المؤتمر نت - يستحيل الحديث عن التاريخ العربي، سواء الذي يعود إلى عصور سحيقة في القدم، أو المعاصر في مرحلة الاستقلالات ما بعد الإمبراطورية العثمانية والاستعمار

المؤتمر نت-تحقيق-البير خوري -
بلاد أرقى الحضارات وأرض الناس الطيبين...اليمن (بوابات) الفرح إلى العالم
يستحيل الحديث عن التاريخ العربي، سواء الذي يعود إلى عصور سحيقة في القدم، أو المعاصر في مرحلة الاستقلالات ما بعد الإمبراطورية العثمانية والاستعمار الأوروبي، دون التطرق إلى اليمن الذي اعتبره المؤرخون، شرقاً وغرباً، مهد الحضارات الإنسانية والأساسية التي عبرت في كل حين عن شخصية أبناء الأمة وأعطت بالتالي القومية العربية بعدها الحضاري المتسع وإنجازاته الكبرى العميقة في عمر البشرية عبر مختلف حقباتها وتطوراتها.. ويكفي هذه الحضارة فخراً أنها شكلت أول إسهام من نوعه في علم الجغرافيا السياسية الحديث، فكشفت عن عبقرية قيادية عربية فذة، تعبر بأجلى بيان عن الدور الذي لعبته الأقطار العربية في مختلف الميادين الحضارية وعن مدى إسهام اليمن في تقدم المدنية الإنسانية منذ أقدم العصور.
في اليمن نشأت أول حضارة نهرية معروفة في تاريخ العالم تعتمد في زراعتها على الري، وفيها انتقل الإنسان من طور القنص والصيد إلى طور الفلاحة والزراعة التي تعتمد على الري، وكانت الخطوة الأولى عندما بدأ الإنسان اليمني باكتشاف سبل إيصال الماء إلى الأرض الزراعية، وفي تجاربه في شق الجداول والخزانات والسدود، نشأ علم الري في التاريخ، ومعه اشتهرت الحضارة النهرية.وفي ذلك يقول الكاتب البريطاني الشهير ويل سميث في مؤلفه الضخم" أصل الحضارة" أن الحضارة اكتسبت طابعها المتميز والواضح بعد أن شرع شخص بتنظيم الحياة على أساس الري والزراعة حتى أصبح هذا الشخص أول ملك في تاريخ هذا العالم، وأول الآلهة بعد وفاته" وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار أهل اليمن الذين بقوا في أراضيهم في جنوب الجزيرة العربية بعد موجات الهجرات المتعاقبة بفعل الجفاف الذي أصاب المنطقة لعقود طويلة، أصحاب الفضل في تأسيس ممالك عربية راقية مثل معين وقتبان وأوسان وسبأ وحضرموت وحمير، وأهم المخلفات التي حافظوا عليها وبقيت معهم هي لغتهم العربية المستمرة حتى اليوم لدى اليمنيين من المقدسات غير المسموح التلاعب بها أو المساس بقواعدها وأصولها. وهذا يفسر القدسية التي كانت للعربية الفصحى بين عرب الجاهلية، كما يفسر إجماع علماء النحو المقارن للغات السامية من أمثال بروكلمان ووليم رايت وأدوارد دوروم ودافيد يلين على أن اللغة العربية الفصحى هي بلا منازع أقدم صورة حية عن اللغة السامية الأم، وأقرب هذه الصور إلى تلك اللغة التي تفرعت منها بقية اللغات السامية.
اليمن السعيد: حضارة السدود والممالك.
يتضح مما تقدم أن سكان اليمن- بلاد العرب السعيد كما أطلق عليها ARABIA FEIIX
تمكنوا من الحفاظ على مقومات حضارتهم القديمة، وقد أتى لهم ذلك بفضل ما أكتسبوه من خبرة فنية في الزراعة وتنظيم الري في فترة العصر الجليدي الأخير عندما كانت أوديتهم الحالية أنهرا جارية، فلجأوا إلى إنشاء السدود والخزانات والصهاريج على أوديتهم التي تخترق جبالهم، وما أكثرها بين منعطفات الجبال، وذلك لحبس كل قطرة من مياه السيول وتخزينها في داخل الاسداد ثم إطلاقها في جداول ري وقنوات لإرواء أراضيهم حسب الحاجة، وبذلك عوضوا عن أنهرهم التي اعترتها اليبوسة بسبب الجفاف، فاستمروا في الزراعة التي تعتمد على الري، حتى أطلق البعض على حضارتهم " حضارة السدود" وعلى رأسها سد مأرب الشهير.
إلى ذلك استفاد اليمنيون من موقع بلادهم الجغرافي فاحتكروا نقل البضائع والسلع بين الهند والحبشة ومصر والشام والعراق، إذ كانت السلع والأطياب تأتي من الهند والحبشة إلى شواطيء جزيرة العرب فينقلها اليمنيون مع قوافلهم إلى مصر والشام والعراق، واحتكروا الملاحة في البحر الأحمر كما كانوا أهم شعوب العالم المنتجة والمصدرة للمر والبخور، وهما المادتان الأغلى ثمنا في تلك الأزمنة إذ كانتا تقدمان إلى الآلهة والملوك وبفضل هذه الحضارة تمكن اليمنيون من تأسيس ممالك عربية راقية عدة مثل معين، قتبان، أوسان، حضرموت، وسبأ التي جاء ذكرها في التوراة ومخطوطات الإغريق والرومان والشعر الجاهلي .. لكن كل ما كتب لم يكن يلبي غليل العلماء والبحاثة، إلى أن تم في بدايات القرن الماضي اكتشاف النقوش اليمنية في شمال البلاد وجنوبها والتي تعود إلى خمسة آلاف سنة، فشكلت بذلك كنز معرفة ومعلومات عن الحضارة العربية القديمة وأثرها في العالم، خصوصا لجهة ممالكها، حيث كشفت هذه النقوش من ثمودية ومعينية ولحيانية وغيرها أن المعينيين هم أقدم شعب عربي وصلت أخباره من جنوب الجزيرة العربية، أسسوا الدولة المعينية التي عاشت في اليمن وظهرت منذ القرن الثالث عشر بين نجران وحضرموت وعاصمتها "القرم" وفي قسمها الجنوبي تقع مدينة معين القديمة. وقد عثر على كتابات معينية كثيرة، وهي من أقدم الكتابات العربية المعروفة، وأشهر ملوكها" أيل صادق" " قه أيل" و" صدق أيل" ويلاحظ إضافة اسم" أيل" العربي إلى أسمائهم مما يدل على أن الإله العربي أو الله كان معروفا في الجزيرة العربية وكانت حضرموت جزءا من مملكة معين وما ارتبط بها من مقاطعات في عهد الملك " صدق أيل" الذي كان يلقب بملك معين وحضرموت. ويتفق أكثر العلماء المختصين أن حكومة معين انقرضت وحلت محلها دولة سبأ مع أن اسم المعينيين ورد في عدد من كتاباتهم التي يرجع زمنها إلى ما بعد سقوط حكومتهم.
ومملكة سبأ اليمنية ورثت حكومات معين وقتبان وأوسان وحضرموت، وبهذا الإرث مثلت دولة اليمن الكبرى وورد ذكر سبأ في التوراة فهي تارة تدخل أهلها في أسرة الحاميين وتعدهم من لوش بن حام ( تكوين 17:10خ: 9: اش 3:43 وتارة أخرى تذكرهم في الساميين ( تكوين 10/28) كذلك ورد اسم سبأ في القرآن الكريم ( سورة سبأ الرقم 34 الآية 15) وما في ذلك أخبار سيل العرم ( سورة سبأ الرقم 34 الآية16) أما عن أصل السبئيين فيرى البعض أنه من المحتمل أنهم كانوا في القبائل بدوا من سكنة الجوف الشمالي من جزيرة العرب، غير أنهم تركوا مواطنهم في القرن الثامن قبل الميلاد وارتحلوا إلى جنوب الجزيرة, وهناك استقروا وأخذوا يتوسعون في ممتلكاتهم، مستفيدين من ضعف المعينيين حتى وصلوا إلى الجوف الجنوبي من الجزيرة، وهناك اتخذوا" صرواح و"مأرب" عاصمتين لهم، ومأرب التي اكتسبت شهرتها من سدها العظيم تقع على نحو 60 ميلا إلى الشرق من صنعاء. وكان ملوك سبأ الأقدمون يلقبون بـ "مكرب" شأنهم في ذلك شأن ملوك قتبان الأوائل، ثم أتخذوا لقب ملك، وما وصلنا من أخبار يتحدث عن 15 مكربا، 12 ملكا. وقد أشتهر المكارب ببناء السدود وأشهرها سد مأرب أو سد العرم الذي شيده" ايل بين" ويخبر المؤرخون عما فعله اليمنيون القدامى من مشروعات هندسية رائعة للتغلب على ما واجهوه من صعاب في الزراعة والري، خصوصا على صعيد السدود التي تكاثرت بتكاثر الأودية فلم يدعوا واديا يمكن استثمار جانبيه بالماء الا حجزوا سيله بسد كان يأخذ أسم الوادي الذي يقع عليه أو اسم صانعه، وإلى ذلك أشار أحد الشعراء يقوله.
وفي البقعة الخضراء من أرض يحصب ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً.
حضارة مائية
وإلى جانب السدود، اشتهر اليمنيون في ابتداع ما يسمى بنظام المدرجات أو السلالم التي تتلاءم مع طوبوغرافيتها بما هي عليه من جبال ومرتفعات ومنخفضات حارة رطبة تساعد على تطبيق هذا النظام بمزاياه الكثيرة والكبيرة مثل توسيع رقعة الأرض المزروعة تم الاستفادة من اختلاف ارتفاع هذه المدرجات بين مكان وآخر حسب مقتضى الظروف بالنسبة لنوع النبات والمناخ، وذلك على عكس زراعة السهول حيث تتحكم التربة الواحدة والارتفاع الواحد بمحصول واحد في معظم الحالات.
والواقع أن الطبيعة حبت اليمن بمزية جعلتها تحتضن مختلف النباتات وتنبت أكثر المزروعات، وذلك بإنعامها عليها بجبال ومرتفعات ومنخفضات حارة رطبة، هيأت لها أجواء ثلاثة تنتج محصولات أنواع ثلاثة من المناخ : منتوج المناطق المرتفعة البارد، ومنتوج المناطق المعتدلة، ومنتوج المناطق الحارة. وتبعا لهذه الطبيعة المنوعة ومثلها المناخات المختلفة عرف أهل اليمن الأذكياء كيف يستغلون تربتهم، فأقاموا المدارج على سفوح جبالهم وعلى المرتفعات، وأصلحوا تربتها، وذلك لحصر مياه الأمطار لدى سقوطها ضمانا لدخولها التربة وإروائها، وزرعوا تلك المدارج العريضة بمختلف المزروعات وذلك قبل الإسلام بأمد طويل، فأمنوا بذلك خيرا وافرا لهم، جعل بلادهم أسعد بلاد جزيرة العرب، فهي التربة السعيدة والخضراء بكل جدارة، وهي موطن الحضارة وأرقى مكان نعرفه في الجزيرة في أيام ما قبل الإسلام " كما يقول الدكتور جواد علي. وإضافة إلى نظام السدود والمدرجات، طور اليمنيون القدامى نظام الري من الآبار بطريقة فريدة أيضا لقد وجد علماء القنوات المائية كثيرا من الآثار لنظام الآبار القديم في منطقة بيجان، حيث وجدت بقايا الأنابيب الخزفية التي كانت تستعمل في نقل المياه عبر جدران الخنادق الرئيسة، وكثير منها لا يزال في حالة جيدة، وبعضها لا يزال قائما إلى الوقت الحاضر بعد إعادة استخدام مياهها.
ثم كان هناك نظام رابع هو تجميع وتخزين المياه في الخزانات والصهاريج وأشهرها صهاريج عدن، وعنها يقول الدكتور/ أحمد زكي" تعد صهاريج عدن القديمة من أروع آثار العرب في الهندسة وهي مبنية في وادي الطويلة (750مترا) قرب مدينة عدن، وكانت السيول تندفع خلاله فتصيب المدينة بالأضرار، إنما عندما بنيت هذه الصهاريج أصبحت مياه المطار تسقط عليها فتمتلئ بها الصهاريج الإثنا عشر باتساع عشرة ملايين غالون. أما بناة هذه الصهاريج، فمن المؤسف أنه لايوجد أثر يشير إليهم ولو من بعيد. البعض يقول أنهم بنو حمير في القرن الأول الميلادي، والبعض يصل بها إلى 1500 عام قبل الميلاد، وكانت هذه الصهاريج منسية مهملة مغطاة بالركام والأوساخ، وبطريق الصدفة اكتشفها الكابتن البحار الإنكليزي بليغير عام 1854، فأزيلت القاذورات وهدمت بعض الصهاريج القديمة ورممت الجدران حتى أصبحت تستوعب اليوم 20 مليون غالون، ولكنها لم تعد تستعمل كخزان بل أصبحت أثرا يزوره أبناء البلد والسياح.
ومما اشتهرت به اليمن أيضا إنتاجها للبخور واللبان والصموغ والمر والمنتوجات الزراعية الأخرى التي اشتهرت بها العربية الجنوبية، وكان لهذه المنتوجات أهمية كبرى تتنافس الدول عليها حتى شبهت ببترول العالم في ذلك الزمان، وكانت التجارة بهذه المواد، خصوصا المر والبخور مصدر رخاء البلاد ,وكانت كلما زادت الحاجة إلى السلعتين ارتفعت بالمقابل أسعارهما لأن زيادة الطلب عليهما لا تقابلها زيادة المنتوج منهما.
كذلك احتكر اليمنيون التجارة في نقل البضائع برا وبحرا، فكانت هناك شبكة للمواصلات لنقل البضائع من الموانئ الرئيسة الثلاثة: فانا، عدن وموزع وكان مرفأ عدن الميناء الرئيسي الذي يستقبل بضائع الهند وشرق أفريقيا ومنه تحمله القوافل إلى تمنع ومن هناك في اتجاه الشمال نحو حوض البحر الأبيض المتوسط وبذلك استغل الشعب اليمني القديم موقع بلاده استغلالا أمثل وجعل منها مكانا للترانزيت التجاري بين الشرق والغرب، فأصبحت الخدمات التجارية هي المقوم الثالث بجانب السدود والمدرجات في بناء الحضارة اليمنية القديمة.
وبهذا المعنى وفي حال اعتماد هذه المقاييس الأساسية في قيام الحضارات على الحضارة اليمنية القديمة، يتوضح لنا أن الشعب اليمني قد تفوق بالفعل على أقرانه من شعوب الشرق القديم في مسألة تطويع الطبيعة لصالح الإنسان، وعلى حسن استخدام موقع بلاده لصالح تنمية اقتصاده وتجارته، وبذلك استطاع أن يقيم حضارة عريقة كان لها ما لها في التاريخ.
تشرذم وانهيار
بعد 1500 سنة من حضارة يمنية شكلت أرقى حضارات العالم القديم، يجوز السؤال: كيف لهكذا حضارة أن تسقط بين ليلة وضحاها، ويستمر سقوطها عصورا طويلة؟
كثيرا ما يعزا سقوط الحضارة اليمنية إلى انفجار سد مأرب، لكن الواقع أن عوامل كثيرة قد تشابكت خلال الثلاثمائة سنة الواقعة بين القرنين الرابع والسابع بعد الميلاد أدت تدريجيا إلى أفول الحضارة اليمنية القديمة وسقوطها.
أول هذه العوامل، الانهيار الاقتصادي، وذلك بعدما فقد اليمنيون السباق لتجارة المر والبخور منذ بداية القرن الرابع حيث فقدوا ورود الثروة إليهم وبالتالي عزل بلادهم سياسيا واقتصاديا وثقافيا عن مراكز الحضارات الأخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط ثم كنتيجة حتمية، خسرت اليمن حركة التواصل والتأثير في الأفكار والقيم الحضارية المشتركة لقد ابتعد اليمنيون عن أعمال الري الرئيسة وأهملت بسبب ما طرأ من تبدل وتفسخ على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وذلك بسبب التمزق في الحالة الاجتماعية نتيجة الحرب الداخلية والغزوات الخارجية ما أعاق إجراء الصيانة الضرورية لأنظمة الري، وحيث كانت أعمال الترميم تؤجل حتى فات الأوان، وفي النهاية تداعى كل شيء إلى الخراب.
من الظلام إلى النور
يروي تاريخ اليمن منذ خمسة آلاف سنة حتى اليوم أن شعب يبقى مثالا للتحفز والتطور والترقب والمصارعة، وهو في كل تحولاته خلال هذه العصور القديمة والحديثة يبقى المثل الحي لخلق القلق في قلب كل سلطان جائر أو حاكم ظالم، وأيضا للقيام بالانتفاضات والسعي لما هو أحسن. وأنه على هذه المزايا، كان من الطبيعي جدا أن ينتهي عصر الأئمة الغابر، فلا يعيش عهد الاستعمار الممقوت ويسقط السلاطين ولا يصمد الانفصال طويلا أمام هدير الوحدة.
صحيح أن الموقع الجغرافي لليمن بمساحة من الأرض لا تقل عن 555 ألف كيلومتر مربع وإطلالته على البحرين العربي والأحمر والتحكم في مضيق باب المندب الاستراتيجي، سبب لأن يصبح اليمن أكثر دوحة عربية اتصالا مع الغرب والعالم. وعلى الرغم من ذلك بقيت أقل الدول العربية تطورا، وسبب ذلك أن الذين حكموا اليمن سواء المستعمرين الأتراك أو الإنكليز أو الأئمة المستعبدين، ابتعدوا جميعا عن روح العصر وفرضوا الحصار على منافذ البلد وقاوموا الحضارة الحديثة خوفا منها وخشية على وجودهم الاستغلالي الكريه.
معظم الأئمة شعروا بالعظمة الفارغة وتعالوا على الشعب، وكان بعضهم يتصرف بنزعة عنصرية بحجة أنه من سلالة الأنبياء.
لم يترك المماليك الكثير من حضارتهم عندما غزوا اليمن في القرن السادس عشر، وجاء بعدهم الغزو التركي ثم الإنكليز من الهند في 19 يناير 1838 مع قوة بحرية قوامها 300 بحار أوروبي و 400 جندي هندي تمكنوا من احتلال عدن.
غادر الأتراك اليمن بعد معاهدة لوزان في عام 1923، أي بعد 52 سنة على دخولها، وعقدوا خلالها مع الإمام أكثر من 14 معاهدة سياسية وتجارية واقتصادية وعسكرية تنطوي معظمها على المساعدة والحماية من طرفهم للإمام.
بدخول الإنكليز البلاد تحولوا مباشرة أيضا إلى حماية الإمام مقابل أن يحمي ظهورهم في عدن من أي تدخلات محتملة.
وتعاقب الأئمة على حكم اليمن حتى وفاة الإمام أحمد في سبتمبر 1962م ليخلفه البدر إماماً جديدا، إنما وفي خلال أسبوع واحد فقط قام تنظيم الضباط الأحرار بتفجير الثورة يوم 26 سبتمبر من العام نفسه فكانت نهاية عهد الإمام ونظام حكمه.
وهكذا بقي اليمن يئن بلا انقطاع، يشكو التأخر والتناحر والأزمات بلا توقف، حتى وصل الرئيس علي عبدالله صالح إلى القصر الجمهوري بصنعاء، حاملا معه العزم والعزيمة لنقل اليمن الواحد الحر الموحد من عصور الظلام إلى القرن الحادي والعشرين، وليحقق بالتالي بتاريخ الثاني والعشرين من مايو 1990 وحدة اندماجية بين شطري دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى الجمهورية اليمنية بسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة.
غير أن الوحدة لم تتحقق بين ليلة وضحاها ولم يقدمها التاريخ إلى الرئيس علي عبدالله صالح على طبق من ذهب.. ذلك أن الرئيس صالح واجه لسنوات عديدة الكثير من المؤامرات ومواسم التخريب والتفجير وإشعال الحرائق بهدف إسقاط الوحدة وإعادة الأمور إلى ما كانت قبل 22 مايو 1990م وبالفعل نفذ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ما سبق أن هدد به في 22 مارس 1994 أن الوحدة اليمنية التي تحققت في العام 1990م لن تستطيع الاحتفاظ بشكلها، حيث بدأت الترتيبات الحربية والتحرشات العسكرية كفرض الانفصال بالقوة، وقد سبق ذلك تدفق شتى أنواع الأسلحة والمعونات على عدن، لكن السلطة المركزية في صنعاء تمكنت بحكمة الرئيس صالح من مواجهة كل الاحتمالات الخطيرة، بحيث تمكنت من فرض سلطتها وبالقوة هذه المرة، ما مكن البلاد من الاحتفاظ بوحدتها، ولتبدأ مسيرتها الفعلية نحو الديمقراطية والتعددية الحزبية، وبالتالي تأخذ خطواتها الصغيرة إنما الأكيدة باتجاه القرن الحادي والعشرين.
قبل الثورة وبعدها
لقد تأكدت الوحدة وترسخت الديمقراطية وقامت دولة المؤسسات، إنما كل هذه الإنجازات لا تنفي أن اليمن ما زال يحمل على ظهره أحمالاً ثقيلة من الفقر والبطالة والتطرف والفساد والاتكالية والجهل والكسل.. صحيح أن ثورة 26 سبتمبر حررت الإنسان اليمني من سائر رواسب عهود الظلام فبنت كل المرافق العامة لخدمة الإعلام والثقافة والشؤون الاجتماعية وأنشأت المجلس الأعلى لرعاية الشباب والاتحاد الوطني الرياضي وقانون التأمين الاجتماعي ومؤسسته الخاصة وذلك لتأمين سلامة وحقوق العمال وتحقيق العدل الاجتماعي.
إلى ذلك انتشرت الكهرباء والمواصلات ووصلت مياه الشفة إلى جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن مئات المدارس والمعاهد التقنية وعشرات الجامعات والكليات والمستشفيات وبناء الجيش الوطني..
إنجازات كثيرة في شتى المجالات والقطاعات، فتحت نوافذ البلاد لكي يدخل الهواء النقي.
ولكن هل يكفي ذلك ليستعيد اليمن الذي كان سعيداً، سعادته؟!
التحديات كثيرة والمهمة صعبة، إنما يكفي حتى اللحظة الراهنة أن اليمني يتطور وينمو ويكبر، وأي متأمل للواقع اليمني بشواهده الماثلة، وأي دارس منصف لتاريخ اليمن بمراحله المتعددة من الثورة ومعاركها إلى تحديات مواجهة الثورة المضادة، وصولاً إلى الوحدة والانتصار على القوى الانفصالية وتجسيد حقوق الديمقراطية يتأكد له أن ثمار الخير التي تشكلت ونمت في كل المراحل لن تذبل أو تتخشب وستظل تعطي في كل الميادين وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، وحيث يزداد التفاؤل باليمن وبما تحقق فيه وما يمكن أن يتحقق في المستقبلين القريب والبعيد.
والأكيد أن هذا التفاؤل ما كان ليحصل لولا وعي اليمنيين وفعلهم في إبداع المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية وفي إفساح المجال للشراكة الحقيقية العربية والدولية ومساهمات الرأسمال العربي والأجنبي بكل الثقة والاطمئنان والحرية والديمقراطية.
نقلاً عن مجلة الشاهد الليبية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/8706.htm