هو منطق بوش ..نعم لتدمير قرية.. ولكن من أجل إنقاذها ..! كل الإدارات الأميركية تلف وتدور، وكثير من الرؤساء الأميركيين يجنحون إلى الخيال ويحتمون به. جونسون وفيتنام، نيكسون ووترغيت، وكلينتون وهو يحاول التملص من وقائع حياته الجنسية من خلال ثغرات اللغة. وعندما تلفظ ريغان بكلمات تقلب الأبيض أسود، من شاكلة أن الأشجار تسبب التلوث وأن متلقيات الضمان الاجتماعي، يقدن سيارات الكاديلاك، قال مساعدوه إن الحقيقة ليست مهمة هنا لأن الرئيس يتحدث عن حكايا رمزية أو إيحاءات تعكس الحقائق الكبرى كما يراها. وهناك يد حانية ترتفع دائما فوق جورج بوش، فاسمه الشهير يحميه، من تقلبات الحياة، من حرب فيتنام وحتى النكسات التجارية. ومن على شرفة مبنى كينبونكبورت، وبشيء من الخفة الظاهرة أعلن بوش ترشيحه للرئاسة وهو لا يعرف شيئا تقريبا عن السياسة الخارجية، ولكنه كان واثقا أن بابا سيبسط عليه جناح حمايته باستدعاء فريقه الذي خاض عاصفة الصحراء ليكون بجانبه في الشدة واليسر. ولكن بوش يحاول الآن جر أميركا والعراق كليهما إلى داخل فقاعته. وفي حلقات تنويرهم التي يعقدونها من داخل فقاعاتهم، أو مخابئهم الآمنة يحاول بول بريمر والمسؤولون العسكريون أن يقولوا أن الديمقراطية والاستقرار ترسخت نبتتاهما في أرض العراق. وقد زعم القادة العسكريون أن الهجمات ترتكبها في الاساس عناصر أجنبية، أصوليون اسلاميون مرتبطون بالقاعدة. ونقل عنهم جون بيرنز في صحيفة «نيويورك تايمز» قولهم إن أسوأ مراحل العنف الصدامي قد انتهت، وأن الحملة القوية التي قامت بها القوات بعد اعتقال الطاغية، هدت من قواهم. ولا تريد الإدارة أن تعترف بعمق الكراهية التي يكنها العراقيون لأميركا. ومع ذلك فالرئيس ونائبه يحاولان أن يقولا إن القاعدة لاذت بالهرب وأن الكثيرين من مقاتليها وضعوا خلف القضبان. وذلك في نفس الوقت الذي يقول فيه الخبراء إن الأرهاب أصبح «هايدرا» ذات رؤوس متعددة، وكما قال أحدهم لمجلة نيوزويك فإن هذه الرؤوس المتعددة ارتكبت من الهجمات الإرهابية خلال ثلاثين شهرا بعد هجمات 11 سبتمبر، أكثر مما ارتكب خلال ثلاثين شهرا قبل تلك الهجمات. ويتفق الخبراء على أن طبيعة الخطر قد تغيرت، فنشأت أكثر من عشر منظمات أسلامية ذات قوة متنامية. شبه السناتور بوب غراهام القاعدة الجديدة، ذات الطبيعة اللامركزية ببقعة ميركوري «تضربها بيدك فتتحول إلى مائة بقعة صغيرة». ويحاول بوش كذلك أن يتفاخر بأن طالبان لم تعد ممسكة بالسلطة. ولكن جذور طالبان عميقة جدا. وهناك ثلث على الأقل من الأراضي الأفغانية بلغ من خطورتها أن الناخبين لا يمكن تسجيلهم، مما أضطر حكومة كابل إلى تأجيل الانتخابات التي كان مزمعا إجراؤها في يونيو(حزيران). ونسبة لأن بوش لم يكن يرغب في إفساد جو حملة تبرعاته فلم يذكر رقصة الموت التي حدثت في الفلوجة. وقد كتب ديفيد سانجر بصحيفة «نيويورك تايمز»: «في إدارة بوش يشار إلى الضحايا إشارات ملتوية وغير مباشرة، هذا إذا أشير إليها أصلا». ففي عالم بوش المغاير، بشمسه المشرقة كل الوقت، وبيئته الخالية كليا من التلوث، وحيث لا تكلف الرعاية الصحية أي عبء للموازنة، فإن الأكفان والجنازات لا مكان لها لأنها تشوه بهاء الصورة المثالية. يقول استراتجيو بوش إن الأخبار السارة والمحزنة من العراق كلها تخدم الرئيس. فهم يعتقدون أن مشاهد التمثيل بالجثث لن تذكر الناخبين إلا بعزيمة الرئيس الفولاذية. ويحاول رهط البوشيين، أن يجملوا جهودهم في مكافحة الإرهاب بأثر رجعي، موكدين أن خطتهم كانت أكثر قوة وشمولا مما كانت عليه خطة كلينتون. ولتأكيد ذلك الزعم الساذج قاموا بإخفاء كثير من وثائق إدارة كلينتون حول الإرهاب من لجنة التحقيق حول هجمات 11 سبتمبر. إذا لم نكن قادرين على النظرة الموضوعية الباردة للواقع، فكيف يمكن أن نقاوم الإرهابيين؟ وكيف يمكن أن ننقذ العراق من الفوضى؟ ويحدثوننا الآن عن أن القوات المسلحة تعد ضربة «قاصمة» انتقاما من مجزرة الفلوجة. وتستطيع هنا أن تشم تلك الرائحة العفنة المنبعثة من الماضي: نحن سندمر هذه القرية لننقذها! * خدمة «نيويورك تايمز» |