المؤتمر نت- فيصل الصوفي -
ظاهرة الثأر.. يبدو أننا اقتربنا من الحل
الهامة – حسب خرافات العرب في الجاهلية – طائرة يقف عند قبر المقتول غدراً، ويظل ينوج حتى تقوم قبيلة المقتول بالثأر من قاتلة إذا كان معروفاً ولم تبرأ منه القبيلة التي ينتمي إليها.
ويمكن لأي رجل من قبيلة المقتول أن يقوم من تلقاء نفسه بدون تفويض من أي سلطة بقتل القاتل أو أحد أسرته أو قبيلته أو أحياناً يطالب أولياء الدم قبيلة القاتل بتسليم رجلين أو ثلاثة من أبناء القبيلة لقتلهم ثأراً للمقتول حتى ولو كانوا أبرياء لأن العرف القبلي السائد حينها كان يقوم على اعتبار القبيلة التي ينتهي إليها الجاني مسئولة عن الجرم الذي يرتكبه أحدا أفرادها ولا تقتصر المسئولية على شخص مرتكب الجرم.
يوصف الثار بأنه عملية قتل لا تجرمها القبيلة... ويقوم القاتل بتنفيذ القتل دون تفويض من أي سلطة.. وأن الاقتصاص يمكن أن يطلب من مرتكب الجريمة نفسه أو من غيره من أبناء القبيلة أو الأقارب الأبرياء، وقد أدى غياب قاعدة "المسئولية شخصية" إلى أخذ البريء بجرم المسيء، وهذا السلوك الأخير هو الذي أدخل القبائل في دوامة الثأر" فأولياء الدم يأخذون بدم صاحبهم من أي شخص في الطرف المقابل، ويرد هذا على الأول بثأر آخر، وتستمر عملية القتل والثأر وكل حالة تؤدي إلى أخرى وهكذا.
وعلى الرغم من أن الإسلام جاء بقواعد تلغي ما كان سائداً لدى القبائل في الجاهلية مثل.. (ولكم ي القصاص حياة.. وإن المرء لا يتحمل أوزار الآخرين.. وأن القاتل أو مرتكب الجريمة يتحمل وحدة المسئولية عن أفعاله، وأن النفس بالنفس، وأن كل ثأر في الجاهلية مرفوض في الإسلام، وأن ولي الأمر هو الذي يصدر العقوبات وينفذها..بالرغم من كل ذلك فإن القبائل العربية لم تتخلى عن سلوك "الثأر" الذين لا تزال بقية منه تشكل علاقة مميزة لدى بعض القبائل اليمنية إلى اليوم خاصة في مأرب والجوف وشبوة وعمران والبيضاء وذمار وصنعاء.
فحسب المجلس الاستشاري كانت هناك (75) قضية ثأر في أربع من هذه المحافظات عام 2001م وصل عد الضحايا فيها إلى (1979) ضحية.
في يونيو 1997 طلب رئيس الجمهورية من المجلس الاستشاري – مجلس الشورى حالياً- أن يدرس ظاهرة الثأر وأن يكلف لجنة للنزول الميداني للمحافظات خاصة تلك التي تنتشر فيها ظاهرة الثأر بهدف دراسة الظاهرة وتحليلها، ومعرفة أسبابها، ونتائجها وآثارها للتوصل إلى مقترحات فعالة لمعالجة قضايا الثأر السابقة، ثم وضع حلول جذرية للظاهرة من خلال سلسلة من الإجراءات التي تنفذها الحكومة بالتعاون مع المجتمع المحلي.
بعد نحو عام من ذلك التاريخ قدم ا لمجلس تقريره إلى رئيس الجمهورية ذكر فيه حقائق مزعجة في الحقيقة، فإضافة إلى أنه أكد أن الثأر سلوك مخالف للشرع وقانون وأخلاق المجتمع اليمني، وأن ظاهرة الثأر تسببت في سفك دماء بريئة وتمزيق العلاقات الاجتماعية وخلق حالة من عدم الاستقرار، والتسبب في عرقلة مشاريع التنمية وتحسين ظروف السكان في المناطق التي تعاني من الثأر، غير أن المهم بعد ذلك كله هو ما أشار إليه التقرير من تعقيدات وتطورات هذه الظاهرة.. فقد ذكر أن المجلس اكتشف من خلال التقصي إن ظاهرة الثأر قد امتدت إلى مناطق لم تكن تعرف مثل هذه الظاهرة من قبل وأن المجتمع لا يجرم مرتكب الجريمة، بل إنه يحميه أحياناً باسم "الرباعة" مما يعيق السلطة الحكومة في القبض على المتهم، وأن وجهاء ومشائخ يتدخلون في شئون الشرطة والقضاء، ويعيقون تنفيذ الأحكام، ويتسببون في إبطاء عملية التقاضي، أو تطويل مدة التقاضي،كما اعتبر المجلس الاستشاري الأسلحة وسهولة الحصول عليها دون قانون ينظم حمل وحيازة الأسلحة من الأسباب الرئيسية لزيادة جرائم الثأر، والجرائم الأخرى عموماً.
وفي السابع من شهر مارس الماضي أطلق رئيس الجمهورية دعوة لأبناء ومشائخ القبائل في مأرب ومحافظات أخرى طلب إليهم أن يعملوا على مساعدة أنفسهم وإتاحة الفرصة للدولة لكي تحقق لهم التنمية في مناطقهم بتنفيذ خطة لمكافحة ظاهرة الثأر وتضمنت تلك الدعوة حثهم على إجراء مناقشات وحوارات للتوصل إلى اتفاقيات صلح بوقف أعمال الثأر مدة خمس سنوات يتم خلالها معالجة قضايا الثأر السابقة التي ظلت تذكي الصراعات والفتن والقتل بين القبائل أو وضع خطة للقضاء على الظاهرة قضاء حاسماً.
يدرك مشائح وأبناء القبائل أن الثأر مشكلة.. فهم يقولون أن الثأر، أفضى إلى قتل أبرياء وحروب قبلية هدفت خلالها بيوت وتعرض السلم الاجتماعي للخظر وتعرضت التنمية في مناطقهم لأضرار ومعوقات وهم يرغبون فعلاً في الاستقرار والأمان وأن يذهب أولادهم إلى المدارس، الخ.. ولكنهم يتساءلون ما هو الحل؟
لقد حظيت ظاهرة الثأر باهتمام كبير في الخطاب الإعلامي منذ زمن غير بعيد، لكن هذه المرة يبدو أن الجميع أقرب من أي وقت مضى إلى إمكانية الوصول إلى حل المشكلة ذات جذور تاريخية عميقة.
في ذلك اليوم الذي أطلق الرئيس دعوته من مأرب كانت الفعاليات القبيلة في المحافظة قد شرعت في تنفيذ استجابتها بمقتضى تلك الدعوة ا لرئاسية.. في اليوم التالي كان لدينا المحافظة أخرى.. الآن أصبح مشائخ وأبناء قبائل أربع محافظات هي مأرب،والجوف، والبيضاء، وصنعاء، عازمون على الانضمام معاً في مواجهة ظاهرة الثأر فكثير من القبائل في هذه المحافظات بصدد التوقيع على وثائق صلح تتعهد فيها بوقوف أعمال الثأر والبدء عبر لجان رسمية وشعبية بوضع المعالجات للقضايا القديمة التي سيقود التخلص منها إلى مرحلة جديدة تقتضي على ظاهرة الثأر بتجريمها وتقديم مرتكبها للمحاكمة والعقاب.
وفي اعتقادنا إن تعاهد القبائل على الالتزام بوقف أي أعمال ثأر جديدة لثلاث سنوات أو خمس.. بداية منسجمة للتفكير في وضع الحلول من قبل الحكومة وبمشاركة مشائخ وأبناء القبائل،لكن ينبغي في الوقت نفسه أن نعترف أننا إزاء ظاهرة معقدة ووضع الحلول لها ليس بالعملية السهلة ما لم تكون هناك مشاركة والتزام وواقعية في رسم خطة الحلول.
في 17 مارس 2004م وجه رئيس الجمهورية رسالة للحكومة تتضمن اتخاذ الإجراءات الرسمية لتشكيل لجنة وطنية عليا ولجان فرعية في المحافظات التي توجد فيها قضايا ثأرية وسيتعين على هذه اللجان حصر القضايا ودراستها واقتراح الحلول لها،وسينظم إلى هذه اللجان مسئولون في الحكومة وزراء ومحافظون إلى جانبهم قضاة ومشائخ وشخصيات عامة وأعضاء في البرلمان.. وفي النهاية لا بد أنه سيصدر قرار جمهوري بتحديد المهام والقضايا وآلية تنفيذ الحلول.
بالنسبة لكاتب هذه السطور يعتقد أن الحلول والخطط الهادفة بشأن ظاهرة كبيرة كالثأر تتطلب إصدار قانون بهذا الخصوص يتمتع بالإلزامية والاحترام من قبل جميع الأطراف، يتكون من جميع الأفكار والمقترحات التي ستتواصل إليها اللجان.
ويعني هذا القانون بإعلان الصلح الشامل وتحديد مدته.. وتحريم "الرباعة أو المواخاة" وتسليم أي قاتل لأجهزة الشرطة والقضاء، واعتبار أي ثأر خلال هذه المدة جريمة جنائية يعاقب مرتكبها شخصياً. وأن تكون اللجنة العليا واللجان الفرعية محايدة. واعتبار وثائق الصلح ملزمة لأطرافها. وأن تكون لللجنة العليا مخصصات مالية كافية لتعويض ضحايا الثارات السابقة. وأن يلزم القانون الدولة ومختلف الفعاليات باتخاذ تدابير، والقيام بنشاطات مختلفة تصب في القضاء على ظاهرة الثأر.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/8869.htm