المؤتمرنت-تقرير تحليلي -
الحرب على القاعدة .. وصراع الإرادات ..!!
لا يمكن اعتبار الكثير من ردود الأفعال التي صدرت حيال اللقاء الذي عقده المشير عبدربه منصور هادي "رئيس الجمهورية" مع رجال دين محسوبين على التجمع اليمني للإصلاح (تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن) قبل أيام ، سوى بكونها كانت "متسرعة" ، ولم تدرك أبعاد اللقاء ولا رمزيته في هذا التوقيت ولا دلالاته ولا مضامينه ولا الرسالات التي حرص طرفي اللقاء إيصالها للرأي العام قبل أن يكون إيصالها للطرف الآخر في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من تاريخ اليمن .
وما ساهم في صدور ردود الفعل المتسرعة تلك هو محاولات التوجيه الإعلامي الذي مارسته قنوات الإعلام الرسمي (والتي يسيطر عليها تنظيم الإخوان) والمضامين التي حاول إعلام تجمع الإصلاح "الحزبي" تصويرها عن وجود حميمية في اللقاء .. وبالتالي "العلاقة" بين الرئيس هادي ورجال دين يقودهم القيادي الاخواني عبدالمجيد الزنداني .. وهذا بالطبع غير صحيح وتدحضه تفاصيل لقاء (المواجهة والمكاشفة) كما يمكن وصفه بين الطرفين (المشروعين) وما يعنيه كل منها من رمزية .
هادي .. قطار التغيير ومشروع الدولة المدنية "الحديثة"
فالمشير عبدربه منصور هادي (رئيس الجمهورية) في انتخابات توافقية جاءت بعد أزمة مريرة عاشها اليمن تأثرا بموجة ما سمي بالربيع العربي التي هبت في بدايات العام 2011م والتي هي في طبيعتها امتداد للأزمة التي تعيشها البلاد منذ العام 2006م "وتحديدا بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة" ، وهي الأزمة التي أكدت من جديد أن اليمن بلد متنوع وأن معظم الأزمات التي عاشتها وتعيشها تكمن في عدم القدرة على إيجاد نظام الحكم الذي يعي هذا التنوع ويمتلك القدرة على تحقيق مبدأ الاندماج والتكامل (الوحدة) في ظل هذا التنوع بما يضمن فكرة القبول بالآخر والعيش المشترك للجميع .
وكونه (أي الرئيس هادي) جاء بانتخابات رئاسية شاركت فيها معظم الهيئة الناخبة في كل محافظات الجمهورية ولم يصل لكرسي السلطة عبر انقلاب عسكري أو فعل "ثوري" فإن التغيير "الشامل" الذي يقوده بالضرورة (بالنظر لظروف المرحلة التي تولى فيها السلطة ومتطلبات إخراج البلد من هذا المأزق والوضع الذي تعيشه المنطقة بأكملها) لا يعني تجاوز الإنجازات التي حققت في المراحل السابقة أو نسفها وهدمها وإنما البناء والاتكاء عليها لتحقيق التغيير المنشود الذي يطمح إليه كل أبناء الشعب اليمني بمختلف مكوناته ، وهو التغيير الذي يتجاوز المشاريع الصغيرة التي تطرحها أطراف داخل (اللقاء المشترك) هروبا منها من استحقاقات ذلك التغيير ومتطلباته عبر محاولاتها اختزاله في إقصاء أشخاص بعينهم من المشهد السياسي كنوع من (تصفية الحسابات الشخصية) و(تمهيد الملعب لتلك الأطراف للسيطرة على مقاليد الأمور وممارسة الاستبداد السياسي باسم الدين أو تحت غطاء ما يسمونها "الثورة" ) ، ولذلك جاءت فكرة الحوار الوطني (الشامل) كأحد أهم بنود المبادرة الخليجية وهو الحوار الذي ينبغي أن يضم كل النسيج السياسي وألوان الطيف الاجتماعي وإلا فقد معناه وجدواه والنتائج التي تعول عليه.
إذا .. فالرئيس هادي قبل أن يقود قطار التغيير ويقود السفينة في هذه المرحلة العصيبة وهو يدرك بكل تأكيد خطورتها .. إدراكه مسئوليته التاريخية في إنهاء بؤر الخلاف ومكامن الصراع والتوتر وإيصال البلد لشاطئ الأمان بالحفاظ على التجربة الديمقراطية وتعميم مناخات الوفاق الوطني وتجسيد مبدأ المصالحة الوطنية (الشاملة) والتي لن تأتي إلا عبر بوابة (الحوار الوطني المسئول) الذي يتم فيه رسم تفاصيل معادلة سياسية جديدة وعقد اجتماعي جديد يلبي متطلبات بناء دولة مدنية "حديثة" ويؤسس لدولة النظام التي يسودها العدل والقانون والمواطنة المتساوية وتضمن حقوق المرأة .
الزنداني .. عباءة الممانعة وهاجس "الخلافة الإسلامية"
أما رجل الدين "المتطرف" عبدالمجيد الزنداني فهو القادم للمشهد بعد طول اختفاء منذ ظهوره الأخير في بداية أحداث العام 2011م بساحة اعتصام صنعاء ، وهو الظهور الذي كشف فيه عن مخططاته القديمة "التي قال إنها فشلت" ونواياه المبيتة في الانقضاض على فكرة "الدولة" عبر محاولات إضعاف أو السيطرة على المؤسسة العسكرية والأمنية واختراق العملية التعليمية والتأثير على المسار الثقافي وإجهاض العملية الديمقراطية ، كاشفا في الوقت ذاته وبكل وضوح عن كفره بـ "المدنية" ورؤيته النهائية لشكل الدولة وحلمه في إرساء دعائم ما اسماها الخلافة الإسلامية "الراشدة" على منهاج النبوءة .. قبل أن ينهي حديثة لأنصاره الذين تجمهروا حول المنصة بقوله (لقد أحرجتمونا) ..!!!
وما بين براءة اختراع الزنداني التي منحها لشباب الإخوان في "ساحة الاعتصام" ولقاءه بالرئيس هادي قبل أيام .. كانت هناك براءات اختراع أخرى وأحداث عظام وأمور جسام تورط فيها رجل الدين بصفة مباشره أو غير مباشره ، بصفة غير مباشرة بإصداره مع طلابه في (جامعة الإيمان) فتاوى تكفير النظام والعسكر والتي كانت مرتكزا لتنفيذ الاعتداء على مسجد دار الرئاسة (النهدين) والذي أصيب فيه رئيس الدولة "السابق" إصابات مباشره ومعه استشهاد وإصابة عدد من كبار قيادات الدولة والحزب الحاكم "حينها" والمسئولين "مدنيين وعسكريين وأمنيين" ، بالإضافة للهجمات على معسكرات "الحرس الجمهوري" وثكنات الجيش والنقاط العسكرية والأمنية ، أما بصفة مباشره فعبر الدفع بالمئات من طلابه (جامعة الإيمان) للانضمام لقوات الفرقة الأولى "مدرع" والتي شاركت في مواجهات مختلفة في العاصمة صنعاء (ش الزبيري ، حي صوفان والحصبة) وقيادته لمجاميع الإخوان وخلايا تنظيم القاعدة في مديرية أرحب والتي شنت خلال شهور الأزمة هجمات متواصلة على معسكرات الجيش في أرحب وبني جرموز ونهم ومأرب .
إذا .. فالزنداني لم يلزم منزله في صنعاء كما قال في أحد تصريحاته الأخيرة وعندما بدا له أن ركوب موجة (الربيع) والمراهنة على الأوضاع التي تمر بها المنطقة والدور الذي يمكن أن يلعبه الخارج في "إسقاط النظام" لن يحقق أهدافه في ذهاب البلد نحو الفوضى التي تقام على أنقاضها "الإمارة الإسلامية في اليمن" والتي تمهد بدورها لدولة (الخلافة الراشدة) ، اتخذ الرجل خيار الحرب والمواجهة (العنف والإرهاب) ودفع بمجاميعه وأنصاره لنشر الفوضى في أكثر من منطقة وحاول ومعه تحالف القوى التقليدية (دينية ، عسكرية ، قبلية) وتحت غطاء ما بات يعرف بـ جماعة"أنصار الشريعة" إسقاط الأطراف ليتسنى بعد ذلك الإجهاز على المركز ، فأعلنت إمارة زنجبار وجعار وولاية ذي قار وشبوه وحضرموت ورداع لكن صنعاء ومعها العواصم الرئيسة ظلت صامدة فسقط المخطط وجاءت التسوية السياسية التي فرضتها (المبادرة الخليجية) لتجهز على باقي المخطط .
الدولة وأنصار الشريعة .. حرب الرسائل ..!!
على العكس تماما مما حاولت وسائل الإعلام الرسمي التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين (والتي سبق للرئيس هادي وصفها بالإعلام المنفلت) تصوير لقاء هادي بالزنداني ومعه عدد من علماء الإصلاح وإضفاء طابع حميمي على مجرياته ، وربطا بما كنا قد سقناه عن حيثيات وتوجهات المرحلة والصدام الحتمي بين "مشروعين" لا يمكن معها الحديث عن أي إمكانية للتلاقي والتقاطع في التوجهات والمسارات .
وبالتدقيق في توقيت اللقاء الذي جاء في ظل الحرب المفتوحة التي تخوضها المؤسسة العسكرية بمساندة شعبية ضد معاقل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به من "أنصار الشريعة" في محافظات (أبين ولحج وشبوة وحضرموت ومأرب) كتعبير عن صدق التوجهات وتوافر الإرادة السياسية في محاربة العناصر الضالة من تنظيم القاعدة واجتثاثها وبما يحفظ أمن اليمن واستقراره ومصالح الإقليم والعالم .. وهي الإرادة التي عبر عنها الرئيس هادي في رسائله التي وجهها للخارج والداخل في أكثر من مناسبة منذ تسلمه موقعه كـ "رئيس للجمهورية" بأن الحرب مع الإرهاب لا هوادة فيها ولا مصالحة وتشديده أنه لا حوار مع عناصر تنظيم القاعدة والتزامه بتطهير كامل التراب اليمني منها، وكذلك كونه "أي اللقاء" جاء بعد أيام قليلة من عملية الاعتداء الغادرة التي نفذتها قوى الإرهاب والتطرف على سرايا أمنية كانت تؤدي البروفات الختامية للعرض العسكري بـ(ميدان السبعين) والذي راح ضحيته المئات من أفراد الأمن بين شهيد وجريح في رسالة عنيفة أخرى وجهها تنظيم القاعدة في مسعى لإجهاض مسار الحسم العسكري ودفع قيادة الدولة والجيش والأمن لمراجعة تكلفة هذه الحرب وثمنها ودراسة خيارات المواجهة مع هذا التنظيم الإرهابي بما يمنحه فرصة لإعادة التقاط الأنفاس وترتيب الصفوف والاستعادة لجولة جديدة من المواجهة لن تكون محصورة في ميدان السبعين هذه المرة .
وبالنظر كذلك لطبيعة ذلك اللقاء وما دار فيه من نقاش بين الطرفين نشرت بعض تفاصيله وسائل الإعلام وحمله الجزء الآخر بيانات جرى تداولها بعد اللقاء وضمنت (رسائل متبادلة) وجهها كل طرف للآخر فوق وبين السطور ، فإنه لا يمكن بأي حال اعتبار ما حدث من لقاء رئاسي برجال دين تثار حولهم شبه وتهم صريحة بـ(الإرهاب) على الصعيد "المحلي والإقليمي والدولي" .. تعبيراً عن حميمية سياسية أو مؤشرات عن تحالف ما قادم يعيد إنتاج ما يجمع كل الأطراف على تغييره .
فالرئيس "هادي" لم يأتي من صفوف المعارضة السياسية ولم يكن معارضا في الخارج وهو الرجل الثاني في النظام لما يقارب العقدين من الزمان ويدرك جيدا تفاصيل اللعبة وأطرافها وما يجب عليه اتخاذه بحكم المرحلة والحسابات الداخلية والخارجية "المعقدة".
الرئيس هادي والزنداني .. لقاء المكاشفة ..!!
ما يؤكد ما سقناه من حديث حول لقاء للمكاشفة وفرصة أخيرة منحها الرئيس هادي للتيار المتشدد داخل الإصلاح لا تؤكده فقط حيثيات الكلمة التي ألقاها المشير عبدربه منصور هادي والتي كانت بحسب -مراقبين- بمثابة محاكمة لرجل الدين الزنداني والتيار المحسوب عليه داخل الإصلاح عن دوره خلال الأزمة وتحركات العناصر المحسوبة عليه حتى اللحظة .
فالخبر الذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" تحدث عن: (استقبال رئيس الجمهورية لعدد كبير من علماء الدين يتقدمهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني الذين توافدوا إلى منزله)، وهو ما يعني أن الرئيس هادي أصر على التأكيد أنه لم يستقبل الزنداني ومن معه من رجال دين باعتبارهم كما يحلوا للتجمع اليمني للإصلاح وصفهم (هيئة علماء اليمن) بما في ذلك من تجاوز لحقيقة تنوع الطيف الإسلامي في البلد ، كما انه حرص على استقبال "علماء الدين" في منزله ليزيل عن اللقاء الطابع الرسمي الذي يدعم فكرة (الحميمية) التي أراد الإخوان التأصيل لها بنشر صورة يبدو أن الزنداني أصر على التقاطها على بوابة صالة الاجتماعات مع رئيس الجمهورية .
في كلمته باللقاء ابتعد الرئيس هادي عن المقدمات ليلج في صلب الأزمة اليمنية والخطر الذي يتهدد حياة الناس ومصالحهم وحياتهم المعيشية بل وأرواحهم من خلال استمرارية الاعتداء على خطوط الكهرباء والاعتداء على أنابيب النفط والخسائر الفادحة التي تتكبدها البلاد بسبب هذه الاعتداءات وتقدر بمليارات الدولارات ، كما ضرب عدة أمثال في قطع الطرقات وتهريب السلاح والقتل المجاني بطرق إجرامية وتساءل عن موقف الشرع والعلماء من كل هذه الجرائم.
كما لم يفت فخامته التأكيد في اللقاء "وهو التأكيد الذي يكتسب دلالاته من طبيعة اللقاء" على إصراره المضي في تهيئة الأجواء لانعقاد المؤتمر الوطني "الشامل" وصولا لإقامة الدولة المدنية "الحديثة" المرتكزة على العدل والحرية والمساواة ، وتطرق إلى الأنشطة الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة وآخرها التفجير الإجرامي في (ميدان السبعين) ، وكذا مجريات الأحداث في مناطق (زنجبار وجعار ولودر) بمحافظة أبين.
مطالب "تنظيم القاعدة" .. في برقية "علماء الإخوان" ..!!
بعد ساعات من لقاء علماء (الإخوان المسلمين) بالرئيس هادي كانت مواقع تابعة للتجمع اليمني للإصلاح تنشر ما قالت انه : (بيان هيئة علماء اليمن حول مختلف الأحداث والقضايا على الساحة اليمنية عقب لقاءهم اليوم برئيس الجمهورية) .
البيان الذي حمل بحسب مراقبين كل مطالب جماعة "أنصار الشريعة" المرتبطة بتنظيم القاعدة في اليمن للدولة والتي طرحها التنظيم في تسجيل مصور بث على مواقع الإنترنت لأميره في ولاية ذي قار "محافظة أبين" .. أكد أيضا عدم تسليم رجل الدين "المتطرف" عبدالمجيد الزنداني بفكرة الدولة المدنية "الحديثة" التي سيفضي إليها بالضرورة مؤتمر الحوار الوطني "الشامل" ، وسعيه لتكريس سلطة الدين "الحزب" على الدولة .. والتكريس لفكرة الدولة الحارسة للدين "الذي يختزله الزنداني في جماعته وحزبه" .
البيان الذي ضم 12 بندا أدرجها الزنداني تحت باب النصح لولاة الأمر تبني صراحة في العديد من نقاطه وجهة نظر تنظيم القاعدة حيال الكثير من القضايا .. مدينا ما أسماه (التدخل الأجنبي في الحرب على الإرهاب).. ونشاط بعض الجمعيات والمنظمات الدولية التي وصفها البيان بـ "المشبوهة" .. ونفي تهمة (الإرهاب) عن بعض الجماعات الإسلامية ، واصفا ما يحدث في أبين بـ "الصراع المسلح" ومحافظة أبين بـ "المنكوبة" ، وأقر فيها علماء الإصلاح بتلقيهم رسالة من عناصر أنصار الشريعة دعوهم فيها لما قالوا إنه "إيقاف نزيف الدم وإزهاق الأرواح ومنع تدمير البنية الاقتصادية "، عارضين في هذا السياق : فكرة تشكيل لجنة مشتركة من العلماء وسياسي الدولة وشيوخ القبائل للتواصل مع تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية "المرتبطة به" وصولاً إلى حقن الدماء واستقرار الأوضاع واستتباب الأمن ومنع ما اعتبروها (مبررات التدخل الأجنبي) ، طارحا بوضوح فكرة الحوار مع تنظيم القاعدة من خلال حديثة عن (فتح باب التحاور الوطني لجميع أبناء الشعب اليمني دون استثناء أحد تحت سقف الشريعة الإسلامية والدولة اليمنية الموحدة).
كما ضم البيان نقاطا أخرى خارج ملف (القاعدة) تنسف الخطوات التحضيرية لـ الحوار الوطني "الشامل" وتسد الباب أمام مشاركة عدد من ألوان الطيف الوطني بوضعها مسلمات ونهايات لذلك الحوار، وتؤكد كذلك الرغبة في تكريس سلطة رجال الدين (الزنداني وطلبته) على الدولة وفرض مشروع (الخلافة الإسلامية) على الدولة المدنية "الحديثة" ، عبر تكوين (مرجعية دينية) فوق الدستور والقانون وسلطات الدولة ومؤسساتها "التشريعية والتنفيذية والقضائية" تتولى النظر في تشريعات وقوانين الدولة ومدى ملائمتها للأحكام الشرعية ، والأهم من كل ذلك إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن وتعميق ولائها لله ولرسوله ولـ (المؤمنين) ثم للوطن "دون أن يفصل البيان فيمن هم المؤمنين الذين يعنيهم".
إلا أن أخطر ما في البيان هو تجاوز علماء (تجمع الإصلاح) لمجمل ما يدور في المشهد السياسي من تطورات تؤكد حالة العزلة السياسية التي يعيشونها عن الأحداث .. وتعاملهم مع أعلى رأس بالدولة بمنطق "التبعية" ، بحديث البيان عن تشكيل (علماء الإصلاح الذين يتقدمهم الزنداني) لـ (لجنة تواصل) من أربعة من علماء الإخوان بينهم "الذارحي والحزمي" للتواصل مع رئيس الجمهورية لمتابعة تنفيذ البنود 12 التي ضمها البيان ، على غرار اللجان (لجان التواصل) التي يشكلها فخامة رئيس الجمهورية للتواصل مع مختلف الأطراف غير الممثلة بالمبادرة الخليجية بهدف إشراكها في الحوار .
الحرب ضد تنظيم القاعدة (صراع الإرادات) .. والمساندة المطلوبة
مما سبق ، يتضح أن البلد باتت اليوم في مرحلة فارقة تكشفت فيها كل الأوراق .. والرسائل التي كانت تبعث مشفرة سابقا باتت تطرح بكل وضوح مما يسهل معه تحديد تموضع كل الأطراف والقوى من موضوع "التسوية السياسية" و"الحوار الوطني" ومشروع الدولة المدنية"الحديثة" التي بات تحقيقها ضريبة مستحقة عن كل ما عاناه اليمن من أزمات خلال الفترة الماضية وكذلك ملف "الحرب على الإرهاب" ، وفي مثل المرحلة الفارقة تحتدم الصراعات وتحدد التوجهات وتختبر الإرادات عن أي المسارات سنختار .. هل سنمضي قدما أم أننا سنتراجع خطوات للوراء لنقوض كل شيء .
فبيان رجل الدين "الزنداني" الذي أصدره بعد اللقاء أكد بوضوح وقوف الجناح المتشدد داخل الإصلاح بتحالفاته (السياسية والقبلية والعسكرية) المعروفة بقوة خلف إعاقة التسوية السياسية وسعيها إجهاض الحوار الوطني الشامل الذي تشارك فيه مختلف الأطراف السياسية وإصرارها على فرض رؤيتها لشكل الدولة "الخلافة الإسلامية" .. ووقوفها ضد توجهات القيادة السياسية بـ(الحرب على الإرهاب) ، وهو ما يعتبر اختباراً لجدية الدولة أولا في الوفاء بكل التزاماتها ومدى رضوخها لهذه الإملاءات والضغوط التي عبر عنها بيان علماء "تجمع الإصلاح" .. واختبار لكل القوى والأطراف السياسية والمنظمات المدنية الشريكة في العملية السياسية لإسناد الدولة ومؤازرتها سياسيا وشعبيا في هذه المرحلة ، واختبار كذلك للمواقف الدولية التي تتحدث علنا عن شراكتها مع اليمن ودعمه في حربه مع تنظيم القاعدة وانجاز عملية التحول السياسي وبناء الدولة "المدنية" الديمقراطية التي تكفل حقوق الأفراد ، ومدى السقف الذي يقف عنده ذلك الدعم في ظل هذه المستجدات الأخيرة والذي ينبغي معها أن يتجاوز ذلك الدعم أشكال التعبير اللفظي والتصريحات السياسية لاتخاذ مواقف أكثر حزما وقوة وصراحة حيال الأطراف التي تحاول تقويض كل ما تم تحقيقه.