المؤتمر نت -حاوره عارف ابو حاتم -
الناقد مرتاض: لنا نقاد وليس لنا نقد.. ونقادنا عالة على الغرب
انتقد الناقد المعروف عبدالملك مرتاض النقد الأكاديمي المعمول به في الجامعات، ووصفه بأنه (إما تقليدي جداً، أو غربي جداً) معتبراً أن الحل الأفضل للنقد هو المزواجة بين التراث والحداثة.
مشيراً إلى أنه من الصعب عليك أن تأتي إلى نظرية حداثة في الثقافة النقدية الغيبة دون أن يكون لها بذور في التراث العربي.
ووصف الدكتور مرتاض نظرية النقد الثقافي للناقد السعودي عبدالله الغذامي بأن فكرتها( في أساسها غربية) وقال بأنه يثمن (ماطرحه الدكتور الغذامي من منطق وجوب طرح الأفكار الجديدة).
وعن الأزمة التي يمر بها الأدب العربي قال الدكتور مرتاض بأنه (لا توجد أزمة في الكتابة، ولكن توجد أزمة في ترويج الكتاب، وأزمة القراءة).
نص الحوار:
ما حقيقة الخلاف بينك وبين الروائي الطاهر وطار؟
*لايوجد خلاف. حقيقة، هو خلاف شخصي بسيط، وليس أدبياً، وأنا أعتز بكتابات الطاهر، وطار، فقد حاول أن يطور الرواية الجزائرية، وأنا ألتقي معه في جملة من المبادئ، كالدفاع عن اللغة العربية في الجزائر، لكن اختلف معه في سلوكيات شخصية، فلكل واحد سبيل.
-كان الخلاف في بدايته أدبياً، بسبب دراسة كتبتها في مجلة العربي عن روايتي وطار "اللاز" و"الشمعة والدهاليز"؟
*أنا كتبت عنه –للعلم- كتاباً كاملاً يقع في 120 صفحة تقريباً والكتاب الآن نافذاً وعنوانه (عناصر التراث الشعبي في اللاز)، و(اللاز) لعبة شعبية في الجزائر، تشبه (الدومينو) إلى حد ما.
وفي هذا الكتاب حاولت تحليل عناصر التراث: الأمثال الشعبية، والمعتقدات وغيرها من العناصر المستخدمة في رواية "اللاز" و"اللاز" إحدى الروايات الناجحة التي انتشرت كثيراً بين الناس.
كنت في الكويت وطلب مني أحد مساعدي رئيس التحرير- لم أعد أذكر أسمه- أن أكتب عن رواية (الشمعة والدهاليز) وكان الأستاد الطاهر وطار حاضراً، فأهدى إليَّ الأستاذ "وطار" النص، وقرأته بعناية شديدة؛ بحيث كان يمكن أن أكتب عنه كتاباً كاملاً تحليلاً، لكن المقالة لا تستغرق أكثر من عدد معين من الكلمات، فحاولت –وأقرُّ بأني نزيه في هذا- وإلا ما المصلحة أن أقول كلاماً سيئاً في أديب، أو ناقد، نحن نحاول أن نتعامل مع الأفكار، ومع القيم، ثم إن التاريخ سيأتي يوماً، ويفضحنا إذا لم نكن نزهاء.
لقد حاولت أن أكون موضوعياً في رؤيتي لهذه الكتابة، ولاحظت أن كثيراً مما جاء في رواية "اللاز" تكرر في رواية (الشمعة والدهاليز) وانتصفت له أن هناك فعلاً بعض المواقف والمجازات في (الشمعة والدهاليز) ترقى إلى مستوى الرواية الجديدة، وفوجئت يوماً أن الأستاذ الطاهر، "وطار" يُكتب لي فاكساً، ويرسله إلى البيت، ويشمتنى شتم الأسواق. وعلى فكرة الشتمية أصبحت الآن دأباً مألوفاً. فقد كتب أو كذب، شخص مغربي يُقال له (إبراهيم. بو) بو.. أي شيء، لم أعد أذكره، لأني لم أقرأه، ولم أعرف اسمه في الأسماء التي علم الله آدم، شتمني، كان يُعلق-بالذات- على كتابي (في نظرية الرواية)، وأكيد أنه من موقع الحسد، لأن الكتاب طبع منه أربعين ألف نسخة، وانتشر في العالم العربي.
ورأى أن الروائي الجزائري المعروف الدكتور واسيني الأعرج وهو تلميذي وصديقي، واعتز بصداقته، له برنامج في التلفاز الجزائري، وسمع هذا الكاتب –كما يقول في مقالته المنشورة في جريدة القدس العربي- أن واسيني قال إنه رأى أن هذا الكتاب الآن مقرراً في عدة جامعات عربية، فقال ياعجباً لا بد أن أضع نقاطاً على الحروف، وأتكلم عن هذا الكتاب الذي صاحبه (جاهل وأمي) ويكرر هذه الكلمات مرراً، فأردت أن أرد عليه، لكن الدكتور عبدالعزيز المقالح قال لي: هذا ليس نقداً، هذه شتيمة، فهل ترد على شتيمة، فقررت ألا أرد عليه.
فعندما يبلغ الأمر أن كاتباً يشتم كاتباً آخر شتم الشوارع، أعتقد هنا يسقط التكليف، ويرفع القلم.
-ماهي رؤيتكم لتعدد مناهج النقد، ورؤاه في الساحة الأدبية العربية؟
*أولاً أنا صدر لي كتاب في الجزائر منذُ أكثر من سنة عنوانه (نظرية النقد) حاولت أن استعرض فيه كل النظريات النقدية، وحاولت أن أناقشها خصوصاً النظرية الاجتماعية، ونظرية التحليل النفسي. وكل نظرية يأتيها النقص- من بين يديها، ومن خلفها. فالبنيوية ترفض الإنسان. والاجتماعية، أو الواقعية، الاشتراكية ترفض التعامل مع اللغة، ومع الشكل الجميل للكتابة، وتعني بالمضمون فقط، بالنسبة لعلماء النفس يعدون كل أديبٍ مريضاً، من منطلق أن الاديب إذا كرر كلمة من الكمات يحاولون أن يعودوا طفولته الأولى، وأن يفسروا ذلك من خلال هذه الطفولة، وبذلك يرتد النقد الأدبي من قراءة للنص إلى مرض يعالج بجهاز كلينيكي، لقد حاولت أن أناقش جملة من القضايا العصرية، في هذا الكتاب.
أعتقد أني نشرت يوماً مقالة في صحيفة "الرياض" بعنوان (لنا نقاد وليس لنا نقد) فمشكلة النقاد العرب المعاصرين أن ما منهم وإلا ويلوك، النظرية النقدية الغريبة، لوكاً كأهلها، ولا داعي أن نذكر أسماء، فالقارئ يعرفها.
فنجد عدداً من النقاد العرب الكبار قد يزيدون عن أربعين، أو خمسين يعرفون النظريات الغربية معرفة دقيقة، ويعرفون حتى خلفياتها الفلسفية، لكنهم أفنوا أعمارهم- وأنا حزين لذلك- في الإلمام بهذه النظريات، وتردادها لزملائهم في الندوات، وطلابهم في الجامعات، لكنهم لم يفكروا قط في تأسيس نظريات نقدية على غرار النظريات نقدية الغربية.
هذه هي المشكلة العويصة التي يواجهها النقد العربي المعاصر الذي ظل عالة على النقد العالمي.
-ما تقييمكم للنقد الذي يدرس في الجامعات العربية؟
*النقد الذي يقدم في الجامعات إما تقليدي جداً، وإما غربي جداً،بمعنى ما يزال يكرس نظريات النقدية لعبد القاهر الجرحاني، وقدامى ابن جعفر وابن سلام الجمحي وابن قتيبة، هؤلاء الشيوخ والنقاد العظام الذين تعلمنا منهم كثيراً في النقد العربي القديم، ولا يكاد –أساتذة الجامعة- يجاوزو هذا النقد، فإذا جاءوا إلى الحداثة يرفضونها جملة وتفضيلاً، ويعدونها كفراً، وقشوراً، وشكلاً مرفوضاً هذا ضعفٌ من النقاد والأساتذة الجامعيين العرب.
وهناك جيل من الشباب خصوصاً، يكفر بكل هذه القيم، والجهود التي نهض بها هؤلاء العظماء: ابن قتيبة، وابن سلام، قدامي، الجاحظ، الجرجاني، القرطاجني، ابن رشيق يكفرون بكل هذه الأسماء، وأكاد أشك بأنهم لم يطلعوا عليها، ولم يقرؤوها، وينطلقون من الزمن المعاصر، فيأتون بنظريات غريبة، يعني يقتطعونها بالشفرة، وبالسيف، ثم يحاولون لصقها بالنص العربي، ويأتون بنظريات ميكانيكية وبأشكال وطلامس لم يفهما أحد، وأكاد أقول أنهم أيضاً لا يفهمونها.
نحن حاولنا خصوصاً عندما كنت رئيس تحرير مجلة (تجليات الحداثة) وهي مجلة أسسناها مع مجموعة من الزملاء في جامعة وهران. حاولنا أن نزاوج بين التراث والحداثة، على أساس أن التراث العربي الإسلامي تراث كبير، وغني جداً، فمن الصعب عليك أن تأتي إلى نظرية حداثة في الثقافة النقدية، الغريبة، ولا تجد لها بذوراً- على الأقل- في التراث العربي، ابتداءً من السيميائية، والنظرية التوزيعية لتشومسكي، والبنيوية نفسها؛ حيث أن (الموسوعة العالمية) تذهب في مادة النقد إلى أن ابن قتيبة هو أول من أسس النزعة البنيوية في تاريخ النقد العالمي.. تصور.
وكان ذلك قبل اثنى عشر قرناً. فإذا كان الغربيون أنفسهم يقرُّون بعظمة التراث العربي الإسلامي، فإني أرى من العقوق ومن الجهل ومن الغبن أننا ننبذ هذه النظريات، ونأتي إلى النظريات الغربية الجاهزة، ومحاولتنا تطبيقها على النص العربي، هذا هو واقع النقد العربي المعاصر في زمننا هذا.
-على ذكر النقد ونظرياته كيف تعاملت مع نظرية الناقد عبدالله الغذامي التي يدعوا فيها إلى النقد الأخلاقي والثقافي بدلاً من النقد البلاغي، فهو مثلاً يرى في المتنبي شحاذاً عظيماً، وليس شاعراً عظيماً؟!
-وهل في حكم ناقد على المتنبي بأنه شحاذ عظيم سيغير من سيرة الأمر شيئاً؟
*المتنبي هو أكبر شاعر في العربية على الإطلاق، وأحد أكبر شعراء العالم، فإذا كان امرؤ القيس أمير الشعراء، فلأنه كان المبتدأ، على الرغم إننا نعتقد أن امرؤ القيس لم يكن إلا متناصاً مع قصائد شعرية قديمة أبلاها الزمن، ولم تصل إلينا، وذلك حين يقول:
عوجاً على الطلل المحيل لعلنا نبكي الديار كما بكي ابن حذام.
الدكتور عبدالله الغذامي هو صديق حميم وأعتز بصداقته، وهو ألمعى، ومن أذكى، وأكبر النقاد العرب المعاصرين، وأقر له بذلك دون عقده. والتقينا منذ خمس سنين في تونس، وجلسنا طويلاً في مقهى أفريقيا في شارع الحبيب بورقيبة، وتناقشا في أمر النقد العربي، وانتهينا إلى شبه اتفاق بأن نتحول عن المسار النقدي التقليدي (العناية بالنص فقط: الروائي والشعري والقصصي) ونحاول أن نلامس قضايا ذات علاقة بالفكر، بمعناه الواسع، لكن الدكتور عبدالله الغذامي طالعني بكتابه (النقد الثقافي) وقد كتبت عنه مقالة نشرت في صحيفة "الرياض" ثم في الكتاب التكريمي الذي صدر عنه.
أنا أصدرت أخيراً كتاب (الإسلام والقضايا المعاصرة، وحاولت أيضاً الخروج عما ألف القراء أن يقرأونني، فتحدثت عن جملة من القضايا الفكرية، ذات العلاقة بالإسلام، مثل نظام الشورى، أو الديمقراطية، والإسلام، حقوق الإنسان في الإسلام، حركات التجديد والنهضة في الإسلام.
المهم أن الصديق الدكتور عبدالله الغذامي حين يتحدث عن النقد الثقافي فأنا أحترم رأيه، ولست مرغماً على أن أعمل برأيه.
-هل ترى في ذلك نوعاً من الانقلاب على الذات؟! أم محاكاة لنظريات غريبة حداثية (الصياغة).
*الدكتور الغذامي أتى بمجازات واستشهادات كثيرة من عدة كُتَّاب إنجليز، وذلك يعني أن الفكرة في أساسها غربية، وهذه مشكلة، والمفروض عندما تؤسس نظرية يجب أن نؤسسها ليس من العدم، لكن من الأصالة، ثم كيف يمكن أن يكون النقد ثقافياً، وكيف يمكن أن تكون الثقافية نقداً، فهناك مفاهيم معينة في العالم، وفي الموسوعات والكتب تدل على أشياء معينة، فيصبح النقد ثقافياً، بدلاً من أن يظل كما هو بمعنى: إننا نحاول أن نخرج النقد من جلده ومفهومه الجمالي والتحليلي واللغوي إلى نقد ثقافي عام، فهذه مسألة قد تكون جيدة، لكنها تحتاج إلى بلورة وتعميق، ونقاش.
أنا أؤمن بطرح الأفكار الجديدة، وأثمن ما طرحه الدكتور الغذامي من منطلق أنه يجب أن نطرح الأفكار الجديدة، من حين إلى حين،لعلها تضيف للثقافة العربية، والفكر العربي المعاصر.
-هل تعتقد بوجود أزمة في الأدب العربي؟
*لا توجد أزمة في الكتابة، ولكن توجد أزمة في ترويج الكتاب، وأزمة في القراءة، لاحظ أن عدد العرب يقترب الآن من ثلاثمائة مليون، ولاحظ أن الرواية الواحدة قد يطبع منها (500) نسخة فقط، ولا تنفذ إلا بعد سنوات.. وهذه كارثة أدبية، في حين أن آخر الكتاب الغربيين شهرة يطبع من روايته عشرة آلاف إلى عشرين ألف نسخة، وربما تباع في أسبوع واحد، أو في شهر واحد.
أقترح على وزارات الثقافة العرب أن يراعوا هذه المسألة، ويشجعوا على القراءة ابتداءً من الأسرة، مثل تأسيس جوائز ليس للذين يكتبون، ولكن للذين يقرأون ويحسنون القراءة.
كذلك العمل على تأسيس موادٍ للقراءة، الكتاب الآن يشكوا من مزاحمة وسائل الإعلام.