المؤتمر نت -بقلم-فيصل جلول -
من صنعاء إلى موسكو: سباسيبا
كشفت قمة الرئيسين علي عبدالله صالح وفلاديمير بوتين مطلع الأسبوع الجاري عن وجود فرص جدية لتدعيم شراكة استراتيجية بين البلدين إذا ما صمم المسؤولون في صنعاء وموسكو على الإستفادة من هذه الفرص التي تشمل ميادين اقتصادية وسياسية وثقافية وعسكرية وحيوية. وتشير وقائع العلاقات التاريخية اليمنية الروسية إلى إن جسور التعاون الثنائي ظلت مفتوحة على الدوام برغم الحرب الباردة والاستقطاب الدولي والنزاعات الأهلية اليمنية - اليمنية التي كانت موسكو الشيوعية طرفاً أساسياً فيها.
معروف إن هذه العلاقات التي بدأت بين روسيا البلشفية والنظام الإمامي في العام 1928م لم تفقد شيئاً من قوتها مع إعلان الجمهورية في شمال البلاد بل ازدادت زخما بفعل تأييد موسكو ودعمها للنظام الجمهوري وتحولت إلى علاقات استراتيجية مع جنوب اليمن خلال حرب التحرير من الاستعمار البريطاني وبعدها دون أن تضعف مع الشمال خصوصا في عهد الرئيس علي عبدالله صالح الذي رفض أن يحول بلاده إلى قاعدة لمحاربة الاتحاد السوفيتي في إطار سياسة خارجية مبنية على الحياد بين القطبين الدوليين مع ميل طفيف نحو القطب الرأسمالي.
وتفيد المحصلة الراهنة للعلاقات الثنائية إلى كون اللغة الروسية هي اللغة الأجنبية الأكثر انتشارا في اليمن لا تضاهيها لغة أخرى. حيث تعتبر الكادرات اليمنية بأكثريتها الساحقة و في مختلف المجالات التخصيصة من خريجي الجامعات الروسية والاشتراكية سابقا. وفي المجال العسكري يلاحظ حضور كثيف للمعدات والخبرات ذي المنشأ الروسي. وتفصح بصمات الروس في البنية التحتية اليمنية عن مساهمة جدية في فتح الطرق الرئيسية وتعبيدها وفي السدود والمواني والمستشفيات والمدارس والمصانع الصغيرة... الخ.

يبقى أن السياسة الخارجية السوفيتية -باستثناء التصويت على نشوء إسرائيل في العام 1947م والوحدة المصرية السورية عام 1958م- كانت السند الأساسي للعرب على الصعيد الدولي. وتعتبر السياسة الروسية اليوم أقرب إلى مصالح العرب من سياسات الدول العظمى الأخرى. إذ لا يكاد الموقف الروسي يختلف عن الموقف العربي من القضية الفلسطينية وهو متطابق مع الموقف العربي الرسمي من الحرب على العراق وما تلاها. وبوسع العرب إدراج موسكو في معسكر الدول التي يمكنهم الاعتماد عليها على المسرح الدولي خصوصا إن الروس لا يمتعضون من مطالبة العرب بحل عادل للقضية الشيشانية طالما أن هذه المطالبة لا تصل إلى حد تقديم الدعم المادي والبشري للمقاتلين الشيشان. وعموما من الصعب على العرب أن يطلبوا المساندة الروسية في السلاح وتخفيض المديونية والتأييد في مجلس الأمن والمؤسسات الدولية وان يتصرفوا إزاء القضية الشيشانية وكأنها قضية فلسطين.
يفيد ما سبق ان العلاقات اليمنية - الروسية تنطوي على مخزون جدي لإقامة شراكة استراتيجية حقيقية تتيح لليمن الاعتماد على طرف دولي أساسي كان على الدوام صديقا لليمنيين ومعيناً مجرباً لقضايا العرب المركزية وتتيح لموسكو الاستناد إلى بلد عريق صاعد و صديق في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر وباب المندب والمحيط الهندي و للشركات الروسية مجالات واسعة وتفضيلية للاستثمار في سوق يمنية واعدة على كل صعيد.
إزاء شراكة استراتيجية روسية - يمنية محتملة لا يمكن للمرء إلا أن يردد التحية الروسية الشهيرة: سباسيبا.

فزاعة أم مثال يحتذى؟
اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أوائل التسعينيات استراتيجية عراقية مبنية على قواعد ثابتة: دعم الأكراد في شمال البلاد والشيعة في جنوبها وعزل الوسط السني و إضعافه ومن ثم إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وبناء نظام بديل يكون حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة الأمريكية وقاعدة لإحداث تغييرات بنيوية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق تم فرض مناطق الحماية الجوية في الشمال والجنوب والتشدد في الحصار الدولي وانتهاك السيادة العراقية إلى حد الدخول إلى قصور الرئيس السابق وتفتيشها بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل. و أخيرا اجتياح العراق واحتلاله وترتيب دستور انتقالي يحمل كل ملامح الدستور الدائم والحديث عن قواعد عسكرية ثابتة بعد تسليم السلطة للعراقيين في نهاية حزيران/ يونيو القادم.
تحقق لواشنطن ما أرادته خلال العام الفائت بما في ذلك اعتقال الرئيس السابق واغتيال ولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى واسر القسم الأعظم من مساعديه وتفكيك دولته وجيشه, لكنها اصطدمت بمزاج عراقي شعبي قوي مناهض للاحتلال ولا ينم عن قابلية للخضوع الدائم مع ميل واضح إلى تصعيد عمليات المقاومة المسلحة في الوسط والمقاومة المدنية في الجنوب وبغداد فضلا عن انتفاضات ومظاهرات اجتماعية ومطلبية لم تتوقف يوما منذ سقوط عاصمة الرشيد في التاسع من ابريل/ نيسان من العام الماضي.
في مطلع العام الثاني على الاحتلال تدخل القضية العراقية منعطفا آخر مع انتقال تيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر من المقاومة السلمية المطلبية إلى الانتفاضة الشعبية المسلحة التي تحظى بتأييد واضح من المرجع الشيعي العربي آية الله كاظم الحائري وربما بتأييد ضمني من المرجع المعروف آية الله علي السيستاني. ويتزامن هذا التمرد مع حصار أمريكي هو الأول من نوعه لمدينة الفلوجة العاصية ما يعني أن اندماج المقاومة الشيعية بالمقاومة السنية احتمال وارد وإن تم فهو أشبه بالتحام النار مع البارود ومن شأنه إنتاج ظاهرة متفجرة من الصعب تقدير كامل حجمها وأثرها في هذه اللحظات.
في منعطف القضية العراقية الجديد يبدو أن الاحتلال الأمريكي في سبيله إلى خسارة الورقة الشيعية ليس فقط بسبب انتفاضة الصدر وإنما أيضاً بسبب الدستور الانتقالي الذي أحبط الطائفة الشيعية المهمشة و المتطلعة إلى دور مركزي في عراق ما بعد صدام حسين.
مع خسارة الورقة الشيعية يسقط الاحتلال في انعدام الوزن في العراق وعليه سيكون مضطراً إلى المجابهة العسكرية والدفاع عن نفسه حتى الموت أو التراجع وتلبية مطالب الشيعة على حساب فئات أخرى وبالتالي السقوط في انعدام وزن من نوع آخر إلا إذا قرر الهرب من العراق على غرار ما جرى في بيروت والصومال وفي هذه الحالة يتسبب بحرب أهلية عراقية شديدة الخطورة في منطقة استراتيجية يعتبر استقرارها شرطاً حاسماً للاستقرار العالمي.
بعد عام على احتلال العراق يفقد المحتل توازنه في هذا البلد وتضيق أمامه الخيارات. أما التجربة العراقية فهي مهددة بالانتقال من مثال للديمقراطية على الطريقة الأمريكية بواسطة الاحتلال المباشر إلى فزاعة للشعوب والأمم التي داعبتها لبعض الوقت فكرة التغيير من الخارج.. سباسيبا مرة أخرى لروسيا ولأغلبية أهل الأرض الذين رفضوا حرب العراق لهذا السبب ولأسباب أخرى مشابهة.
نقلا عن 26 سبتمبر

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/8786.htm