على هبات وتبرعات من مصادر خارج اليمن سواء أكانت من فاعلي الخير، أو من رجال الأعمال أو من المنظمات الدولية، إلى التبرعات والهبات الداخلية من رجال الأعمال وفاعلي الخير، والجهات الرسمية، مروراً بالتبرعات التي تجمع في المساجد والمدارس والجامعات، والمهرجانات ، وصولاً إلى جمع التبرعات عبر الصناديق التي توضع في أماكن العمل والبقالات والأماكن العامة، وانتهاءً باستخدام أساليب التقنية الحديثة كالإنترنت، ورسائل ال(SMS) عبر الهواتف المحمولة حيث يفاجأ المشتركون برسائل تحضهم على التبرع بمائة ريال لصالح جمعية كذا وكذا مقابل وعود بحصولهم على بيوت في الجنة.

ويمكن القول إن التبرعات المكشوفة والعلنية التي يتم الدعوة لها عبر وسائل الإعلام وتحديد حسابات بنكية خاصة بها لا تزال محدودة، وتقتصر على عدد قليل من الجمعيات الخيرية،وما عدا ذلك فإن عمليات وأساليب جمع التبرعات من قبل الجمعيات الخيرية والحسابات التي تذهب إليها، ومصادر صرفها تظل سرية غير مكشوفة للرأي العام بل وحتى للجهات الرسمية فحسابات غالبية الجمعيات والمنظمات الخيرية والأهلية والمدنية أشبة بوثائق سرية لا يجوز لأحد الإطلاع عليها.

ومثلما تجد السلطات المختصة في الدولة صعوبة في الكشف أو معرفة مصادر تمويل أو صرف أموال تلك الجمعيات والمنظمات، فإن وسائل الإعلام والصحفيين في اليمن يعانون هم أيضاً من صعوبة – إن لم يكن استحالة – معرفة مصادر تمويل الجمعيات، أو حجم أموالها المودعة في حساباتها البنكية او غير البنكية أو طرق صرفها والفئات المستفيدة منها.

مخاطر الفوضى

ولا تقف سلبيات تلك الفوضى عند ذلك الحد فحسب، بل تتعداه إلى مخاطر الاستغلال السياسي والديني لعملية جمع التبرعات وآلية صرفها والفئات المستهدفة، حيث يهيمن الاستغلال السياسي على عمل الكثير من الجمعيات الخيرية التي تحول عملها من عمل خيري يستهدف دعم الفقراء ومساندة الدولة في مكافحة الفقر والبطالة إلى عمل سياسي يخدم أغراضاً حزبية بحتة، ويحصر الفئات المستهدفة في شرائح ذات انتماء سياسي محدد بغرض كسب أصواتهم الانتخابية لاحقاً.

ومن الاستغلال السياسي للعمل الخيري إلى استغلال أخطر يتمثل في دعم العمليات الإرهابية والتخريبية حيث تشير المعلومات إلى تورط بعض الجمعيات الخيرية في دعم التنظيمات الإرهابية كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة أو استغلال الجمعيات الخيرية لجمع تبرعات لصالح التمرد على الدولة كما حدث بالنسبة للجمعيات التي كانت تجمع تبرعات لصالح عناصر التمرد الحوثي، أو بعض المنظمات والجمعيات التي تجمع التبرعات سواء من داخل اليمن أو من خارجها لدعم العناصر التخريبية الانفصالية التي تنفذ أعمال التخريب في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية.

الفقر مبرراً.. الدين غطاًء

وليس من المبالغة القول: إن سهولة جمع التبرعات من قبل الجمعيات الخيرية والأهلية في اليمن يستند على استغلال القائمين على تلك الجمعيات والمنظمات لمبرر انتشار الفقر والبطالة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلد كحجة قوية في إقناع الناس بأهمية التبرع بالمال لمساعدة الفقراء ويساعدهم في ذلك خطاب ديني يحاول حشد كل ما أمكنه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على الصدقة والتبرع لدعم الفقراء واليتامى والمحتاجين وابن السبيل..الخ.

ويعتمد الخطاب الديني الذي يستخدمه جامعو التبرعات على وعود دنيوية وأخروية كثيرة مثل البركة في الرزق، وتطهير النفس، ومحو الذنوب، وتخفيف عذاب القبر، وصولاً إلى مجاورة الرسول في الآخرة، والحصول على بيت مجاني في الجنة " خمسة نجوم" وهي وعود تستحضر الآيات والأحاديث التي تفسر على أهواء جامعي التبرعات وبالشكل والمضمون الذي يناسبهم.

ولا يجد جامعو التبرعات غضاضة في استغلال حديث الرسول " أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة.. الإيمان يمان والحكمة يمانية" للتأثير على نفسيات المواطنين سيما في المساجد التي تشهد عقب كل صلاة حملات تبرع مختلفة تزداد وتيرتها كل يوم جمعة، لتصل ذروتها خلال شهر رمضان المبارك الذي يصل فيه الأمر إلى عدم اكتفاء الجمعيات والمنظمات بجمع التبرعات فقط،بل وتجاوزها في معظم الاحيان الى الدعوة للتبرع بالزكاة لصالح تلك الجمعيات بدلاً من تسليمها إلى الدولة بحجة أن الجمعيات توزعها على أبناء الحي أو الحارة من الفقراء مباشرة خلافاً لطريقة الحكومة التي يلجأ جامعو التبرعات إلى التشكيك بقيامها بصرف الزكاة في مصارفها الصحيحة ، وهو الأمر الذي يسهم في حرمان الدولة من أحد أهم الموارد التي تساعدها في تمويل المشاريع التنموية.

وأمام هذا المشهد يثير مراقبون تساؤلات كثيرة عن المخاطر التي قد تنجم مستقبلاً عن استمرار هذه الفوضى خصوصاً حين يتعلق الأمر بإمكانية استغلال الجمعيات للتبرعات للقيام بأعمال غسيل أموال ودعم الإرهاب، مستندين في ذلك إلى التبرعات التي جمعت تحت مسميات عديدة ليتضح فيما بعد أنها ذهبت لدعم عناصر التمرد الحوثية، أو تلك التبرعات التي تجمع من خارج اليمن وداخله أيضاً بمسميات عديدة وتصل في النهاية إلى العناصر الانفصالية ناهيك عن أموال الدعم التي يتحصل عليها أعضاء تنظيم القاعدة في اليمن من مصادر تمويل خارجية يشتبه في وصولها إليهم عبر جمعيات ذات أنشطة خيرية داخل اليمن.

والسؤال الذي سيظل ينتظر الإجابة من الحكومة إلى متى ستستمر فوضى جمع التبرعات في اليمن؟! وهل حان الوقت لإيقافها؟!
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 04:43 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/83471.htm