المؤتمر نت -
رسالة الي عرفات: نعم لقد أخطأت كثيرا لكن ليس إلي حد التنحي (بقلم /الكاتب فيصل جلول )
أخاطبك عبر القدس العربي بعد أن كثرت أصوات مطالبيك بالاستقالة. أعظم هذه الكثرة من الأجانب والأعداء الصهاينة واقلها المعلن من الناطقين بلسان العرب لكن برغبة الأجانب لغايات تعرفها ويعرفها المتابعون للصراع العربي ـ الإسرائيلي المديد. لا نراهن وأظنك لم تراهن يوما علي هذه الأصوات في معركتك ومعركة شعبك من أجل فلسطين. فقد عشت سنوات نضالك الطويلة في أجواء عربية رسمية ما كفت أبدا عن السعي إلي شدك نحو الأسفل وإلي وضع حد لثورة شعبك، التي اندلعت ضد إرادة العديد من الحكام العرب ومازالت مستمرة ضد رغبتهم. ولو قيض لأصواتهم من قبل أن تلقي صدي حسنا في أذنيك لكانت الدولة العبرية تنعم اليوم باحتلال هانيء ليس فقط لأراضي فلسطين كاملة وإنما أيضا لكل أراضي العرب التي احتلت في العام 1967. فعلي هامش ثورتك تحررت بعض الأراضي العربية وبواسطة ثورتك انتقلت منظمة التحرير إلي حيث هي اليوم في أرض فلسطين التاريخية تجابه وجها لوجه عدوها علي أرضها وتمتلك قرارها بنفسها لنفسها ولشعبها.
لا بأس من نقاش حجج مطالبيك بالاستقالة علما أنها لم تتغير منذ العام 1965 ويمكن تلخيصها بالجمل الموجزة التالية: لا تقاتل لأن القتال يضر القضية. رأسك مطلوب. إن تمكنوا منك تتضرر قضية شعبك. فاوض لأن المفاوضات أفضل لفلسطين من القتال. أصحاب القرار في إسرائيل والغرب لا يريدونك. اخدم قضيتك بالتنحي. كن ديموقراطيا وتخلي للآخرين ممن تعلموا للتو النطق بالإنكليزية فهم مقبولون أكثر منك في إسرائيل وامريكا. لقد أخطأت وما عليك إلا أن تنسحب بهدوء من المعركة وأن تسلم زمامها لمن هم أكثر أهلية منك.
تعرف أبا عمار ونعرف جميعا أن قضيتك باتت قيد التداول بواسطة القتال وأنها ستدخل طي النسيان ابتداء من اللحظة التي يتنحي فيها المقاتلون وأنت علي رأسهم. تعرف ونعرف جميعا أن رأسك كان مطلوبا منذ العام 1965 وحتي هذه اللحظة وان من وضع رأسك بين كتفيك يأخذه ساعة يشاء لا قبل ساعة ولا بعد ساعة. تعرف ونعرف أن أصحاب القرار في إسرائيل والغرب وفي معظم بلاطات العرب ما كانوا يوما يريدون فلسطينيا مقاتلا لا في القمة ولا في القاعدة. تعرف ونعرف أن فلسطين لم تصبح اقرب منالا إلا بالقتال وليس بالمفاوضات ويعرف أعداؤك كما نعرف جميعا أنهم ما تخلوا عن شيء البتة إلا غصبا وأن محتلا واحدا لم يتخل عن احتلاله عبر التاريخ إلا بالمقاومة والممانعة. عندما يدرك عدوك أنه عاجز عن كسر إرادة شعبك سيتراجع مع كل ترسانة أسلحته والنووي منها في الطليعة. وها هو يتراجع علي وقع المجازر الانتقامية في رفح والاغتيالات الوحشية في غزة تمهيدا لإخلاء القطاع كاملا وغدا سيتراجع عن الضفة وبعد غد عن القدس الشرقية وهكذا دواليك. نعرف أنك مازلت حيث أنت الآن لأنك عقدت رهانا علي أن تبقي إرادة شعبك قوية وأن تضعف إرادة المحتل وها هي تضعف. أما تكاثر الأصوات المطالبة باستقالتك فهي دليل بين أدلة كثيرة علي وهن يصيب عدوك فيسعي إلي حجبه بوحشية وغطرسة قياسية.
يريدك بوش أن تستقيل لأنك جعلت لقاء العقبة الرباعي بعد سقوط بغداد هباء منثورا. كيف تجرؤ علي تحدي إرادة سلطان العالم في العقبة!!؟ يستغرب في سرهم مترجمو إرادة رئيس القوة الأعظم إلي لغتنا العربية. ويريدك شارون أن تستقيل لألف سبب وسبب لكن الأهم بينها هو أنك مازلت حيا واقفا منتظرا استقبال نتائج إرادة شعبه المكسورة وبالتالي قطف ثمرة نضالك بيدك. لقد جعلته يبدو في نظر شعبه نمرا من ورق فإذا به ينــــاور من اجل تسليم نتائج إرادة شعبه المكسورة إلي شخصية فلسطينية ضئيلة يمكن أن تستقيل عبر الفاكس أو البريد الالكتروني عندما يطلب استقالتها أول عابر سبيل صهيوني أو غربي.
شهيدا.. شهيدا.. شهيدا سمعتك تردد علي مسامع من يرغب عبر قناة الجزيرة وبخاصة علي طالبي استقالتك لاسيما أولئك الذين يريدون عودتك مجددا إلي تونس. شهيدا في أرض الرباط بين شعب الجبارين هذا الجبل الذي لا تهزه الريح وأظنك لا تناور في قولك هذا وأتخيل انك وقعت وصيتك استعدادا للشهادة بحبر يعرف لونه الثابت قلة من المقربين منك. شهيدا.. و اللي ما عاجبه يشرب من بحر غزة . أكاد أجزم أنك لن تغادر أرض المقاطعة ذليلا فيسألك الشاعر بعد قرون:
لماذا تركت الحصان وحيدا؟ لقد رفعت سقف قضيتك عاليا حتي لا يجرؤ احد بعدك علي خفضه، فمن يمنعه عن السقوط من السماء إلي الأرض إذا بصمت علي مرسوم استقالتك؟
عندما تخاطب طالبي استقالتك بتصميمك علي الشهادة أظنك تريد لفت الانتباه إلي أن قادة حركات التحرر والزعماء الكبار في العالم ينتصرون أو يستشهدون ويلعنهم التاريخ عندما يستقيلون في ساحة المعركة. ألم يلعن التاريخ الماريشال بيتان بطل معركة فردان الشهيرة في الحرب العالمية الأولي عندما استقال من مواجهة النازية في الحرب العالمية الثانية؟ الم يلعن التاريخ بينوشيه لأن الليندي رفض الاستقالة، وصمم علي الموت دفاعا عن خياره التحرري؟ الم يلعن التاريخ المستعصم بالله العباسي، بعد أن استسلموا استجابة لإرادة هولاكو المغولي فذبح كما تذبح الخرفان؟، الم يلعن التاريخ كل ملوك الطوائف في الأندلس وبخاصة آخرهم عندما استقال وسلم مفاتيح مملكته إلي أعدائه؟ الن يلعن التاريخ أنور السادات لأنه، استقال في غرة المعركة وسلم زمام أمره لعدوه فكان كما يريد له عدوه أن يكون لا كما يريد له شعبه وأمته أن يكون؟ وهل كان نيلسون مانديلا حيث هو اليوم لو استقال استجابة لرغبة جلاديه؟
إن القضايا الكبري تنتصر بإصرار قادتها الكبار، تكبر بهم ويكبرون بها، وتصغر وتتضاءل عندما يصغرون ويتضاءلون... أي يستقيلون. أنت أبا عمار حيث أنت الآن لأنك تنطق باسم فلسطين و شعب الجبارين الصامد في أرض الرباط منتظرا حتي يعبر العابرون مع ... كلامهم العابر . هذه الحقيقة لا يدركها بعض الذين يعرفون تجاوزا بـ مؤرخي اللحظة وعذرهم أن صناعة التاريخ الحقيقي ليست مهنتهم فتراهم يخفون ويستخفون.
نعم أبا عمار لقد ارتكبت أخطاء بحجم جبل عمان في الأردن و جبل النار في بيروت وجبل قاسيون في دمشق وجبل نقم في صنعاء وجبال أخري في مصر والعراق والسعودية و تونس والرباط والجزائر.. لكنك ولله الحمد لم ترتكب الكبائر. نعم أبا عمار لقد ارتكبت أخطاء لكن ليس إلي حد التنحي. فهل يعقل أن تتنحي و ما النصر إلا صبر ساعة !!!