غياب الأب ظاهرة تهدد كيان بعض الأسر!

المؤتمر نت - -
صلة الأرحام والتكافل والتناهج من رحمة الله بالأمة

لقطة عائلية تجمع فيها أفراد أسرة الأب وألام والأولاد يبتسمون للكاميرا، لكن يدا خفية اقتطعت صورة الاب، بينما ظلت الابتسامة الجامدة محبوسة في اطار الصورة الفوتوغرافية تحكي ذكريات وقهقهات وجلسات ونظرات تفقد، وحنان ولحظات جد وحزم سرقت في غفلة، فهل يمكن اقتطاع صورة الأب بلحمه ودمه وكيانه الحقيقي من بين افراد عائلته كما يقتطع من الصورة المطبوعة؟
تمثل الاسرة وحدة حية تكتمل هيئتها وصورتها بوجود اعضائها الرئيسيين: الأب الأم والأولاد إذ ان غياب أي عنصر من اولئك يضر بوحدة الأسرة ويربك وظائفها الطبيعية والاجتماعية التي ينبغي ان تؤديها او يقضي عليها، وقد يتكيف الزوجان ويتوافقان في حياتهما معا دون وجود الذرية، وهو امر تقرره مشيئة الله سبحانه وتعالى او قد تغيب الام جزئيا للعمل والوظيفة لكنها تتدارك ذلك الخلل بتكثيف عطائها لأبنائها باختصار اوقات انشغالها خارج المنزل لأي سبب كان لتوفير اوقاتها لبيتها واولادها وكذلك غياب الأب الجزئي للعمل والوظيفة والواجب أمر طبيعي.
الغياب أنواع
ولكن (غياب الأب) وهو المحور الأساس الذي ترتكز عليه بقية محاور الاسرة الى نتائج سلبية واضرار بالغة تهدد استقرار الاسرة والمجتمع وهذا الغياب نوعان: الاول: دائمي او شبه دائمي والآخر: جزئي، فأما الدائمي فالموت والانقطاع عن الدنيا لحضور الاجل وكثرة الحروب والكوارث والنوازل وهذا مما لا حول لنا ولا قوة ازاءه واما شبه الدائمي فالهجرة للعمل او الهرب من وضع مزر سياسي او اقتصادي او سواه وقد تكون الهجرة دائمية او غير معلومة حتى زوال اسبابها وربما كان سبب غياب الأب هو الطلاق او الانشغال بزوجة اخرى والتقصير مع عائلته الاولى مثلاً.
واما الجزئي فهو الغياب الذي يحدث بسبب طول ساعات العمل وكثرة انشغالات الرجل وارتباطاته رغم قربه ووجوده داخل البلد او المدينة وربما المحلة الا انه مشغول ولا وقت لديه لأسرته..
وهناك الغياب الذي ينطبق عليه المثل القائل: ان حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد فهذا النوع برغم وجوده في المنزل الا انه لا يشارك اسرته اهتمامها ومشاكلها او انشغالاتها فهو لا يجلس معهم على مائدة طعام ولا يسأل عن شؤونهم وربما انصرف الى التلفاز مكمما الافواه كي لا تشوش لديه محطات الاستقبال مانحا اذنيه ووعيه كله للمشاهدة ساعات طويلة او منعزلا للقراءة.
وأسوأ من هذا الغائب الحاضر من يقضي الساعات في اللهو ومجالسة الاصدقاء الذين لا هم لهم سوى قتل الوقت باللهو والمرح وملء الفراغ بالحديث الفارغ ولعب الدومينو او سواها من الالعاب، وصنف آخر يلجأ للغياب بقصد الهرب من المسؤوليات العائلية
وهناك الأب (المغيّب) دون ان يدري فهناك بعض العوائل التي تخشى سطوة الاب وتسلطه وعصبيته بسبب تجاربها الحياتية وقناعتها بسوء معالجته للأمور فتعمد الى اخفاء ما يحدث لها من مشاكل وما يواجهها من ازمات اجتماعية او نفسية او …او حتى تستفحل ويصعب علاجها وقد يفاجأ الأب بانفجار المشكلة بعد ان تكبر ولا يبقى موضع للعلاج وقد يثور مثل هذا الأب لأنهم لم يخبروه ابتداء وينسى انه لا يبرأ من الذنب فالخوف من غضبه وثورته وعصبيته هو سبب تغييبه وكتمان اسرار بيته عنه.


اما الغياب الذي تشكو منه كثرة من النساء اليوم ويعانيه نطاق واسع هو (غياب البطالة) والمسرحين من العمل فحضور اولئك الجسدي اشد وطأة عليهم وعلى عوائلهم من الغياب لساعات طويلة في دوائر عملهم لأن الفراغ لا يبقى فراغا ولا بد من ملئه، فكيف؟ وبماذا؟
والرجل الذي اعتاد العمل والكد والكسب لا يحتمل المكوث في البيت كالعاجز او المسن ولكثرة تفكيره وشروده لا يكاد يكون له دور مؤثر او فاعل توجيهي او تربوي وربما حدث العكس فيكون حضوره وتأثيره سلبيا في أفراد عائلته.
الآثار والانعكاسات
وغياب الأب مهما اختلفت اسبابه يؤثر سلبيا في جميع افراد العائلة خاصة الزوجة والابناء واكثر ما ينعكس ذلك التأثير السيئ على تكوين شخصية الطفل وبنائه النفسي والوجداني والمعرفي ولا ينجو الابناء من هم في مرحلة المراهقة او بواكير الشباب من الآثار السلبية لذلك الغياب، كما ان انعكاسات ذلك الغياب على الجانب النفسي للزوجة يربك توازنها ويفقدها الشعور بالاستقرار والامان مما قد يجعلها تقسو على ابنائها او تتخبط في اسلوبها التربوي معهم بين التشدد والمبالغة في الحرص او التهاون وترك الحبل على الغارب.
ومهما حاولت الزوجة ملء فراغ (غياب الأب) يبقى ذلك الموضع فارغا ولو افترضنا انها استطاعت ان تملأ ذلك الفراغ بشكل ما لدى اطفالها، فمن يملأ فراغها هي وحاجتها الى حضور اب اولادها وزوجها.
من يدفع الثمن؟
واكثر ما يؤثر غياب الأب في الفتاة كما اكدت التجارب الحياتية والبحوث الاجتماعية ليس في مجتمعاتنا الشرقية فحسب بل حتى داخل المجتمع الغربي، فعندما تتحول الاسرة الى مجرد مكان يجمع عددا من الاشخاص بحكم الاضطرار والضرورة فالأب غائب والأم مشغولة بهمومها ومشاكلها والضغوط النفسية والاجتماعية التي تتعرض إليها نتيجة مصاعب ومتاعب الحياة اليومية، والأبناء يلتقون من يلتقون ويقضون اوقاتهم حيث شاءوا بلا رقيب او متابع او رادع وربما وقعوا فريسة الانحراف والرذيلة، وتبقى الفتاة تدفع فاتورة الحساب من صحتها النفسية والذهنية نتيجة الحرمان العاطفي داخل الاسرة وفقدان حنان الأب ومتابعته واستفساره ولأنكفاء الأم على نفسها وتذمرها وتوترها غالبا وكثيرا ما تبحث عما يملأ الفراغ العاطفي والحاجة للشعور بالاهتمام والاهمية خارج البيت لتتعلق بالمدرسة مثلا او بتربية وتكون الطامة الكبرى اذا ما وقعت تحت تأثيراغواء الكلام المعسول والوعود الكاذبة الخادعة التي قد يوهمها بها شباب طائش مستهين بكرامة الفتاة، سمعتها وسعة اهلها وربما شهر بها بين اصدقائه او استدرجها بالكذب والخداع للإيقاع بها لتحقيق مآربه الدنيئة ثم يخلفها فريسة القلق والخوف والندم حيث لا ينفع الندم.
وان ظاهرة غياب الأب او غياب دوره او تغييبه تكاد تكون ظاهرة عالمية..ففي احدى الدراسات حول كثرة المراهقات الحوامل وبين تلميذات المدارس والطالبات الصغيرات اكد الباحثون ان اهم الاسباب التي وقفت وراء تلك الظاهرة هي غياب الأب وعدم علمه او متابعته لما يجري حيث لا يتدخل في شؤون ابنائه اذ ان القوانين والانظمة هناك (اوربا، امريكا) تمنح حرية واسعة للفتى والفتاة وتعد توبيخ الآباء لأبنائهم او عقابهم اعتداء على الحرية الشخصية وتحاسب من ينتهك تلك القوانين وتعاقبه ولا يقتصر الأمر على ذلك ولكن القوانين ذاتها تشجع الفتاة على ترك البيت واقامة علاقات مفتوحة مع الجنس الآخر بلا ضوابط او روادع فتفشي الانحراف وظهرت الأمراض الغريبة كالإيدز والسارس وغيرها والغريب ان المرء لا يتعظ بما يرى حتى يدفع الثمن بنفسه، اذ اخذت بعض الدول الاسلامية كحكومات بما لديها من سلطات قانونية تشجع نمط الحياة الغريبة في بلدانها تدريجيا بالتلاعب بالألفاظ وتغيير القوانين والأعراف تحت دعاوى المساواة والحرية والحقوق الإنسانية وحقوق المرأة فحاربت الحشمة والعفاف وما يحد من الاختلاط غير المحدد بأطر وضوابط شرعية وأخلاقية وشجعت تمرد الشباب من الجنسين بتلاعبها بقوانين النكاح والطلاق والسفر وتحايلها على الشريعة لإلباس تلك الاجراءات لبوس الشرع.
فما العمل إزاء تلك الظاهرة الخطيرة؟
من رحمة الله تعالى بالانسانية ان اوجد الرحمة والتعاطف والتكافل وامر بصلة الارحام وشدد في ذلك فالقى على الاخ والعم والخال وذوي الرحم جزءا من المسؤولية في التوجيه والتربية والرعاية فقد جاء على لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره….) فجعل التربية مسؤولية جماعية فحذار من هجر منهج الاسلام الاجتماعي الرائع في التربية بحجة (عدم التدخل) التي اخذت تتردد على الألسن لمنع الاخ او العم او الخال من نصح الابناء وتوجيههم فنحن من امة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والمعروف اول ما يصنع مع الأهل وذوي الارحام وابناء الجلدة والنصح للأمة تطبيقا لقوله، جل في علاه، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً* وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد)




عن : دار السلام
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:43 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/9278.htm