المؤتمر نت -هشام شمسان - الوحدة وأربعة عشر عاماً من الثقافة هل كانت الوحدة؛ وهي تشق تراتيل انبعاثها، هل كانت مجرّد رهان نبيل قابل للتبعيد، أو التوثيق السياسي فحسب؟
هل كانت مجرد إزاحة لتعثرات تخومية بين وجوه، واتجاهات اصطلاحية مسماة: هي من افتراضات الثقافة الاستعمارية، أو التمدين السياسي لوهم الغلبة، وتجريدَّية المثال؟ كلاّ.. إذ ما بين التجرّد، والأيدلوجيا الاصطلاحية، كانت ثمة علاقة جدلية تحدّد سمتها بصمت؛ وهي ترتِّبُ لاكتشاف الفضاء القادم الذي يتآلف، ويتضامّ بمبعدٍ عن التسميات، والاصطلاحات، أو الإزاحات التخومية المادية.
فلم تكن الوحدة عندئذ هي ذلك الهاجس المجرَّد؛ والواقع بين الحقيقة، والاحتمال، أو بين التجريدية، والمثال، بل صارت تلك الفكرة المتأصلة، والمندغمة بالهاجس المتشاقي تصاعدياً.. تصاعدياً.
لقد أراد بها البعض تحقيق فكرة القرب، والتصور في سبيل مزيد من التضام، والتلاحم، وأراد بها المثقف _ إلى جانب ذلك_ التحصّن من رؤية ما لا يرغب من خلال محاولة استيعابه للتفتح القائم على التعدد الرؤيوي، والحضاري للاندماج في مسارات التكشف التراتبي للآتي من المستقبل، ممسكاً بأهم المفاتيح التي رادفت منجز الوحدة نحو مفاهيم: الحرية، والديمقراطية، والتبصّر الثقافي المباح؛ متماشجاً في كل ذلك جميعاً، بما جعل المثقف يلج فضاءً ذات واقع لا عهد له قبلاً، كان لا بُد فيه من توصيف رؤاه المشتتة، أو تلك التي تقعىسجينة الداخل؛ ثم عقلنة هذه الرؤى.
وسرعان ما استطاع أن يستجمع ذاتيته، وهو يرنو إلى فضوية رحبة من الأحلام التي رافقت هذه الشساعة البيضاء، حيث رأى المثقف في الوحدة معطفاً أشبه بمعطف
"جو جول" الذي منه خرج آلاف الكتاب؛ إذ في الوحدة انطلقت الألسن المسجونة:
- - أنني أستطيع أن أعبر كما ينبغي.
- إنني أكتب ما أشاء، وأُعرب عما أريده.
- أنني أحلم كيفما أشاء.
- ها قد كبرتُ – حقاً- وتناسلت أحلامي حين صرت أفكر في العلن.
هكذا وجد المثقف نفسه- في ظل منجز الوحدة؛ بما يجعلنا نقّرر: أن الوحدة، إنما كانت رديفاً للثقافة، لا ريب، وكانت سبيلاً وحدياً إلى انبعاث جيل جديد يحلم، ويفكر في العلن، وكان قبلاً مجرّد مشروع ضاوٍ، ظل شاحباً، وهزيلاً، في رؤى نومية يحاول أن يؤوّل بها الخفوت، والذواء، بذلك حقّ على المثقف أن يكون أول المدافعين عن ديمومة هذا المنجز، بما يمثله من رافد: حواسي، وتخيلي، وفكري؛ يتجاوز به حدود نشاطه المعتاد. وللحق أقول بأن ملفوظ" الوحدة" صار لدى المثقف، مثيراً شرطياً يحيله بدهياً على فسيفساء المجال الإبداعي بكل رحابة. مما يقرر الجدلية القائمة بين الثقافة، والوحدة،وما أوضح سطوع محاور هذه الجدلية، ونحن نورد بعض التساؤلات – كشاهد ابتدائي على هذه الجدلية التلازمية:
- كم هو عدد المؤسسات الثقافية التي كانت قائمة قبل الوحدة؟
- كم هو عدد الصحف، والمطبوعات الإبداعية التي كانت سائدة قبل الوحدة، ثم تلك التي تلت الوحدة؟
- كم عدد الإصدارات الثقافية، والأدبية التي تلت "الوحدة" مقارنة بـ (عشرين عاماً مضى)؟
- كم عدد المثقفين الذين يلجون إلى المعترك الإبداعي يومياً؟
- كم عدد البرامج الثقافية- التلفزيونية – قبل، وبعد "الوحدة"؟
- كم عدد الأدباء والمثقفين – مثلاً- الذين ظهروا منذ أربعة عشر سنة تحديداً، مقارنة بمن سبقهم؟
و الآن، وبعد أربعة عشرة سنة من الثقافة، والرهان الإبداعي النبيل،هاهي عاصمة الوحدة تتوج عاصمة للثقافة العربية..
فهل نكون قد رددنا جزءاً، أو بعض جزءٍ من جميل "الوحدة" الباذخ هذا؟...
|