صنعاء – الرياض.. خندق واحد أم خندقان ؟! ما كاد المسئولون اليمنيون يتنفسون الصعداء بعد ما أعدوه نصراً على خلايا الإرهاب في اليمن حتى عادوا للقلق مجدداً عقب تعرض (الجارة الحميمة) المملكة العربية السعودية لسلسلة هجمات إرهابية متتالية في غضون أقل من شهر، استهدفت مصالح وطنية سقط جراها عدد من الضحايا، قادت إلى حالة استنفار أمني غير مسبوق في تاريخ الدولة السعودية. وتأتي طبيعة قلق المسئولين اليمنيين – وإلى حد كبير الشارع العام – من اعتقاد سائد بأن حجم الامتداد الجغرافي، والتاريخي، والثقافي، والاجتماعي بين البلدين يعكس آثاراً ارتجاعية لكل حدث أو متغير في ساحة أيٍّ منهما على ساحة الآخر، الأمر الذي يجعل من أية محاولة طارئة لاستيعاب مفردات ما ترتب من تطورات على المسار الثنائي لعلاقات البلدين السياسية، عملاً ليس بالسهل فهمه، وغالباً ما يقع المتسرعون ضحية التحليل السطحي، وخلاصاته الضحلة، التي لا تكترث لحالة التداخل والأثر المزدوج المتبلور منها. لا شك أن ظهور الإرهاب كمشكلة في منطقة الجزيرة العربية لا يمكن إرجاعه إلى عوامله المحلية "الوطنية" بمعزل عن مناخه الدولي العام، وواقع ما آلت إليه فلسفة الفكر البشرى من ثقافة عصرية. ولا يبدو الأمر – من وجهة نظري- مرتبطاً بالتحولات الديمقراطية، على غرار ما تدعيه الولايات المتحدة، ودول أخرى، وليس – أيضاً- بالإمكان التسليم بالإدعاء العربي العام الذي يجعل منه ظاهرة ملازمة للإسلام والمسلمين. إذ أثبتت الأحداث المتأخرة في عدة أماكن من العالم أن الإرهاب يمكن أن يحمل هوية أمريكية وديانة نصرانية كما هو الحال في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في العراق باستخدام أحدث وافتك الأسلحة لقتل المدنيين- فليس من تسمية أخرى غير الإرهاب لمقتل (700) شخص خلال أسبوعين فقط في "الفلوجة" على يد الأمريكيين. والإرهاب يمكن أن يحمل ديانة يهودية – كما هو عليه الحال في فلسطين المحتلة منذ عام 1948م وحتى هذه الساعة، وهو أمر تؤكده مجازر (دير ياسين) و "كفر قاسم" و"جنين" وغيرها في فلسطين، و"قانا" في لبنان، التي تضاف إلى الاغتيالات اليومية للرموز الفلسطينية داخل البيوت، أو المساجد، أو الشوارع.. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، هي جميعها دول تتبنى النهج الديمقراطي، ومنها من يعتبر "راعي الديمقراطية في العالم". إلى جانب ذلك، فإن العالم يشهد مسارحَ يومية لأعمال إرهابية واسعة النطاق،ولا تكاد تقارب بشيء مع الأحداث المتفرقة في العالم العربي والإسلامي، فهناك جماعة أبو سياف، ومجازر "السيخ" و"الهندوس"، وتفجيرات إسبانيا، و"كارلوس"،وجماعات لا دينية في أفريقيا وغيرها الكثير من الأمثلة التي تؤكد أن الإرهاب ليس له وطن، أو دين، أو لغة، وأن أكبر دعاة الديمقراطية، وحقوق الإنسان يحترفون الإرهاب. في اليمن – كان الفقر والجهل سببان رئيسيان لتنامي التطرف والإرهاب، ويضاف إليها تقلبات الظرف السياسي اليمني وعدم استقرار الدولة حتى أواسط تسعينات القرن الماضي.. فكان من السهل على بعض الرموز الدينية الراديكالية استقطاب خلاياها بالمال، واستثمار حالة الجهل بتعبئة خاطئة كان القصد منها بناء نفوذ واسع تغوص زعاماته بالأحلام السلطوية البحتية التي لم تكن تحمل أية وجهات نظر خاصة بشأن الولايات المتحدة ومخططاتها – رغم اصطباغها بالفلسفة "الإخوانية".. وقد ساعدها عدم الاستقرار السياسي للدولة، وضعف موارد السلطة على التحرك بحرية – إلى حد ما- والتنامي، وربما تبوء مراكز اقتصادية ، واجتماعية نافذة تعزز صفتها الدينية الزعامية. أما المملكة العربية السعودية – فلم يكن للفقر أي دور في تنامي خلايا الإرهاب على أرضها، بل على العكس من اليمن تماماً، إذ أن الغنى قد يأتي بانعكاسات سلبية مثلما يفعل الفقر، فالنمو السريع الذي شهدته الدولة السعودية رافقه نمو مماثل في سوق العمل، وبالتالي اتساع فرص الأفراد في إنماء مواردهم وامتلاك رأس المال الاستثماري.. وكان من الطبيعي أن يتوجه عدد غير قليل إلى العمل المؤسسي الديني بحكم الخصوصية التي تنفرد بها المملكة كقبلة للمسلمين وراعية لمناسكهم،وموطن الحرمين الشريفين. وعلى هذا الأساس كان ظهور الجمعيات ودور الدراسات الإسلامية، والمراكز الإرشادية، التهذيبية هي الظاهرة الأوسع انتشاراً، وهي – أيضاً- المنفذ الذي استغلته شخصيات لم تكن بارزة للظهور، وتبوّء مركز ثقل يجعلها في وضع ملفت للنظر.. إلا أنها باتت تشذ عن القاعدة الفكرية السائدة – كجزء من استراتيجية الظهور- وتستقطب الكثير من الجهلاء أو ضعيفي المعرفة، وبفضل الإمكانيات المادية المتاحة بنت لنفسها منهجاً، وصيتاً، وصوتاً. ولكن على الرغم من ذلك الجنوح، فإن المسألة برمتها لا تتعدى أن تكون جنوحاً نحو التطرف الديني والفكري، وحسب.. إذْ ليس من أحد بين جماعة الهجرة أو "الدعوة والتكفير" كان يعد العدة لترجمة القول إلى فعل، أو حتى أن يتبنى المنهج الحركي القائم على تهيئة الأسلحة والمعسكرات وبرامج التجنيد، وغيرها من مقتضيات العمل الإرهابي.. وفي الواقع إن هذا الحال استمر حتى انتهاء حرب الخليج الثانية 1991م – وفي كلا البلدين اليمن، والمملكة العربية السعودية. وألفت الانتباه –هنا- إلى أن التاريخ السابق لحرب الخليج الثانية شهد موجات من أعمال العنف والإرهاب كاغتيال زعماء، أو معارك مناطقية داخلية إلا أنها كانت ذات طابع مختلف – يمكن وصفه بالمحلي- كأن يكون بدوافع حزبيه أو قبلية، أو كجزء من الحراك السياسي التنافسي على السلطة والنفوذ.. وبالتالي فهو مختلف عن الإرهاب بطابعه الحالي. * إذ كيف دخلت المنطقة أتون العمل الإرهابي الدموي المنظم ؟ من وجهة نظري – وإن كانت ستبدو وغريبة للبعض- فإن منطقة شبة الجزيرة العربية وقعت ضحية الزحف الخارجي لقوى تحمل فلسفة التنظير الإرهابي الديني، الذي لم تكن الجماعات الدينية المتطرفة التي تشكلت في دول الجزيرة عرفته من قبل. فبعد الحرب الأمنية المفتوحة التي شنتها الأجهزة الأمنية المصرية على تنظيم الجهاد الإسلامي المتفرع من الإخوان المسلمين في الثمانينات، أخذت هذه الجماعة تضيق ذرعاً بأرض مصر، رغم أنها حاولت جاهدة حماية وجودها داخل الحدود المصرية. ومنذ النصف الثاني من الثمانينات بدأت بعض زعامات الجهاد الإسلامي التنقل من وإلى مصر وعدد من دول العالم، دونما أن تتمكن من الاستقرار في الخارج. لكن بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري عام 1992م، اشتدت قبضة الأمن المصري على نحو غير مسبوق، اضطر زعماء الجهاد لمغادرة مصر إلى أفريقيا التي انطلقوا منها فيما بعد إلى دول الجزيرة العربية – خاصة اليمن والسعودية- وأفغانستان وغيرها. وهكذا شق "أيمن الظواهري" و"إمام الشريف" وغيرهما الطريق إلى اليمن والسعودية، وأخذوا يعملون على استقطاب فئتين: الأولى – العائدين من أفغانستان، والثانية –الجماعة التكفيرية ذات النهج التطرفي في فهم الإسلام.. وكان معلوماً أن الظواهري والشريف يمثلان منظرين حقيقيين للخط الإسلامي الداعي لحمل السلاح، وقتال النصارى وحكومات "الضلال"، وإباحة دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم للمجاهدين، وإن "لا إسلام بغير سيف". وهما فعلاً أولا المبشرين بالنهج الدموي بمنطقة الجزيرة، ولديهم خبرات طويلة في هذا. وفي الحقيقة نجح هؤلاء في إيجاد معسكرات تدريب لاتباعهم، وفي إيجاد مصادر التمويل المالي "السخي" من تلك الجمعيات، أو أهل الإحسان المضللين بالشعارات "النبيلة" التي حملها أرباب "الجهاد" للمنطقة، وروجها فصيل العائدين من أفغانستان. وكان فارق الثقافة والتعليم بين مصر، واليمن والسعودية، ودول الخليج المحافظة على طابعها القبلي البدوي دوراً أساسياً في ابتزاز أبناء هذه البلدان وتضليلهم بـ "الفهلوة" القادمة من خلف البحر الأحمر، خاصة وأن الدكتور الظواهري ورث خبرة طويلة عن أبيه، وجده، وفاقهم في أسلوب الاستحواذ على ثقة الآخرين، وفي المقدمة أسامة بن لادن الذي رحب بدار استقبال "القاعدة" الذي فتحه الظواهري عنده في أفغانستان، وبلع منه نصف ثروة ابن لادن، وكل قلبه. إلا أن السهولة والسرعة التي تم بها كل شيء بمنطقة شبة الجزيرة العربية هي أيضاً موضوع تساؤل اليمنيين أو السعوديين بشأن خلايا الإرهاب التي تم اكتشافها على أرضهم.. وربما يكونوا محقين في ارتيابهم ما داموا يفصلون الأحداث عن بعضها البعض، ويناقشون الإرهاب بمعزل عن قضايا المنطقة الأخرى. إن التبلور الهادئ والظهور المفاجئ لخلايا تطرف مسلحة كان وليد ظرفين: أولهما- دولي، وثانيهما- محلي قطري. فالحشود العسكرية الغربية الهائلة التي قدمت المنطقة عقب الغزو العراقي للكويت رفعت درجة الهاجس الأمني الحذر لشعوب المنطقة، وكانت النوايا المفضوحة من قيادة الولايات المتحدة للتحالف شحنت النفوس بالتوتر الشديد – خاصة بعد امتداد فترة محاصرة العراق، وإمعان الولايات المتحدة في التمادي. ويضاف إلى هذا اشتعال الساحتين اللبنانية، والفلسطينية، ثم الانتفاضة، والتصعيد الصهيوني لحرب الإبادة العرقية، وارتكاب إسرائيل أبشع المجازر الوحشية بحق الشعب العربي. علاوة على ذلك فإن سياسة الكيل بمكيالين (للنظام العالمي الجديد) أكد الإحساس بأن هناك حرباً تصعيدية ضد الأمة الإسلامية لصالح اليهود والنصارى – وكانت أحداث "البوسنة والهرسك" وما رافقها من مجازر إبادة جماعية للمسلمين، وانتهاك علني لأعراض المسلمات، عاملاً مضافاً لعوامل الإحساس بالظلم، حفزت جميعها الحركات الإسلامية المتشددة إلى قبول فكرة التسلح والإعداد للعمل "الجهادي" ضد اليهود والنصارى المتهمين بإباحة الدم الإسلامي – بحسب اعتقاد تلك الحركات. ومن هذا المنطلق أراد البعض استباق مشاريع العولمة، واستباق ظنونهم بما تضمره الحشود العسكرية في الخليج من شرِّ لشعوب المنطقة، واستباق حرب الحضارات اللائحة في أفق الأحداث، ولكن بطريقة خاصة تتجاهل أية اعتبارات وطنية، أو أصول دينية تقنينية لفلسفة الجهاد، وضوابطها التشريعية. أما الظرف القطري الثاني فهو أن كلا من اليمن والسعودية كانت تعاني من أزمات داخلية صعبة. فاليمن كانت توحدت للتّو، ومن ثم اضطرت إلى التعامل مع أزمة اقتصادية قاهرة من جراء سوء الفهم الدولي لموقفها من حرب الخليج،وبالتالي معاقبتها وتسفير رعاياها من دول الخليج.. بجانب اشتعال الأزمة السياسية بين شريكي الوحدة وتطورها إلى حرب عام 1994م، وما كادت تضع الحرب أوزارها حتى باغتتها أرتيريا باحتلال جزيرة "حنيش"، وكل ذلك هيّأ مناخاً طيباً جداً لتحرك المتطرفين بحرية وتشكيل خلايا إرهابية. في حين كانت المملكة العربية السعودية منهمكة في المخاوف من الجار العراقي – التي كان البيت الأبيض يزيد من تأجيجها، إلى جانب اشتداد المعارضة الداخلية للقواعد الأجنبية على الأراضي السعودية، وانقسام الرأي حتى داخل دوائر السلطة بشأنها، فضلاً عن الهموم الاقتصادية الناتجة عن تكاليف الحرب على العراق، وهناك أيضاً هموم التطور السريع الذي شهدته المملكة العربية السعودية فقاد إلى ظهور الاتجاه الإصلاحي، ودخول مجلس الشورى في معترك الرأي حول طبيعة ما يمكن تبنيه من أفكار لاتجاه الجديدة.. علاوة على مواجهة بعض الأزمات الحدودية مع أكثر من جار.. وهو الأمر الذي شغل السعودية عن الالتفاف إلى جماعة "الهجرة" وغيرها ممن أخذ يخرق المسار العام الآمن. · افتراق الخنادق، والتقاء الجسور. في ظل كل تلك التحديات الداخلية والخارجية، ظلت صنعاء والرياض تعيشان شتاءً قارساً على صعيد العلاقات الثنائية. وحتى النصف الثاني من العام 1997م، كان الفريقان يجدان صعوبة في حل مشاكلهما أو تجاوز سوء الفهم – الذي كان لا يستند إلى خلفية تباينات جوهرية بقدر ما هي شكلية – ولعل هذا الموضوع أوجد ثغرات واسعة في الاستراتيجية الأمنية للبلدين، والتي هي في الأصل استراتيجية متداخلة ومتكاملة مع بعضها البعض طبقاً لواقعها الجغرافي والاجتماعي والثقافي، والتاريخي، ولا يمكن فصل خنادقها بأي حالٍ من الأحوال. وهكذا نشطت عمليات التهريب على حدود البلدين، وأصبحت خلايا التطرف والإرهاب تجد متسعاً من الوقت والمكان لتنسيق جهودها، وبرامجها، وتأمين ملاذاتها الآمنة، إلى الدرجة التي باتت عناصر إسلامية معروفة في اليمن تدخل المملكة وتجمع الأموال من الجمعيات الخيرية، وأهل الإحسان تحت مسميات شتى، وتعود إلى بلدها لتشتري بتلك الأموال أسلحة ، وذخيرة تم تهريبها ثانية إلى الأراضي السعودية لتباع بأسعار باهظة، في الوقت الذي كانت بعض الأقطاب السعودية المهمشة تعتقد أنها تبني لنفسها سمعة داخل اليمن –وربما نفوذ قبلي أيضاً- من خلال ما تقدمه من مساعدات سخية. وفي الحقيقة كان غياب التنسيق بين صنعاء والرياض أمراً مؤسفاً، ويبدو محيراً في ظل إدراك السياسيين في كلا البلدين لحجم الأثر المزدوج من كل منهما على الآخر، فضلاً عن التجارب السابقة لمثل هذه الحالة التي تعرفها صنعاء والرياض جيداً، وعاشت آلامها. ولكن على ما يبدو أن البلدين استوعبا أهمية أن يعملا من خندق واحد في مواجهة تحدياتهما المشتركة بعد أن اكتشفا أن الإرهابيين مدّوا من جسور التآمر ما يفوق التصور في وقت ما زال الخليج والجزيرة غير متأكدين من جدوى انضمام اليمن إلى مجلس التعاون، وكأن المسألة في هذا لا تتعدى كونها مفاضلة بالمال وآبار البترول، من غير اكتراث لحقيقة أن اليمن عضو في جسد شبه الجزيرة العربية والخليج. وإذا كان هذا العضو فيه ما يشوه جمالية الجسد فليس من حل سوى بتره – وهذا مستحيل بالنسبة لليمن والجزيرة- أو إسعافه بما بعينه على أن يصبح لمسة جمالية. وأعتقد أن الإرهاب الذي ضرب اليمن والسعودية – دونما تفريق- كان أقوى من أن تحول دونه الاحتياطات الأمنية الحكومية، لأنه كان سبقها إلى تحصين نفسه في ظرف عوامله الدولية والقطرية –السياسية، والاقتصادية، والثقافية- وكذلك ظرف اللحظة الآنية التي استفزته، وحفزته للاقدام على الفعل الإجرامي.. وهو بذلك يتحول إلى جزء متأصل في التعقيدات العصرية لحياة الأمم. وإذا كنا نتوقع أن الرد العسكري قادر على تجفيف مستنقعات الإرهاب، فسنكون مخطئين، لأن هذا اللون من الردع قد ينجح في حصاد شخوصه لكنه سيُبقي جذوره (الثقافية والسياسية والاقتصادية) في الأرض بانتظار أن تنمو مجدداً، وترفع رؤوسها فوق سطح الأرض. إن العنف والبطش الذي لجأت إليه الولايات المتحدة تحت مظلة "مكافحة الإرهاب"، ضاعف من الإحساس بالظلم، وعزز الاعتقاد بأن الحرب موجهة إلى الأمة الإسلامية دون سواها،ما دامت الحملة الدولية تصب كل جهدها في المنطقة الإسلامية، وما لم يتغير التوجه الدولي العام، وتعالج الظروف التي شكلت مناخات ثقافة التطرف والعنف، فإن المشكلة ستظل قائمة،وإن العالم الإسلامي سيبقى مستفزاً، وبالطبع لن يكون بمقدور أية سلطة السيطرة على الهواجس الانفعالية للأفراد، وضمان عدم إقدامهم على أي فعل ضد مصالح أجنبية، أو حتى وطنية يفسرها البعض من وجهات نظر خاصة بأنها "عميلة" أو "تؤدي نشاطاً معادياً". إذن تصبح جهود التنسيق الثنائي بين اليمن والسعودية ذات ضرورة ملحة ليس في ردع العناصر الإرهابية بالقوة، وإنما استباقها بمساعي سلمية، وتطوير للظرف المحلي الداخلي بآليات فكرية وثقافية تعيد المجتمع إلى توازنه الطبيعي، دونما حاجة إلى "جدار فاصل" يؤدي مهمة "البتر" لهذا الجزء من الإقليم العربي الممتد على مساحة شاسعة في الجزيرة العربية والخليج. ولا شك أن التعاون الأخير والتنسيق المشترك الذي تطور كثيراً خلال الأشهر الماضية نجح إلى حد كبير في تقريب الرؤى، والحد من التهريب، أو من حرية حركة العناصر الملاحقة أمنياً.. وبالتالي فإن التخلص من التوجه الشاذ يعني تحصيناً لشعبي البلدين، وتحقيقاً لحدود معقولة جداً، من كفاية الدور الوطني.. وبذلك فإن المسألة كلها لن تكون ذا أثر بعيد المدى ما لم يتبنَّ الطرف الدولي مسئولياته في الكف عن استفزاز البلدان الإسلامية وزج حكوماتها في مواقف حرجة مع شعوبها الغاضبة من الثور الأمريكي الهائج. |