الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:59 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأربعاء, 19-مايو-2004
بقلم- عبدالباري طاهر -
المجتمع المدني والثورة في اليمن
المثير أن الزعامة الروحية الإمامية قد تماهت مع القبيلة وأصبحت المعبر الروحي والسياسي عن المصالح والاتجاهات القبائلية. فقد كان الإمام يدرس في صنعاء أو حوث أو صعدة. ولكن عند الدعوة للإمامة فلا بد من الخروج الي احدي القبائل القوية وقد يبيح لها المدينة اذا ما رفضت المدينة مبايعته.
وكانت صنعاء اكثر هذه المدن تعرضا للخراب والنهب والتقتيل ومأساة المدينة كرحم ولود للاتجاهات الحديثة والمجتمع المدني. ومركز لتراكم الثورة وولادة قوي جديدة وتطور سياسي. انها كانت دائما ضعيفة امام ريفها فصنعاء وصعدة وذمار ضعيفة جدا أمام القبائل المحيطة بها وأبها وجيزان والزيدية والحديدة وزبيد. وذمار ضعيفة أمام قبائل يام والزرانيق وبقية القبائل القوية. وكانت عدن وسيئون والمكلا هدفا لقبائل يافع والضالع والصبيحة. الذين يهجوهم الثعالبي هجاء مقذعا لإخلالهم بالأمن والسلام والاستقرار.
يلحظ الدكتور علي امليل اشكالية التجديد في الفكر الاسلامي والمجتمعات العربية. فقد ظل الاسلام والمفكرون الاسلاميون يرون ان الاسلام مكثف بذاته وان اي تجديد او اصلاح لا بد ان يتم داخل الفكر الاسلامي ذاته. وعندما طرح المفكرون التجديد بسؤال التأخر والتقدم كانوا مرة اخري يبحثون عن الاجابة من داخل الفكر الاسلامي إياه ويلاحظ ومعه حق ان التجديد الديني كان يأتي من الريف الي المدينة. فالتجديد الوهابي ثمرة للتحالف العصبوي بين النجديين آل سعود وآل الشيخ. ولم يأت التجديد من مدن الحجاز مكة، جدة والطائف والمدينة، وهي المدن التي كانت واعدة بالمؤسسات المدنية الحديثة ولها صلات وعلاقات مع المجتمعات الحضارية في مصر وبلاد الشام والعراق والعديد من دول العالم. وفيها بدايات للتفتح والحريات ومؤسسات المجتمع.
واستطاع ولي العهد احمد قهر المدينة صنعاء واستباحتها والقضاء علي التطور المدني والسياسي الذي بدأ في نهايات الاحتلال التركي. وكان ثمرة من ثمار التطورات الفكرية والسياسية والأدبية للحكمة اليمانية 1938. وللبعثات الدراسية الي العراق ومصر. والأهم تأثير النشاط الحزبي والدعوي والثقافي والصحافي في المستعمرة عدن. فقد كانت نهايات الحرب الكونية الثانية بداية ازدهار المجتمع المدني في عدن وحضرموت والمهاجر اليمانية في جنوب شرق آسيا. وشرق أفريقيا، وتضافرت روافد العمل الحزبي المؤتمر الشعبي الذي انشق فيما بعد الي الوطني الاتحادي: جرجرة والبيومي والحزب الدستوري آل لقمان والجمعية العدنية. ونشأة الحركة النقابية العمانية التي اتسع كمها ونوعها. خصوصا بعد تأميم قناة السويس وقيام المؤتمر العمالي والجبهة الوطنية الموحدة. واللافت ان المؤتمر العمالي والنقابات الست هي من أسس للحركة السياسية المكافحة من اجل الاستقلال.
لا يكفي القول ان الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر قد مثلت نقلة نوعية في نشاط المجتمع المدني. والكلام وان كان صحيحا بشكل عام. إلا اننا عندما نستبطن واقع المسار واتجاه الأحداث وما تمخض عنها نري ان الثورة 26 سبتمبر قد اسقطت حكم الكهنوت الحق الإلهي . ووضعت الطبقة الوسطي في مركز الحكم. ودمرت التحالف بين الثالوث الشرير السيد والقاضي والشيخ. ولكن القوي العسكرية الثائرة قد جوبهت بحرب الملكيين. وأدي الصدام المسلح الذي استمر اكثر من سبعة اعوام الي تقوية القوي القبلية والتقليدية الأحرار الذين استولوا علي مقاليد الحكم في الـ 5 من نوفمبر 67. وحققت المصالحة الوطنية 68 نهاية للحرب لكنها في الوقت نفسه قد اعادت الوحدة الي الزعامات القبلية التي هيمنت علي مفاصل الدولة لتعيق تطور المجتمع المدني بالسياسات القامعة. وقد أسهمت السنوات السبع من عمر الثورة في انقسام خطير في صف القوي القبلية والتقليدية. فقسم حمل السلاح وتمرد ضد الثورة.وقسم آخر وهم الغالبية قد وقفوا الي جانب الثورة والجمهورية. ولم يكن الانقسام من نصيب القوي التقليدية وحدها. فالطبقة الوسطي عماد الدين والثورة المجتمع المدني قد ولدت هي الأخري منقسمة بين شمال وجنوب وموزعة علي اتجاهات ايديولوجية وسياسية متناحرة حينا ومتحاورة في احيان اخري. وقد وقعت قوي الحداثة والتمدن في اليمن تحت اغراء الشرعية الثورية في فخ تغييب او تعليق مطالبها في حق التعدد السياسي والحزبي وحرية الرأي والتعبير والوجود المستقل.
والحقيقة ان التخلف المريع وضعف الطبقة الوسطي وما تركه الوجود المصري القومي المساند للثورة من الاثار اللاديمقراطية علي مسار التطور السياسي كلها قد أثرت عميقا في الحياة السياسية. وكانت انعكاسها علي تطور المجتمع المدني كبيرا فلم تكن المتوكلية اليمنية ثم الجمهورية العربية اليمنية التي تصل نسبة الأمية فيها الي 90%. لم تكن تعرف التقاليد المدنية والديمقراطية. فقد عرفت تعز منذ الخمسينيات وجود خلايا حزبية ووجود شبه سري للعمال والحركة النقابية بفضل وجود النقطة الرابعة الأمريكية. والبدء في شق طريق صنعاء تعز وكان النشاط التجاري ضعيفا ومحاصرا. وفي الحديدة نشأت جمعية التعاون الأهلي وكان النشاط السياسي والنقابي والجمعيات الأخري محرمة. وربما ان الهيئة الوحيدة التي أعلنت عن وجودها بعد الثورة هي نقابة العمال والتي ولدت هي الأخري منقسمة علي أسس ايديولوجية وسياسية شأن الحياة السياسية نفسها وغطي التخلف والشرعية الثورية عليها فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
كان الانقلاب في الـ 5 من نوفمبر في جوهره موجها ضد الشرعية الثورية والحكم العسكري ولكنه جاء بقوي مختلفة وكانت الزعامات القبلية في تحالف نوفمبر هي الأقوي ومع ذلك فإن الاتجاه الليبرالي الذي عبر عنه الأحرار الأرياني والنعمان الابن قد ترك بصمات واضحة علي الانفتاح السياسي والسماح الديمقراطي المحدود. وكان أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات البداية لتأسيس الاتجاهات الحزبية والسياسية والنقابية فقد تأسس الحزب الديمقراطي الثوري 1968. والناصري والعمل والطليعة الشعبية والاخوان المسلمون مطلع السبعينيات. كما تأسس الاتحاد العام لطلاب اليمن واتحاد الأدباء والكتاب. أما في الجنوب فإن عدن القابلة الأولي لولادة المجتمع المدني احزابا ونقابات وجمعيات وهيئات أدبية وخيرية منذ الاربعينيات. فقد ازدهرت هذه المؤسسات في الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات. وكانت الحركة النقابية العمالية في أواخر الاربعينيات ومطلع الخمسينيات هي اللبنة الأولي في التطورات السياسية اللاحقة. فقد تركت علامات مائزة علي نشأة الاحزاب السياسية وتطورها وضعفها رابطة ابناء الجنوب العربي 1950. والمؤتمر العمالي والجبهة الوطنية المتحدة 1954 والاتحاد اليمني والقوميين العرب 53. وحزب الشعب الاشتراكي، والاتحاد الشعبي الديمقراطي 1961. ومنظمة البعث 1956.

ورغم ان الحركة النقابية العمالية هي الرافد الأساسي للاتجاهات السياسية الحزبية فقد انشقت وتوزعت علي اتجاهين: البعث والقوميين العرب. وأدي الي نتائج كارثية لغياب الديمقراطية لتسيد الاتجاهات الشمولية والاستبدادية. فقد تحقق الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 67 بانتصار الكفاح المسلح الذي اسهمت فيه الحركة النقابية العمالية النقابات الست. والتي كان القوميون العرب يتمتعون فيها بنفوذ كبير. كما ان الكفاح المسلح قد ضم عناصر قبلية من الزعامات الريفية واسهم قطاع من الجيش والشرطة ومنظمات الريف في حرب التحرير وكان لافتا في الاستقلال زحف الريف الي المدينة.
نقلاً عن صحيفة الراية القطرية







أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر