المؤتمر نت - محمد احمد الرميم
محمد احمد الرميم -
لا بديل عن الديمقراطية والانتخابات
الإصرار على بلوغ المرامي السياسية من خلال التحشيد والاعتصامات , وتحميل الناس ما لا يطيقون ومع ما يحمله ذلك من مظاهر الاحتكاك وزرع الأحقاد والضغائن بين أبناء الوطن الواحد وترويع الآمنين وتعطيل المنافع العامة والخاصة إضافة إلى الكلفة المادية الكبيرة وما يتكبده الاقتصاد الوطني , والتبرير لذلك بأنه طريق أو أسلوب من أساليب التعبير عن الرأي , وانه حق من الحقوق التي كفلها الدستور والقوانين النافذة , رغم عدم الالتزام بالمحاذير والاشتراطات القانونية لذلك بمعنى التعسف في استخدام هذه الحقوق والقفز فوق اشتراطاتها المنظمة .. والكل يعلم كل هذه المحاذير والأضرار العامة والخاصة فضلا عما تنتجه من الاختلالات في البنى المجتمعية وتأزيم أوضاع العامة من الناس ماديا ونفسيا , وتعريض الأمن والسلم الاجتماعي لمخاطر لا يعلم مداها أو عواقبها إلا الله تعالى , إلى الدرجة التي تعتقد معها أطراف المعارضة أن ذلك العناد والإصرار من شانه إحراج الأطراف الأخرى بل إسقاطها في مراهنة هي أول من تعلم أنها خاسرة .
يظهر ذلك من خلال تشبثها بالشارع واحتلاله لأوقات طويلة , ومن خلال رفضها لأية تسويات أو مبادرات من شأنها تلبية مطالب التغيير الشامل وتنفيذ المطالب الحقوقية فيما تحاول وضع اشتراطات تعجيزية هي تعلم يقينا أن ثمنها فادحا , وأنها تدفع لمزيد من المغامرات الغير محسوبة العواقب , وكأنه لا يعنيها امن الوطن والمواطن من قريب أو بعيد وليس له أي تفسير سوى عدم الشعور بالمسئولية أمام الله ورسوله أولا , وتجاه الوطن والشعب ثانيا , بل ربما يرتقي التصلب في المواقف لأبشع من ذلك – أقول ربما – بما يشبه الانتقام من الناخب ومعاقبته من خلال تحميله ثمن فاتورة استخدامه لإرادته الحرة عبر صناديق الاقتراع الحر المباشر , ودفع تكاليف " الانحراف بصوته الانتخابي " حسب ما يرون أنها منحتها للأطراف الأخرى المنافسة .
فالحقيقة إذا واضحة من تمسك أطراف المعارضة بالاحتكام إلى الشوارع ولا تحتاج إلى كثير ذكاء لمعرفتها , وصدقت نفسها أكثر بعد أحداث مصر وتونس من قبلها , واعتبرتها فرصة ذهبية للانقضاض على الشرعية الدستورية , والقفز فوق كل الاتفاقات والالتزامات التي وافقت عليها سابقا , واللعب على تناقضات عدة من خلال ركوب موجة حركة الشباب ومطالبها المشروعة , وبين ليلة وضحاها تصبح أطراف المعارضة هي الوصية والمتحدثة باسم الشباب , وهو ما شوه صورة المطالب الشبابية , لتصبح مطالب سياسية للمعارضة لتحقيق مآربها على حساب حركة الشباب .
ترى أي نوع من الديمقراطية تتناسب وتطلعات هؤلاء ففي الوقت الذي تعتبر الانتخابات الحرة المباشرة أعلى مراتب وصور الشفافية والياتها المعتمدة في اختيار الشعوب لحكامها وممثليها في السلطة التشريعية وغيرها , عبر صناديق الاقتراع السري والمباشر وتحت رقابة " الجن والعفاريت " في الداخل والخارج إضافة إلى تواجد هؤلاء المعارضين قانونا واتفاقا في لجان الانتخابات من أعلاها إلى أسفلها في بلادنا ...نجد أنهم يتمسكون بالاحتكام إلى الشارع باعتبار ذلك من أساليب النظام الديمقراطي ...
طيب إذا كنتم واثقين من أن الشارع الذي تصرون على الاحتكام إليه ..معكم إذا فهو سيصوت لكم عبر صناديق الاقتراع ، ويمنحكم الأغلبية دون حاجة للفوضى والفتن والإضرار والدماء التي ستتحملون إثمها...بالاحتكام للشارع خيارا وحيدا !!.
والعجيب أن يصبح الشارع عند هؤلاء الطريق الوحيد لتداول السلطة سلميا وهم يدركون يقينا انه ليس معهم , وتفسير ذلك ... أن هؤلاء يعرفون معرفة يقينية أنهم بلغوا درجة من اليأس من الاحتكام لصناديق الاقتراع ومن أي عملية انتخابية لأنهم يدركون تماما ً أن الشارع اليمني بعمومه, أصبح من الرشد والفهم , والرؤيةً الفطرية والتجربة ما يمكنه من تحديد خياراته التي يراها صحيحة ، ولذلك لا يعطي هؤلاء في كل عملية انتخابية إلا وزنهم الطبيعي وحجمهم الحقيقي , والذين هم في الشارع معك لا شك سيكونون معك في الصناديق , أما ادعاء أن الشارع معك , ولا تثق به في الصناديق التي ترفض الاحتكام إليها ..فهنا وجه الغرابة .
الأعجب من هؤلاء وبعد أن ضاقت بهم سبل الديمقراطية , وضاقوا بمفاهيم وأسس الديمقراطية , وتنكروا بالتالي للقنوات الشرعية والمعتمدة للتداول السلمي للسلطة " وبعد أن خرج الحمار السوق كما يقولون " هاهم بعد ركوب موجة احتجاجات الشباب , يريدون ديمقراطية من طراز جديد في اليمن مفصلة على أهدافهم ومنسجمة مع مراميهم في الوصول إلى السلطة , وأساسها الإقصاء والاستبعاد لكل المخالفين , وفي حالتنا اليمنية ...عبر إقصاء الرئيس علي عبد الله صالح شخصيا , واستبعاد كل الخصوم والمناوئين لهم في كل مفاصل السلطة , حتى ولو كانوا يمتلكون من الشرعية الدستورية والشعبية ..وتشجيع الفوضى والإيذاء والتخريب وإقلاق الأمن والسكينة العامة , لان التغيير في نظر هؤلاء يعني تخريب كل شيء في هذا الوطن , والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وفوق كل ذلك الديمقراطية الجديدة لهؤلاء " جدلا " غير منضبطة وغير محكومة بأي من القواعد أو التشريعات أو العقائد أو الأعراف أو التقاليد ... ( وحين تحرجهم بقول الله سبحانه أو بقول النبي الكريم محمد " ص " لإضفاء القدسية للنص الشريف من آية أو حديث ولتقطع طريق الجدال .. فإذا لدى بعض هؤلاء من المخارج ما لا يعجز .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..ويكفينا أن نذكر هؤلاء بقول الخالق سبحانه " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا " النور 51 , " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " الأحزاب 36, , وبقول الرسول الكريم (ص) " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " , " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " هذا الكلام عربي مبين واضح ولا يقبل جدلا أو تأويلا .
إذا الديمقراطية الجديدة هي ديمقراطية الفوضى الخلاقة التي يتبناها هؤلاء ... طالما أساسها ومنتجها الشارع , لماذا ياجماعة ؟ قالوا هكذا يريد الشباب في الشارع ... أليس عجيبا ومريبا أمر هؤلاء " الشوارعية " تعالوا إلى صناديق الاقتراع وبلاش موعدها القانوني من الآن يتم الإعداد لها ومعكم ومشاركتكم !! يجيبون عليك : لا مافيش مع الشباب وقت , إذا هذا هو السر فيما وراء الأكمة من العناد والإصرار على القفز فوق كل قواعد ومبادئ الديمقراطية انه صندوق الجماهير المخيف والمرعب والغير مضمون النتائج .
ومن العجيب أيضا أن هذه الأطراف كانت ومن فترة طويلة نسبيا تهدد في أكثر من مناسبة باللجوء للشارع والاحتكام إليه , ونقول بلغة بريئة وعفوية جدا لماذا التهديد بالشارع ؟ وإذا كنتم تعتبرون الشارع معكم وفي صفكم كما ترددون دائما عبر الفضائيات والفارغات فلماذا تهربون من الصناديق ؟ أليست أيسر الطرق وأسلمها لإحداث التغيير الذي ينشده الجميع ؟ أم أن الدعوة للتغيير مجرد كذبة وكذبة كبيرة ! والمهم الوصول للسلطة من أي طريق والمهم أنها من الشارع .. ولتكن العواقب ما تكن ... هل هذه هي المسئولية الدينية والوطنية ؟ وهل هذا الطريق هي ما ينسجم والقواعد الشرعية والوطنية والقانونية ؟ .
لقد حاولوا مناهضة الإجراءات الدستورية والقانونية للدولة ’ بل وكلما عزمت الدولة على تسهيل الأمور أمام تنفيذ مطالب المعارضة تجد الدولة أن هذه الأطراف غير قادرة على التعاطي مع المبادرات المعروضة ودعوات الحوار المتكررة ... بسبب تعدد الاتجاهات , ووجود التناقضات بين أقصى اليمين وأقصى اليسار , وتنوع الأجندات التي تحملها أطراف المعارضة أو تعمل لصالحها , ذلك ما يفسر انحيازهم للفوضى ومحاولة خلط الأوراق ومحاولة التأثير على الناخبين بشكل أو بآخر... ولأنهم يعلمون يقينا ويدركون تماما أنه لا خيار آخر أمامهم للوصول إلى السلطة سوى الخيار الديمقراطي والانتخابات , وسواء بوجود علي عبد الله صالح أو بعد انتهاء فترته ، وأن هذا الأمر محل توافق شعبي ووطني وإقليمي ودولي ، وفوق هذا يعلمون أكثر أنهم غير مقبولين كحكام سواء كأحزاب منفردة أو كمشترك لا شعبياً ولا إقليميا ولا دوليا , على اعتبار أن أحزاب المعارضة جميعها عقائدية وانبثقت من منطلقات أيديولوجية وأصبحت بالتالي غير مقبولة من غالبية الشعب اليمني لأسباب عدة ثم إنها مكنتها من السلطة يوما ما ففشلت ، فدعاة التوجه الإسلامي لا يشكلون ذلك النموذج المغري والمحبب للجماهير , بل إن وصولهم للحكم مدعاة للقلق بعد التجربة في السلطة وخارجها ، والأحزاب اليسارية من المعارضة لم تعد مقبولة أيضا بعد أن تجاوزها الزمن ، وكل ذلك لا يعني نفي الوطنية عنها أبدا , و لكن الوطنية شيء والرسالة التي تحملها وتدعو إليها هذه الأحزاب وقدرتها على تسويق خطابها والترويج لادعاءاتها شيء مختلف تماما ً...
لقد حسمت الغالبية الساحقة من جماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير - موقفها – خلال الأيام الماضية , وحددت وبوضوح خياراتها منذ ميلادها الجديد في الثاني والعشرين من مايو الخالد , وهاهي تعبر في كل الظروف عن إرادتها في اعتماد الديمقراطية والانتخابات سبيلا وحيدا للتداول السلمي للسلطة في ظل نهج التعددية الحزبية والسياسية وكفالة الحريات العامة والخاصة , وبالتالي لا يمكن تجاوز الإرادة الشعبية أو الافتئات عليها ولن تسمح بالوصاية عليها من أي كان أو الانقلاب على شرعيتها تحت أي عنوان .

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/90013.htm