مواجهة الإرهاب معركة إنسانية أثبت التجارب والأحداث في كل زمان ومكان أن بؤر الفوضى والفتن والقلاقل هي البيئة الخصبة التي تبحث عنها عناصر التطرف، ويتدافع إليها المنحرفون وتتوالد فيها وتنمو ثقافات الغلو ويستثمرها أباطرة الإجرام لتسويق مشاريعهم اللاإنسانية. ولسنا بعيدين عما حدث في أفغانستان التي استسلمت لصراعات المتناحرين لسنوات قليلة لتجد نفسها غارقة في وحل التطرف الذي دمر بينتها وثقافتها وجلب لها الدمار والخراب بأيدي عصابات الصراع الداخلي وفرق العنف المتوافدة وأطماع الطامعين وسخط الساخطين من كل حدب وصوب. لتغدو أفغانستان اليوم جرحاً نازفاً في ضمير الإنسانية كلها. ومع الفوارق الشكلية في المعطيات والأسباب والنتائج ها هي العراق الشقيقة في ظل الفوضى غارقة في أمواج الصدامات والقلاقل والعنف والتطرف والصراع الطائفي وكوارث الإرهاب وغيرها من المآسي التي لم تكن لتظهر على السطح بهذا الشكل المخيف لولا بيئة الفوضى التي شلت كيان الدولة وأطاحت بالمؤسسات والعمل المؤسسي وقضت على الاستقرار وأتاحت للمتطرفين والمخرفين فرص تفخيخ البلد والمجتمع بما يقضي على فرص وآمال الاستقرار لعشرات السنين القادمة.. وما لم يتدارك العراقيون أنفسهم ويلتف حولهم المجتمع الدولي لإعادة بناء مؤسسات دولة قوية فإن القادم من السنوات العراقية ستكون عصر التطرف والعنف والإرهاب الذي لن يقتصر خطره على ما داخل العراق وما حوله. وإذا ما انتقلنا إلى الصومال سنجد الحال أكثر سوءاً في ظل سيادة الفوضى والفرقة والتناحر والصراعات التي وفرت للإرهاب والتطرف بيئة لا مثيل لها، بفعل ما شهدته الصومال من اختلافات وصراعات دامية لسنوات عديدة لتغدو أكثر مناطق الدنيا جلباً لفرق الموت وعصابات التطرف والغلو والقرصنة والإرهاب. كل هذه الشواهد تكفي للاتعاظ من عواقب الفوضى والانقسامات والتناحر.. وهي كافية لتكون عبرة لمن يحاول اتشاح القلاقل والاستظلال بظل الفوضى لتحقيق مكاسب أنانية صغيرة لن تتحقق وإن تحقق منها شيء فإنها لن تدوم إذا ما اجتاح طوفان الفوضى والعنف والإرهاب. نقول هذا ونحن نتابع مؤشرات الخطر التي تنبئ بتحالف يقترب من الاندماج بين عناصر الإرهاب والتطرف من ناحية، وعناصر ما يسمى الحراك من ناحية ثانية بحيث أصبحت عناصر القاعدة تنفذ مهامها تحت ظلال الفوضى التي تثيرها وتحاول تكريسها عناصر ما يسمى الحراك.. وأخطر من ذلك أن يتطرف منظرو الحراك ومدًعو قيادته في الداخل والخارج في الدفاع عن تنظيم القاعدة وخلايا المنغمسة في جرائم إرهابية مشهودة شهدتها أكثر من منطقة في بعض المحافظات الجنوبية التي كانت قبل ذلك مناطق شبه محرمة على المتطرفين والإرهابيين. ولا شك أن أجهزة ا لدولة قد فظنت ما وصل إليه الحال في تلك المناطق وهي تدرك جيداً ما يمكن أن يصل إليه الحال إذا لم تكن هنالك حزمة من السياسات والإجراءات الرادعة التي يمكن أن تخمد السنة اللهب. ولعل من الأنصاف مباركة الجهود التي تبذل في إطار حزمة من السياسات المتنوعة ما بين عمل إعلامي وتربوي وتثقيفي وتوعوي واهتمام بالتنمية ومتطلباتها في تلك المناطق بالتزامن مع العمليات الأمنية النوعية التي ينفذها أفراد الأمن والجيش لردع وملاحقة عناصر الإرهاب وأعمال الفوضى والتخريب. غير أن هذه الجهود لا تزال أقل مما يجب وتتطلب المزيد من العمل والجهد والإمكانات والتحركات لتحقيق أهدافها وغاياتها المتمثلة في اجتثاث الشر ومحاصرة بؤره وتحصين المجتمع منه وقطع كل طريق يؤدي إليه أو يساعد في تحركه ونموه. وبالمقابل يتطلب الأمر واقفة جادة وصادقة وواضحة وحازمة من قوى المتجمع ورموزه وأحزابه ومكوناته لمجابهة الخطر الذي يهدد الجميع دون استثناء ومن يظن نفسه محصناً ضد هذا الوباء فهو واهم ومخطئ لأن طوفان العنف والفوضى والإرهاب عدو الوطن بما فيه ومن فيه.. كما أن مسئولية مجابهة هذا الخطر تتطلب تحركاً إقليمياً خارجياً لحشد ما يمكن حشده من إمكانات مادية ومعنوية تدعم حزمة الإجراءات التي تتخذ لمواجهة هذا الخطر سواء على مستوى الأداء الأمني أو التوعوي أو التنموي.. بحيث يجب أن تصل الرسالة واضحة للأشقاء والأصدقاء الذين يدركون خطر الإرهاب بأن معركة اليمن مع الإرهاب هي معركة إنسانية تتطلب ما هو أكثر من الردع ودرء الخطر القريب لأن السكوت عن الخطر الذي يتنامى قد يجعل من تلك المناطق النائية في بعض المحافظات اليمنية بؤر تطرف ومنطلقات دمار وأوكار لخلايا التنظيم الأكثر خطراً على العالم. |