المؤتمر نت -
14 عاما على إعادة الوحدة
لانها كانت الافاقة الوحيدة في غيبوبة الواقع العربي الخارج من القرن العشرين مفلسا ومنقسما على ذاته، فأنها تستحق في عيدها الرابع عشر أن تلقى تحية كريمة ليس من أبنائها وحسب وإنما من بقية أشقائهم الذين ينتظرون الفراغ، ويحدقون بعيون مشدودة إلى المجهول لعل ضواء جديدا يتدفق فيبعث في النفوس المرهقة الأمل في استرجاع صورة الوطن العربي كما كان عليه قبل الهجمة الاستعمارية التي تركته متخلفا ونجحت فقط في تمزيق أوصاله وإقامة السدود والحدود بين أبنائه، وإذا ما تحقق شيء من ذلك الحلم الضائع فإن الأمة التي تملك سجلا عظيما من الحضارات والثقافات ستكون قادرة على وضع حد لحالات العد التنازلي للضعف الذي بلغ منتهاه في العامين الآخرين بعد عودة الاحتلال المباشر وما يترتب عليه من هيمنة وإذلال وهوان وفقدان لابسط معاني السيادة.
في الأيام التي سبقت الثاني والعشرين من مايو، وهو اليوم الذي تحتفل فيه البلاد بذكرى ذلك الإنجاز الوطني الكبير استمعت إلى عدد من الأشقاء والأصدقاء وهم يتحدثون بتقدير كامل عن أبعاد هذه الخطوة الوحدوية ويقولون: لقد كان الله رحيما باليمن حيث تحققت وحدتها قبل الزلازل التي حدثت بعد قيامها بشهور قليلة، ولو لم تتم في تلك اللحظات السعيدة لكان من الصعب بل من المستحيل أن تتحقق في ظرف آخر نتيجة ما شاب العلاقات العربية- العربية من توترات وما أفرزته حرب الخليج الثانية من انقسامات وضغائن لكن رأيي دائما كان مناقضا لكل ما يقوله هؤلاء المحبون المشفقون وما يذهبون إليه من تحليلات تتعلق بالوحدة اليمنية التي كانت قدر اليمنيين ولم يكن في إمكان ظروف طارئة من أي نوع أن تؤجل هذا القدر أو تؤثر فيه، وربما كانت المستجدات التي أفرزتها حرب الخليج الثانية من أكبر عوامل التحريض على الوحدة بما خلقته من شعور شعبي عارم بأهمية التوحد والخروج من دوامة الصراعات المحلية.
لقد صار الأمر مختلفا عما كانت عليه الأوضاع العربية في السبعينيات والثمانينيات وزاد الوعي بأهمية الوحدة الوطنية وبأهمية الوحدة العربية حتى عند أشد المشككين فيها، وعملت الأحداث- من حيث لا يدري مثيروها- على إنضاج فكرة الوحدة في الساحة العربية وعلى النطاق الشعبي بخاصة، إذا صار الوعي بها لدى الجماهير أكثر مما هو عند المثقفين وقادة الأحزاب الذين يعانون من نكوص فكري شامل نتيجة اليأس والإحباط وهو ما لا يشعر به الشعب المتفائل بطبيعته والرافض لكل المخططات الهادفة إلى استمرار التجزئة وهذا الوعي الشعبي المتقدم يستدعي وعيا مماثلا في أوساط الطلائع السياسية وخروجا من قمقم الياس واجترار الماضي بكل سلبياته واحباطاته.
ومن هنا، فإن الوحدة اليمنية وهي وحدة إقليم كان موحدا شعبيا ومنقسما سياسيا ما كان ولن يكون في استطاعة الأحداث المستجدة والظروف المتلاحقة أن تغير من أمرها شيئا.
صحيح أن هناك قوى خارجية حاولت اللعب على التناقضات السياسية واستغلال طموح بعض الأفراد، لكن الرأي العام هو الغالب ولا قدرة لقوة – مهما كان نفوذها المادي- أن تغير من واقع ارتضاه الشعب ووافقت عليه الأغلبية باقتناع داخلي صادق.
يضاف إلى ذلك أن الدراسة المتأنية والموضوعية لتطور الواقع العربي الراهن تشير في سياقاتها العميقة إلى أن نظام القطب الواحد في طريقة إلى الزوال السريع وإلى أن المستقبل العالمي القريب في طريقة إلى أن يكون متعدد الأقطاب وأن النظام العربي القادم سيكون وفقا لما تحتمه الظروف- أحد الأقطاب القادمة ولن يترك قادة الأقطاب المتعددة القادمة لقطب أو قطبين الانفراد بالوطن العربي والتحكم في مصيره وثرواته، بل ستدفع قدما إلى مسانده هذا القطب العربي الذي سيرتفع إلى مستوى التحديات بعد أن أذل الغرباء روحة وأهانوا كبرياءه ووضعوه في مهب الرياح الأربع .
نقلا عن : الثورة