المؤتمر نت -ريام محمد مخشف -
القات مشكلة تعيق تطور الكرة اليمنية وتهدد كيانها
باتت ظاهرة تعاطي نبات القات بين لاعبي كرة القدم في اليمن، مشكلة تؤرق الأندية ومسئولي الرياضة بالبلاد، بعد استفحالها بشكل مخيف في الآونة الأخيرة، بدرجة أصبحت تهدد كيان الكرة اليمنية ولاعبيها.
وبات القات في الوقت الحاضر الحاكم الفعلي للرياضة اليمنية، بعد أن أصبح أغلب الرياضيين أسرى لعادة مضغ وريقات القات الخضراء المضرة بصحة الإنسان والعدو الأول للمواهب الرياضية.
ويعد القات بالنسبة للرياضة في اليمن مشكلة على مستوى اللاعبين وإدارات الأندية على حد سواء، وأصبح الآن هم وقضية مركبة ليس على مستوى القاعدة فحسب ولكن بدرجة أكبر على مستوى المؤسسات الرياضية والاتحادات والأندية واللجنة ألاولمبية ووزارة الشباب والرياضة والمنتخبات وطنية.
ويرى كثير من المراقبين والمحليين الرياضيين باليمن إن ظاهرة تعاطي القات وانتشارها في أوساط الرياضيين ترجع أصلاً إلى كثير من العوامل منها عدم الشعور بالمسؤولية لدى كثير من اللاعبين خاصة لاعبي المنتخبات الوطنية، ثم العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحيط وتحاصر اللاعب بمجالس الأهل والأقارب والأصدقاء الذين يتعاطى أغلبهم القات ما يدعو الرياضي إلى خوض تجربة مضغ القات التي تصبح مع الوقت عادة ليست مسايرة للواقع، ناهيك عن الظروف الأخرى مثل إحباط اللاعب وشعوره بالخيبة الاجتماعية وعدم تحقيقه لأحلامه وطموحاته الرياضية أو الاجتماعية الأخرى.. معبرين عن استغرابهم بأن الكثير من الرياضيين بدلاً من أن يحترفوا لعب كرة القدم أو أي رياضة أخرى تجدهم يحترفون مضغ القات بامتياز ويعزفون عن الرياضة ويهجرون ملاعبها حبا وخضوعا لحلاوة "كيف" القات هذا البلاء الذي يعد السبب الرئيس لتخلف الكرة اليمنية وسبب تراجع كل الرياضات في اليمن.
فيما أشارت دراسة حديثة للباحثة نجاة محمد خليل الأكاديمية بجامعة صنعاء "حول اتجاهات الشباب اليمني.. نحو تناول القات)، إلى أن الغالبية العظمى ممن يمضغون القات هم من العاطلين عن العمل بنسبة 70% وحسب الواقع فإن أكثر من هذه النسبة في أوساط الرياضيين هم عاطلين أي بدون أعمال حقيقية يكسبون منها أرزاقهم، مع كون جميع الرياضيين في اليمن لا يمارسون الرياضة كمحترفين ولهم عوائد مالية بل يمارسونها كهواة ومحبين للرياضة.
وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الفئة العمرية من 18-24 هي الفئة الأكثر رغبة في مضغ القات من الفئة 25- وما فوق وفي عالم الرياضة وكرة القدم خاصة فإن الفئة العمرية الواقعة بين 18-24 هي الفئة العمرية التي يعتمد على نشاطها في عالم كرة القدم عالم المحترفين.
ويصنف القات في كثير من دول العالم بدرجة واحدة مع المخدرات وفي الرياضة مثله مثل المنشطات الممنوع تعاطيها للرياضيين، وأصبح الآن مشكلة معقدة وكابوس مخيف يواجه الرياضة والشباب اليمني وقضية تشغل بال المؤسسات الرياضية بالبلاد.
وينفق غالبية اليمنيين على شجرة القات ما يقارب اثنين مليار دولار سنوياً حسب إحصائيات رسمية.
في الماضي كان القات من المحرمات على الرياضيين ومن المستحيل دخول أعضائه إلى الأندية أو المؤسسات الرياضية، وإذا اكتشف أحد اللاعبين وهو يتعاطى القات حتى لو كان في بيته أو عند الأصدقاء فإنه يطرد من النادي ويحرم من اللعب مع فريقه والمنتخب الوطني .
ويعتبر المحللون والنقاد الرياضيون أن قليلين جداً هم نجوم كرة القدم والمنتخبات الوطنية في اليمن الذين يحرمون على أنفسهم مضغ وريقات القات وأغلب هؤلاء يختارون ذلك لقناعة ذاتية ومنهم من يستشعر مسؤوليته كنجم كروي وجماهيري يريد المحافظة على ألق نجوميته.
وهؤلاء النجوم معدودون ومعروفون على المستوى الشعبي والجماهيري في اليمن، وعلى الجانب الآخر هناك نجوم كثيرون وفي الفرق المحلية بالبطولة الرسمية الأولى بالبلاد اشتهروا بإدمانهم على مضغ القات.. ويشاهدون في أسواق بيعه خلال أيام المباريات الرسمية والغريب في الأمر أن أكثر هؤلاء ولعاً بالقات ومجاهرة بتعاطيه هم نجوم الفرق الأكثر شهرة وصاحبة البطولات المحلية مثل أهلي ووحدة صنعاء والتلال العدني.
لكن هؤلاء اللاعبين لا يستمرون طويلاً على نفس المستوى الذي عهدتهم الجماهير الرياضية عليه ولذلك فإن مستويات متقلبة في كل موسم ولا عزاء في وداعهم للملاعب في وقت مبكر.
وما زاد الطين بله وخلق نوع من الألم والحسرة لدى الجماهير والأوساط الرياضية والإعلامية اليمنية في الوقت الراهن تلك الفضيحة المدوية التي تكشفت خباياها أخيراً عندما ثبت أن أغلب لاعبي المنتخب اليمني للناشئين (الشباب) و (الكبار) حالياً والذي كان قد أوصل الكرة اليمنية إلى العالمية من أوسع أبوابها بتأهله لنهائيات كأس العالم للناشئين في أغسطس الماضي بفلندا،وصعوده إلى نهائيات كأس آسيا بماليزيا للشباب في سبتمبر القادم، وأن أغلب لاعبي هذا المنتخب المعجزة والفريد في كرة القدم باليمن يتعاطون القات وبشكل جماعي، وبعضهم مدمن لتعاطيه لدرجة عدم قدرته على ترك مضغة.. وقد فاحت فضيحة تعاطي لاعبي هذا المنتخب في الصحف وتداولاتها الأقلام على حياء ودون إيجاد علاج ناجع لهذه القضية الخطرة التي تغتال الرياضة اليمنية في مهد نشأتها ونموذج تطورها وصورة بهائها.
ويعتقد نجم الكرة اليمنية وقائد المنتخب الوطني الأول السابق ونادي التلال العدني خالد عفارة أن للقات آثار مستقبلية سلبية كبيرة على اللاعب الذي يفقد مستواه مع الأيام ولياقته البدنية والقوة والمهارة التي كان يتمتع بها لابد أن يفقد كل ذلك ما دام يتعاطى القات.
ويضيف نجم التلال العدني أنه لم يتذوق طعم القات في حياته إلا في حالات خاصة جداً.. ولكن كان هناك لاعبين يمضغون القات خلال حياتهم الكروية وتدهور مستواهم كثيراً.. بل أن بعضهم غير منحى حياتهم كلياً.. ويرى العفارة بأنه من الملاحظ الآن إن لاعبي المنتخبات الوطنية والأندية لا ينزلون إلى الملعب إلا بعد مضغ القات..
موضحاً أن لاعب الأمس كان لا يمضغ القات إلا نادر وأيام الخميس والجمعة فقط بينما نجد أن لاعب اليوم يمضغ القات قبل التمارين أو بعدها وأصبحت تلك العادة موضة يتباهى بها كل لاعب مع الأسف الشديد.
ويعتقد عفارة أن المسئولية مشتركة عن انتشار هذه الظاهرة بين لاعبي كرة القدم والرياضيين عموماً بين المدرب الذي يعتبر المسئول الأول وله الدور الأكبر في مراقبة لاعبيه ومنعهم من الإقدام نحو هذه الخطوة المدمرة خاصة وأن اللاعب اليمني لا يرتدع إلا بـ "الصميل" كما قال.
فيما دافع أمين السنيني مدرب منتخب اليمن على المدربين.. مؤكداً أن اللاعب رقيب نفسه وأن المدرب لا يمكن أن يراقبه طوال الوقت خاصة وأنه يحضر إلى النادي خلال فترات محدودة ومعظم وقته يقضيه خارج النادي.. مشيراً أنه من الصعب منع اللاعب من مضغ القات في ظل مجتمع كله يمضغ القات.
وأوضح السنيني أن المدرب والنادي لابد أن يتخذا قرارات تأديبية مناسبة في حق اللاعب الذي يتعاطى القات ويخالف اللوائح في ذلك خاصة وأن ضرر القات كبير على مستقبل كل الرياضيين.. ومن هذه العقوبات التي يطبقها هو شخصياً حرمان اللاعب من اللعب مع فريقه واستبداله بآخر مهما كانت نجوميته، إلا أنه نوه إلى أهمية الجلوس مع اللاعب وتدارس المشكلة معه والوصول إلى حلها .
ويعتقد السنيني أن أمثل الحلول لمنع اللاعبين من تعاطي القات هو استغلال كل أوقاتهم في الأشياء النافعة منها فتح الأندية على مدار الساعة وإيجاد البدائل الترفيهية والتعليمية المناسبة للشباب وهذه في الوقت الراهن غير متوفرة.
ومع بروز هذه الظاهرة واستشرائها في أوساط لاعبي القدم بالبلاد بشكل ملحوظ، تجد أن وزراء الشباب والرياضة الذين تولوا مقاليدها باليمن منذ تأسيس أول وزارة لم يعيروا مسألة مضغ القات بين الشباب والرياضيين أدنى اهتمام ولم نسمع أن أحدهم بادر على الأقل للحديث حول هذه الظاهرة المقيتة ان لم يكن جميع هؤلاء الوزراء هم أول من يمضغون القات ويحضرون مجالسة والبعض منهم لا يرى في القات مشكلة من الأساس، ومثل هؤلاء الوزراء ورؤساء الاتحادات الرياضية وكل رؤساء اتحاد الكرة الذين تعاقبوا على هذا المنصب منذ عقود كلهم مدمنون على تعاطي القات.
الدولة عاجزة عن مكافحة القات
برغم من أن وزير الشباب والرياضة اليمني عبدالرحمن الأكوع قد أصدر أخيراً قراراً هو الأول من نوعه بمنع دخول حاملي السلاح وتعاطي القات في الملاعب والمنشآت الرياضية في البلاد.. إلا أن الوزير أعتبر في تصريحات سابقة "أن القات عنوان كبير لا يمكن التغلب عليه بسهولة على حد قوله".
وكانت الحكومة اليمنية عجزت في منع تعاطي القات بالمرافق الحكومية على الرغم من وجود قرار أصدره مجلس الوزراء اليمني بمنع مضغ القات داخل أماكن العمل والأندية والمرفقات الشبابية والمعسكرات وأقر أيضاً عقوبة تصل إلى حبس المخالف لمدة سنة مع دفع غرامة مالية.. لكن في الواقع العملي لم يفعل هذا القرار سوى أيام معدودة واختفى، مما يشير إلى هيمنة أوراق القات على اليمنيين واستعصاء إيجاد حل لهذه الظاهرة القضية اليمنية الخالصة.
وما يدلل على ذلك ما قاله عبد القادر باجمال رئيس الوزراء اليمني في أول مؤتمر لبحث مشكلة القات في اليمن حيث قال حرفياً" إن الحكومة تعترف بأن هذه القضية لا يمكن معالجتها بالقرارات الإدارية البحتة لأن الظاهرة تحمل الكثير من المشكلات بمكوناتها المتعددة وذلك التشابك المعقد" وأضاف: (ان علينا أن نعترف بأن ظاهرة تعاطي القات تمثل تحدياً فكرياً وثقافياً ونفسيا واجتماعياً أمام الجيل الحاضر بمختلف شرائحه واتجاهاته) مؤكداً على ضرورة اتخاذ قرارات صارمة تمنع تعاطي القات في المؤسسات والمصالح الحكومية وفي الجامعات والمدارس..
القات الداعم الأول للرياضة في اليمن
وبرغم من أن القات ومساوئه وأضراره الفادحة على الرياضة اليمنية إلا أنه يعد الداعم الأول لها منذ ما يقارب عشر سنوات، خاصة بعد ما أنشأ صندوق رعاية النشء والشباب والرياضة التابع لوزارة الشباب والرياضة، ومهمته دعم البنى التحتية للرياضة اليمنية وتسيير نشاطها على مدى السنوات الماضية حيث يصل إيراده إلى قرابة ثلاثة مليار ريال أي ما يعادل ستة عشر مليون دولار سنوياً، لأن جميع إيرادات هذا الصندوق هي من نسب مقطوعة للضرائب المفروضة على عائدات القات والسجائر العدوان اللدودان للرياضة وللرياضيين وهو المنطق المخالف لمكافحة مضغ القات والتدخين بين الشباب والرياضيين، بل على العكس نجد أن زراعة القات انتشرت أضعاف ما كانت عليه قبل أقل من عقد من الزمن في جميع مناطق اليمن، وكذلك تزايد أعداد المدخنين خلال هذه الفترة وهي نفس الفترة منذ تأسيس صندوق رعاية النشء والشباب والرياضة في اليمن.
وخلاصة القول بأن اليمن لكي تتخلص من هذا الوباء الذي يفتك بكل شيء جميل تحتاج لعقود كثيرة من الزمان، ولا تبدو على السطح أي بوادر جادة للخلاص منه ولا أمل من إبعاد الشباب والرياضيين من شروره وآثاره السلبية عليهما وعلى الرياضة في المستقبل المنظور.