المؤتمر نت - سام عبدالله الغُـباري
سام عبدالله الغُـباري -
هوامش رمادية على حافة ألوان الطباعة
لا أدري هل هو الزمن الجائر .. أم ثقافة السنين الماضية و اختلاط مفاهيم الأخلاق و ضياع القيم في بؤرة المال و رجولة الاحتيال (!!) .
اصبح المنشقون بكل ديكتاتوريتهم الثورية الصرفة عنواناً للشهرة و النصرة المتعصبة و الفكرة الشمولية . يذكرني التاريخ الذي يكتب الآن في اليمن بعوامل احتجاج سابقة حدثت في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي في أغلب مدن العرب .. فظهرت قوى التيار القومي بكل نجوميتها و انتهت اليوم إما متمرداً عليها أو مشنوقة على صلبان الثأر أو مقتولة بأذرع الفتية الناشئة على يديها .!!

لماذا يتمرد جيل الرؤساء الأطول عمراً في تاريخ السلطة العربية على رؤسائهم ؟! القذافي قتله فتىً في عمر أحفاده برصاصة في الرأس ، و مبارك أودى به شاب هادئ إلى السجن ، و الأسد يثور عليه شباب ترعرعوا في كنف والده .. فصاروا إليه و خرجوا على شاب منهم و تحدثوا بلغة تدميرية انتقامية مؤلمة رغم ازدهار الاقتصاد و البيئة و السياسة .

هل يحتاج العرب المسلمون لأعوام العنف و الحروب التي لحقت بألمانيا قديما و فقدوا فيها ثلثي سكانهم و أهلهم و خيرة شبابهم على قضايا و نظريات إقصائية حتى يفكروا في وفاق حقيقي بعيداً عن حروب العقيدة و الثورات المدوية للوصول إلى استقرار الهدنة الطويلة و ضرورة تقبل الآخر بكل إختلافاته و ميوله و أحاديثه و طموحه .؟

ما بال جيل الوحدة اليمني يُـفرغ مراهقته على طيش الفساد الذي استقر في ضلوع الوطن و لم يستثن أحداً ، و ما شأن الواقع الجميل كي يفسده الغضب التشطيري المقيت ثأراً من شخوص تعددت سكاكينها و تلوث ماضيها بجماجم الرؤوس البريئة و هي تستحم بدماء الشعوب ثم تلبس فجأة ثوب الواعظين و تبكي على خمسين شابا سقطوا في معركة التغيير رفضا لفساد و ظلم و احتكار جهر به الغاصبون فأغضبونا .. و لم ترف أعينهم الخاشعة على مئات المئات و الآف الآلاف وهم يرفعون في وجه بعضهم بندقية الموت و يطلقون رصاص الخيانة على روح الشهيد فيسقط مضرجا ينظر إلى السماء .. و تغيب نظرته .. يصمت صراخه و يسكت شعاره و تنقضي جُـمعه و اسابيع الغضب .. و هناك من يرقبه من الشرفة .. يسوق إلى متن الصراع حروف التيه و عناوين السؤال .. من هذا الذي يقتلنا ؟ و أنّى لذلك القاتل بالأمس أن يرحمنا و تبكيه مصارعنا و يُـحزنه ثكلانا .!!

ما شأننا بالوحدة .. دعوها تستريح في قيمتها المُـثلى ، و دعونا نصارع الأفكار و ننسى الأسلحة و براميل البارود و النار .. يجيبني خافق عجول عن الفيدرالية و مباسم صاحب الدولة حين يتذكر في حواره المتلفز فوائد الحرية و مخارج القضية الجنوبية ..!! ، ثم يبكينا حتى نبكي و يمنحنا تفاؤلاً عريضاً ملوناً بهياً أزرقاً صافياً نقياً .. و نراه يغضب و يتهم ، و غيره يكذب على لسانه و لا يبالي . !!

ما هذا الجنون .. !! هذه دولة يا صاح .!! ، و ليست خيمة بأوتاد صدئة أغلقت بابها على شارع الأذى و النشيد و الخطاب الساخط الملوث .. فكروا معي و تعالوا إلى كلمة سواء .. فالنار حين تصطلي يُحرق بأسها و جحيمها الطيب قبل الخبيث و يذوب حديد الخيام و تتمزق روابط الحبال و مواثيق العهود و بنود المبادرات و يتصاعد دخان الخراب و تكفهر سماء الله فلا تُـنجب الأمطار و تنطلق اللعنة للمساء في كل بيت و دار .!!

هناك خلل ما .. قضية تائهة في زحام الخيام و الخيام المضادة ، لمن نكون ؟ و مع من نستريح ؟ و كيف نشكو عذابنا لجلاد لم تبرأ بعد جروحنا من سياطه اللعينات و في كل يوم نكتشف تلة من عظام الرفاق الذين سحلهم في شوارع البؤس إلى أن اقبلت غربان الجوار تصطاد لحومنا و ضباع البادية القريبة تُـستنفر على وقع وجبة دسمة و مائدة شهية لم تنتهِ .

يقودنا هذا الحديث و هذه المعمعة إلى الوقوف على قضايا الانشقاق السيء .. الحرية الخادعة .. التغيير بإسم المنصة و تحت ظلال الحديث المصلوب عند مفترق الطرق الثورية ..!! نُـعبر بأدوات الديكتاتورية التي لم نعهدها و نجلب في أحاديثنا و شائعاتنا و في كل ما نكتب و نهذي به و نتصرف وفقه ارتباط المحرك المتآمر على قضية البلد و نُسطح المُثل (الوحدة ليست دينا – الدستور ليس قرآنا) و نُسوق . نُضخم . نُهول . نكذب . و ننشر الشائعات المؤدلجة .. نُروج لتصعيد لا يثمر السقوط الذي نبغيه ، فلنا في عصي الساحات مآرب أخرى و انتهازية لا حدود لخيالها . و وقودنا دماء شهداءنا الذين نرفعهم إلى الملكوت و لا نموت .. لا يمكن لأحد أن يفكر أو يجرؤ على المساس بأهلنا و عائلاتنا .. فلكم مالنا و أخبارنا و سخطنا و خطاباتنا الملتاعة الباكية و لأرواحكم الموت و الشهادة .. و صورة ملونة على خيمة تشكو الفراغ و الاختلاف و إيقاع التناقض المميت.

مثلاً تقود نقابة الصحافيين اليمنيين حملة التشكيك بزملائها .. تفرز هذا و ذاك .. تُـخندق صحفيا مطحوناً في خانة النظام ، و آخر تجعله قريباً من بياناتها التي صارت كخبز جارنا الكسول بارداً .. لا ملح و لا مذاق . تجربتي مريرة و سابقة مع نقابة تعنونها خطورة التصنيف و تقتلها حرارة الحماس في لجنة الحقوق و الحريات .. و في كل أماكنها المزدوجة و خيمتها المثبتة في فناءها الذي يصارع الاستقطابات و الولاءات المؤلمة .. أنستنا أحزابنا مهنيتنا ، و ضاع رحمنا على مطامع الورث الأجرد .. و تخلى عنا الزمن فكان أقسى من تخلى .!!.

وكيلنا الذي منح الرئيس السابق درع النقابة .. تحول إلى مقاتل شرس مع قناة إخبارية دفعت له حتى أبعدته عن الساحة و الحقيقة . صار مهووساً بها و بخيامها المأكولة على صدقات الثورة و حسنات المال المتدفق من كل راجم و ثائر .. أكثر من هوسه بصحفيي المهنة و معاناتهم و حقوق النصرة و الألفة و بقايا الطعام و ملح الخبز و الحياة و صار وصفنا بقايا آخرين لا لون لنا و لا رائحة و لا زهو و أشباحنا تطارد ضمائرهم المغلفة بقماش القطن الثقيل كما تُـلف خيام الساحة الممتدة إلى جولة الصراع الذي لا ينتهي حتى بالموت .

الشعور بالوحدة تحت ظلال الوحدة .. مرارة حقيقية .. فعندما تكون صحافيا و ينساك أهلك و عشيرتك و قومك و منتسبي كلمتك و الموقعين على شرف المهنة و ميثاق الحرف . يكون الوقع عظيما كفأس صدئة تخترق الرأس العنيد ببرود قاتل سادي .. و في قضايا أخرى كانت نقابتهم تقف على مقربة من زحام الشكاوى تصغي لهم و تغلق سماعة الهاتف في وجوهنا .!! لا تهدأ إلا بعودة صاحبهم إلى حقه مطمئناً سالماً .. و هنا يـشق الحلم الجميل ممكنات التعاضد و التلاحم و يوصلنا إلى أضغاث أحلام تفسده و رؤى مشبوهة بالشك و المن و الريبة .

لم يعاملنا رئيس تحرير أهلي بحرية كما يعامل مزاجه المتسلط على حروف الكتابة و سطوة القوة .. و ينظر من زاوية الصفحة الإعلانية بأكثر مما ينظر إلى واجهة الفنون الصحفية و تعددها . لن يجرؤ ناشر جريء إجازة مادة النقد التي تجرح مشاعر شيخ احتمى بظهور الشباب و فتح صدورهم كي يتلقوا رصاصات الإنتقام و حُـمى السياسة بدلاً عنه .. لن يتحدث أحد على غير الرئيس السابق بأكثر مما تحدث هؤلاء .. و لن يـستقطب أحدٌ غيره بأكثر مما فعل هؤلاء ببيانات التحيز و أنصاف المواقف .. !!

هل ينبغي فعلاً أن تؤسس نقابة الصحافيين اليمنيين لثقافة الانشقاق حتى في خلاياها النائمة بمؤسسات الصحافة المثقلة بالديون و العاهات المستديمة فكراً و جسداً .. نبضاً و حرفاً .. ؟ هل ينبغي على الصحفيين البحث عن إسقاط حاكم صنمي – كما يحلو لهم وصف الرجل المتقدم في أفكار الحرية و رؤى القوانين المفتوحة النافذة – و هم أصنام الخيال و سراب المهنية و وحشة الليل الكئيب بلا نديم سوى عواء الذئب الذي ينتظر منامك ليسطو على أغنامك الخائفات .!! .

يبحثون عن صحفي لا ينتمي إليهم و لم يجد عملاً و فرصة للربح و الازدهار غير أن يكون صحفياً يظهر على قناة الجزيرة و يصفه مذيع الحلقة بالمحلل السياسي المتمكن .. شابٌ غر يُـحدثنا عن وطن ممتلئ بالأساتذة و المثقفين و خيرة الرجال و الحكماء الذين تواروا رغبة في التواري و هروباً من سلاطة اللسان و سخط المجموعة المتعاضدة بالألفاظ المحرمة ديناً و عُـرفاً . فيصرخون لأجله بينما تواجه مؤسسات الدولة رعونة الطيش الحقيقي .. أحدهم في مدينة الحلم المدني يُـحدثنا بجرأة عن صحافة ليس لها سوى طمس ماضي صحيفته الحار على أشد معارضي النظام حتى أوغر قلوبهم بكل قدرته على صاحب القرار و السيادة .. أما ثانيهم فحدث و لا حرج .. يحدثنا في الصفحة الأولى عن رئيس منتخب .. و في أخيرته ينشر للانفصال بكل أريحية و ينشر صور العلم الشطري و يبرر ذلك بأحقية مسنودة لقانون غربي لو طالب به أحدهم هناك لانتهى به مطاف الكتابة إلى مقصلة الإعدام .. و تجريم المجتمع و المعارضين و مراكز المال و النفوذ لهذيانه الغبي .
لماذا إذا يستمر الإنقسام في ظل الحوار ؟ لماذا تستمر آليات الغضب الإسبوعي في ظل التوافق ، لماذا يتجاهلنا قادتنا النقابيون و كأننا مصابون بداء جرب غريب و معدٍ و يدافعون عن شمولية صحفية هي الأكثر إيغالاً في لغة الصحافة الحالية .. ؟ ما شأننا برجل تسامح و خلع رداءه و ألبسه لغيره في حفل أنيق .. ألا نكون لطفاء مثله ؟! ، ما بالنا و قد بايعنا غيره و انتخبنا في يوم اليمن الجديد رئيساً توافقياً و من ثم نخترع نصوصاً خلافية و نحفر في أرض الصحراء بحثاً عن ميت منذ الآف السنين .. فنُـشهد العالم .. ذاك الذي رحل قتل صاحبنا .. و قد سكن الليل و تباعد اللئام عن مسكننا .!!
لقد فعل صاحبنا مالم يفعله أصحابكم مجتمعون .. حقق الوحدة و ترككم تعبثون .. ترقصون .. تعمهون في غيكم و لا ترشدون .. ليس لصاحبنا إثم سوى أنه أراد لنا ما أراده لنفسه و آثرنا على مصلحته و بيعته و كرسيه و سلطته .. رحل .. رغم قسوتكم و ثورتكم و خيامكم .. و لم تستطيعوا التضحية بمال الأمير المدنس في مقابل تضحيته بجاه الله و حاكمية الشرع و القانون .
التساؤلات تنضح على الوانها و تعددها و تُـقارب ألوان الطباعة في اختلافها و امتزاجها .. لتُـشكل الوان فرز طباعي و طبائعي مؤثر في القدرة البصرية و الدقة المتناهية تتكشف معها تفاصيل الصورة الدقيقة و اجزائها .
التاريخ يكتب الآن .. و على الصحفيين أن يكونوا في مقدمة من يقود إلى الوحدة .. وفق رؤية تُقرب و لا تُبعد .. تنقي و تجمع .. تجعل الجميع أكثر حرصاً على صناعة رأي عام متقد بالوعي ، نافذ بالبصيرة ..خبير بمشاكله و همومه .. عصي على الخداع و الانجرار إلى مربع الجهل و التجهيل .
و قبل هذا .. على الصحفيين إسقاط صنمهم و إعادة الروح لنقابة النطيحة و المتردية ، و ما أكل "المنشق" و شرب .

و إلى لقاء يتجدد

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/98153.htm