المؤتمرنت - نجاة علي -
صنعاء الفاتنة.. والتسعينيات العربية
ربما فتنت بها فعلا، مدينة صنعاء الجميلة، فرحت ابحث عن اوصاف تليق بها وبجمالها وبروعة معمارها الذي كنت اتأمله بين الحين والآخر وكأنني أتأمل لوحات جميلة ممتدة عبر المدينة كلها.
بالفعل كانت لحظة فرح حقيقية حين دعيت لهذا الملتقي الشعري الذي اقيمت فعالياته في صنعاء الجميلة تحت عنوان التسعينيون وآفاق الكتابة الشعرية ، ولم يكن هذا الشعور بالفرح يخصني وحدي، بل اظنني قد رأيته في عيون من سافروا معي من الشعراء من القاهرة. عزمي عبد الوهاب، جرجس شكري، زهرة يسري، فاطمة ناعوت، هدي حسين، كريم عبد السلام اذ ظللنا نتحدث معا طوال الطريق عن عنوانه الذي جاء رحبا وجريئا في الوقت نفسه، وانه يمثل سبقا علي مستوي الدول العربية التي عجزت معظم عواصمها عن تنظيم مهرجان شعري يخص الشباب وحدهم.
ربما لان معظم الذين يسيطرون علي سير الامور فيها كبار لا يعترفون في الغالب بالجيل الجديد من الشعراء او لا يقرأونهم اصلا.
وكما فتنت بصنعاء الحضارة، فتنت ايضا بأهلها الطيبين الذين لم يتركوا شيئا دون ان يفعلوه من اجلنا منذ وصولنا لارض صنعاء حتي جعلونا نشعر بأننا في بلادنا تماما، بداية من وزيرها خالد عبد الله الرويشان الذي ظننته مصريا ربما لانني لاحظت حبه الشديد للمصريين وارتباطه بهم ثم مرورا باللجنة التحضيرية للمهرجان (محمد حسين هيثم، هدي ابلان، علي المقري، محمد عبد الوهاب الشيباني، علوان الجيلاني، احمد الشلفي، محمد القعود، جميل مفرح، احمد السلامي، سعيد الشدادي، محمد حسين الشرفي) الذين تحملوا مشقة البحث عن عناويننا والاتصال بنا، ثم الحرص اثناء المؤتمر علي توفير كل وسائل الراحة والترحيب بنا طوال الوقت.
كانت ارض صنعاء بمثابة ارض الميعاد التي تحقق عليها حلم اللقاء، لقاء الشعراء الشباب العرب ببعضهم البعض.
وربما زاد من فرحتي هذه، تلك الحالة الثقافية التي تعيشها اليمن اذ تبدو حياة مليئة بالحراك والتنوع، ويكفي ان يلتقي المرء في صنعاء بالاستاذ عبد العزيز المقالح (اسطورة اليمن)، الذي كان حريصا بشدة علي حضور الامسيات وسماعنا باصغاء شديد دون ان تفارقه ابتسامته الهادئة.
هناك ايضا جيل جديد من الشعراء اليمنيين المثقفين، متميز ومتابع جيد لما يحدث في المشهد الثقافي العربي والعالمي. هذه المتابعة ـ كما لاحظت ـ مقرونة بوعي حاد، وبحس نقدي يفرق بين الجيد والرديء.
ربما كانت فرصة نادرة بالنسبة لي للقاء هذا العدد الكبير من شعراء التسعينيات الذين صاروا يمثلون بالفعل المتن الشعري في بلادهم. كنت فقط اقرأ دواوينهم او قصائدهم في الجرائد او في الدوريات دون ان اراهم او يحدث بيننا حوار يجعلني اكتشف الطريقة التي يفكرون بها في الشعر، او الوعي الجمالي الذي يكمن وراء تلك الكتابة الجديدة التي تموج بالتحولات الجمالية والمعرفية التي ربما لم تشهدها القصيدة العربية من قبل.
احسب انني تمنيت ان يتوقف الزمن قليلا ونحن نتحاور لساعات عن الشعر وعن الفن وعن الجياة بشكل عام، وكان ذلك يتم احيانا بين الندوات التي تقام في الملتقي او علي موائد الطعام او في جلساتنا ليلا في الفندق التي نعقدها ليسمع كلامنا الآخر.
ربما اكدت هذه الحوارات واللقاءات الطويلة مع العديد من شعراء التسعينيات واذكر منهم مثلا: ياسين عدنان و جمال بدومة ، ادريس علوش من المغرب، ايمان الابراهيم و بهية المارديني من سورية، و آمال موسي من تونس و جهاد هديب من فلسطين و سعد الجوير من الكويت و طالب المعمري من عمان، هناك ايضا لقمان ديركي من سورية و علي حبش من بغداد اللذان لم يكفا عن السخرية والضحك طوال الوقت. ولا يمكنني ان انسي بالطبع الشاعرين: قاسم حداد واسكندر حبش.
اما شعراء اليمن فقد استطاعوا الاستحواذ علي قلوبنا برقتهم وبروعة شعرهم وفنهم: هدي ابلان، نبيلة الزبير، نبيل سبيع، علي المقري، شوقي شفيق، وضاح اليمن وآخرون كثيرون.
توجد بالفعل مشتركات فعلية وارض واحدة تجمعنا نحن جيل التسعينيات سواء في طريقة التفكير او في تلك الهواجس التي يحيا بها كلامنا حول الكتابة والعالم.
واحسب قبل ذهابي لملتقي صنعاء اننا نجدف وحدنا في الفراغ لا يقرأنا سوي اصدقائنا الذين يحبوننا ولا ينتبه لوجودنا احد. فعدت من صنعاء اكثر ثقة في الشعر واكثر ايمانا فيما نكتب واقل اكتراثا بما يفعله النقاد الكبار الذين افسدوا كل شيء حتي الهواء الذي نتنفسه.
نقلاً عن : القدس العربي