المؤتمرنت- محسـن علـي الغشـم - مشروع (الشرق الأوسط الكبير ) .. واستنفار الأنظمة العربية لاشك من أن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لا يقل فساداً عن سابقيه من المشاريع التي طُرحت بمفهومها "السطح أوسطي" والمنظور "البوشاروني" الهادف إلى إحكام السيطرة على المنطقة العربية وإلغاء "العالم العربي" الذي لابد من مواجهته من خلال استعادة الإرادة العربية وتوحيد قِواها لدرء المخاطر الاستعمارية المحدقة بالمنطقة بالمزيد من الإصلاحات التي تخرج الأمة من مأزق الارتهان للغرب .. حيث تسعى إدارة بوش للحصول على تأييد المجتمع الدولي لتمرير مشروعها (الجديم) المسمى بـِ"الشرق الأوسط الكبير" .. وهو نسخة مكررة لما يُعرف بِروية العالم ومناطق النفوذ من زاوية الإتحاد الأوروبي والرؤية الاستعمارية في العصر البريطاني وما كان يعرف بالشرق الأدنى – الشرق أوسطي – المشرق العربي .. حيث ركزت كل هذه المشاريع على منطقة الخليج العربي والدوائر المحيطة بها .
الفرق بين كل هذه المشاريع والمشروع الأمريكي الجديد هو أن الأول أطلق يد الأنظمة العربية على شعوبها لاستعبادهم وإذلالهم ومصادرة حقوقهم بينما الثاني جاء بهدف إحلال الديمقراطية وتمكين الشعوب من إدارة نفسها بدلاً عن النظم الحاكمة الحالية التي شاخت وأصبحت غير قادرة على التعاطي مع المتطلبات الدولية الراهنة وإعادة تشكيل المنطقة وفق المعطيات التي تلبي الطموحات الغربية ، وعلى الرغم من أن المشروع الأمريكي يبدو في ظاهره الرحمة وباطنه العذاب فإن مشروعية التطلع إلى تحقيق التغيير ولو بحده الأدنى هو مطلب الشعب العربي برمته ولا يمكن أن ننظر إلى ما ستقدمه أنظمة فاسدة لشعوبها عن طريق ضغوطات خارجية لدول أكثر فساداً ، ومن هُنا يمكن أن نتخير موقعنا بين كل المتناقضات ، ولا يمكن التصديق بوجود رغبة حقيقية لدى الغرب لتحرير الشعوب العربية من القيود التي صنعوها بأنفسهم ، ومن غير المعقول أن تتحول نفس النخب التي ولدت المأزق العربي بكل أبعاده إلى نخب إصلاحية وديمقراطية لأن هذه النخب نفسها هي من تقول بعدم أهلية المجتمعات للتطور الديمقراطي ، وبهذا تسقط أهليتها للقيام بأي دور إصلاحي لأنها لو كانت جادة لبادرت إلى إصلاح نفسها منذ وقت مبكر ولأن القادة العرب لم يدركوا أبعاد ودلالات المقولة التاريخية للأخ الرئيس/ علي عبدالله صالح – رئيس الجمهورية الذي دعا الحكام العرب لإصلاح أنفسهم وحلق رؤوسهم قبل أن يحلقها الآخرون ، وليس كما يطرحه البعض بأنه بادر لتقديم التنازلات للإدارة الأمريكية قبل كل القادة العرب وهذا نوع من التبريرات الهادفة إلى إبقاء الوضع كما هو عليه لأن الرئيس لم يقدم أي تنازلات لا لإدارة بوش ولا لغيرها لأنه في الواقع أدرك حاجة شعبه للإصلاح لا حاجة الإدارة الأمريكية ، وبادر قبل الجميع إلى إصلاح البيت اليمني وإقامة دولة المؤسسات وإرساء قواعد الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة ...الخ ، وقدّر أهمية عدم إتاحة أي فرصة للتذرع من قِبل القوى للقوى الخارجية للتدخل في شؤون اليمن ، ولأن القادة العرب تعاملوا مع دعواته للإصلاح بقلوب حارة وعقول باردة وصمّوا آذانهم عن متطلبات الداخل فإن عليهم تقبل ما سيحدث لهم وترك شعوبهم تختار وتحدد مصيرها وحاجتها للإصلاح دون أي تدخل من قِبلهم .
إن الخطب الرنانة لم تعد تجدي في ظل غياب دور المجتمع وبروز مظاهر الخراب وعدم الاستقرار لهذا سنجد أغلب النظم الحاكمة تحاول - دون رفض صريح - أن تطبيق ما يجنبها المشاكل مع الولايات المتحدة إذ أن المسألة تتعلق بالنسبة لها في "السلطة" لأن نموذج "صدام" قد يتكرر بدرجات مختلفة بينما الأنظمة الحاكمة تحاول أن تربح قدراً من الوقت ظناً منها بأن المشروع الأمريكي قد يختفي مع احتمال نجاح المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولأن المشروع جاء من إدارة ذي سمعة سيئة فإن النخب الحاكمة تحاول التشكيك قدر المستطاع فيما تروج له هذه الإدارة ، لهذا فإن مشروع بوش وضعنا أمام خيارين إما الدفاع عن الأنظمة الحالية بدعوى الدفاع عن الوطن وإما ترك بوش يحتل الوطن وهما أمران أمر من بعضهما ، لأن الشعوب المسلوبة الإرادة لا يمكنها أن تظل على ولاءها المعهود .. كما تتصور بعض الأنظمة وتضن أن شعوبها تهيم بها حباً ، وأنها لن تتخلى عنها لأي سبب من الأسباب .
ولأن القراءة للمبادرة الأمريكية تمكننا من الوصول إلى ملاحظتين وهما الأولى: غطرسة الإدارة الأمريكية وإصرارها على القيام بدور الوصاية على مقدرات المنطقة ، والثانية: تتمثل في الفجوة الهائلة بين تصورات الإدارة الأمريكية وخبرائها وتقويمها المشاكل المنطقة وتعقيداتها ، وأن المشروع يهدف إلى القضاء على الإسلام وإلغاء النظام العربي والإسلامي .
من الملاحظ أن سيل المبادرات الغربية للإصلاحات بدءً بالمبادرة الأمريكية وثم الفرنسية – الألمانية فالدانماركية ومبادرة الشراكة الأمريكية-العربية التي أعلنا وزير الخارجية الأمريكي (باول) ومبادرة ريتشارد لوجار وما تلا ذلك من مبادرات ذاتية تقدمت بها بعض الدول العربية إلا أن ثمّة شكّاً في القدرة العربية بالوفاء !! ، كما أنه ليس من الممكن القول بأننا نعرف حاجتنا للإصلاح أكثر من غيرنا وأن نقول بأننا شرعنا فعلاً بالإصلاح بما يعطي معنى أنه ليس بالإمكان أن نجد أبدع مما كان .
بوش يريد أن يقودنا إلى الجنة بالسلاسل والأغلال ويرى أننا الوحيدون بحاجة للإصلاح والديمقراطية لهذا فإن رؤوس الأنظمة سيبذلون قصارى جهودهم ليروا المبادرة الأمريكية تتخبط بدماء الفشل ، كما أن المنطق الأمريكي يرى أننا مختلفون لأننا متخلفون !!، ولابد من تحريرنا .. شئنا أم أبينا ، وبالرغم من أن المبادرة الأمريكية جاءت لتبرير الفشل الأمريكي في المنطقة العربية ومبرر الهجوم الديمقراطي الكبير هو الإيحاء للأمريكيين في السنة الانتخابية أن مشكلة العراق وأفغانستان وفلسطين ليست سوى خربشات على سطح مشروع أمريكي أكثر طموحاً إلا أن النخب الحاكمة استنفرت طرح المشروع أكثر من استنفارهما لاحتلال العراق والسبب يرجع إلى الفجوة التي باعدت بين الحكام وشعوبهم وأن الحكام تجاهلوا أولوياتهم الوطنية وتناسوا حاجة شعوبهم للحرية والديمقراطية والحياة الكريمة .
أوروبا ليست بعيدة عن هذه المعمعة بل لها مصلحة إستراتيجية من نجاح "مشروع الشرق الأوسط الكبير" لأن المنطقة العربية في النهاية هي الحديقة الخلفية للإمبراطورية الأوروبية الناشئة وبدونها لن تكون دولة عظمى مكتملة النمو ، وعلى الرغم من أن الأوروبيون يشكون بأن هدف واشنطن هو احتلال الشرق الأوسط الكبير لا تحريره إلا أنهم ماضون في تنفيذ المشروع رغم ترددهم وتوجسهم ، والأمريكيون يعرفون ذلك ولكنهم يستمتعون بتعذيبهم إلى درجة يسهل تحريكم إلى حيث لا يرغبون .
ومن هُنا يتولد السؤال .. كيف ستتعامل الأنظمة العربية مع مشروع عالمي جديد بعد اجتماع الدول الثمان الأوروبية لمناقشته وإخراجه بصيغته النهائية وفي نفس الوقت ما ستتمخض عنه القمة العربية في الثاني والعشرين من مايو 2004م .. لأن أمام القادة العرب إما إنجاح مشروع (العالم العربي الكبير) أو تشييع جامعة الدول العربية إلى مثواها الأخير في آخر مؤتمراتها .. دعونا ننتظر .
|