د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان -
الرئيس / علي عبدالله صالح.. القائد الفعلي للتغيير في اليمن (1-2)
من المفارقات أن الرئيس علي عبدالله صالح وصل لسدة الحكم في العام 1978م من أجل الحفاظ على اليمن وحقناً لدماء أبنائه في وقتٍ عصيب كان فيه كرسي الرئاسة معروض للجميع ومرفوض من الجميع ، وجاء تخليه عن السلطة طواعية مطلع العام 2012م أيضاً حفاظاً على اليمن وحقناً لدماء أبناءه وفي وقت عصيب أيضاً، وقد خاطب الرئيس السابق أبناءه الشباب منذ بداية الأزمة بأن اليمن غير تونس ومصر وليبيا وسوريا ، فسَخِر منه من سَخِر واعتبر ذلك أضغاث أحلام ومحاولة للتنصل من مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، ووافقه على هذا الطرح من وافق ، ثم دعاهم لتشكيل حزب أو أحزاب جديدة ليسلم السلطة لمن ولدوا وترعرعوا وكبروا ونمو في عهده ولم يعرفوا أو يشهدوا لوطنهم رئيساً غيره ، لكن كل ذلك لم يكن مجدياً ولا مؤثراً فيهم .
فلما وجد أن الأحزاب السياسية التي صارت تحمل تجاهه عداء شخصي قد التفت على طموحات الشباب وآمالهم وتطلعاتهم بغدٍ أفضل وقفزت على ظهورهم واستلبت إرادتهم وكممت أفواههم وقطعت ألسنتهم وصادرت حرياتهم ، وصارت تدير مواضع اعتصامهم وتصعِّد للمنصات التي وُجدت للتعبير عن الرأي من تشاء وتحجب عن تلك المنصات من تشاء ، لذا استلهم الرئيس / علي عبدالله صالح رغبة الشباب في التغيير فعمل على تحقيق مطالبهم ولكن بطريقة مخططة وممنهجة وديمقراطية ومن خلال انتخاب رئيس جديد للبلاد بتوافق وطني بين الأحزاب وكل أطياف المجتمع اليمني ، وهو ما عرضه وأعلن عنه الرئيس السابق في البدايات الأولى للأزمة ، فلما لم يجد استجابة أو آذاناً صاغية لما يعرضه لجأ للإشهاد الإقليمي والدولي على صدق نواياه فكانت المبادرة الخليجية التي تم رفضها قبل وأثناء وبعد التوقيع عليها من كل فرقاء العمل السياسي في اليمن ، واتخذوا ممن تبقى من الشباب في مواضع الاعتصام حُجَة وعصا غليظة للتهديد والابتزاز كلما سارت الأمور على غير ما يرغبون .
وعقب التوقيع على المبادرة الخليجية في المملكة العربية السعودية وعودة كل الأطراف السياسية الموقعة عليها إلى أرض الوطن تم تكليف الأستاذ/محمد سالم باسندوة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني ، وخلال الأيام التالية للتكليف تم تقسيم الحقائب الوزارية إلى قائمتين (أ) و (ب) لتختار أحزاب اللقاء المشترك إحدى القائمتين ثم تقوم باختيار وتسمية المرشحين لشغل تلك الحقائب .
ووقع اختيار تلك الأحزاب للقائمة التي تتضمن حقائب الإعلام والمالية والتربية والتعليم والداخلية والكهرباء والمياه ، وعقب صدور القرار الرئاسي – الذي أصدره نائب رئيس الجمهورية حينها – بتشكيل حكومة الوفاق الوطني وأداءها لليمين الدستورية أمام نائب الرئيس بدأت الحكومة بمباشرة مهامها وقدمت برنامجها لمجلس النواب ونالت بموجبه ثقة المجلس .
ومن اللافت أن الأحزاب المنضوية ضمن ما يسمى باللقاء المشترك قد اعترفت أخيراً بمشروعية مجلس النواب بعد أن ظلت لفترة من الزمن تطعن في مدى مشروعيته ودستورية وجوده .
وتمت الدعوة للتهيئة لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في الـ21 من فبراير 2012م بمرشح توافقي واحد هو وفق نصوص المبادرة الخليجية نائب رئيس الجمهورية، وحصل رئيس الجمهورية وأركان نظامه ممن عملوا معه طوال فترة حكمه لليمن على الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية وفقاً لقانون الحصانة الذي صادق عليه مجلس النواب بالإجماع وبحضور كامل لأعضاء المجلس من كل الأطياف السياسية الممثلة في البرلمان .
وهنا تستوقفنا مفارقة أخرى حيث أن ما تسمى بأحزاب اللقاء المشترك في الوقت الذي اعترفت فيه بمشروعية مجلس النواب حينما منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني التي تشارك فيه بنسبة 50% ، فإنها ومن زاوية أخرى مازالت حتى اللحظة تمول وتحرك المسيرات المتتالية بواسطة أياديها الخفية من خلف الستار لرفض قانون والمطالبة بإسقاط الحصانة فقط عن رئيس الجمهورية السابق ، في حين أن قانون الحصانة يعتبر مدخلاً ذكياً لمصالحة وطنية شاملة على امتداد التراب اليمني لأنه يشمل منح الحصانة لكافة المنتمين للأحزاب الموجودة على الساحة اليمنية والتي كانت بشكل أو بآخر جزءاً لا يتجزأ من النظام السابق وشاركته في الحكم طوال الـ33 عاماً الماضية وبصورة رسمية معلنة للعالمين ..
وبالتالي فإنها شريكة في كل المثالب والعثرات والاختلالات والتشوهات والتهم التي تحاول تلك الأحزاب إلصاقها بالنظام السابق وكأنها منها براء وهي إن صحت وثبتت شريك أصيل فيها .
وعقب منح مجلس النواب الثقة لحكومة الوفاق الوطني ، وموافقته على قانون الحصانة ، ظلت أنظار اليمنيين وقلوبهم وعقولهم وأفئدتهم وأرواحهم مصوبة نحو نشاط اللجنة العليا للانتخابات يحدوهم الأمل في نجاح أعمالها والوصول بالبلاد ليوم ال21 من فبراير 2012م ، تتقاذفهم التوجسات والهواجس والإشاعات بأن ذلك اليوم لن يأتي وأن الأطياف السياسية لن تسمح بحلول ذلك اليوم وستعمل على افتعال المشاكل والأزمات للحيلولة دون وصول اليمن لذلك الاستحقاق الانتخابي الديمقراطي ، ومنعاً لكل بواعث القلق وعدم الطمأنينة في أوساط المواطنين التواقين للخروج من عنق الزجاجة وطي ملف الأزمة التي كادت أن تعصف بالبلاد والعباد والتهمت الأخضر واليابس وأنهكت الاقتصاد بشكل غير مسبوق في التاريخ اليمني الحديث ، فَضَّل الرئيس / علي عبدالله صالح الغياب عن المشهد اليمني ، فغادر أرض الوطن في رحلة علاجية للولايات المتحدة الأمريكية وليمنع أي حجج أو ذرائع قد تستخدمها الأطراف الأخرى لإجهاض العملية الانتخابية .
ومن جديد وللإنصاف لابد من التذكير والإشارة إلى حقيقة بالغة الأهمية تتمثل في أنه لولا الخطابان اللذان تم بثهما عبر وسائل الإعلام الرسمية وتوجه من خلالهما الرئيس السابق لمواطنيه من مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية في الأسبوع الذي سبق التاريخ المحدد رسمياً لتحقيق هذا الاستحقاق الديموقراطي داعياً وحاثاً كل من له حق التصويت الانتخابي للمشاركة الإيجابية الفاعلة في إنجاح هذا العرس الديموقراطي ، لما تدافع المواطنون من كل حدب وصوب للإدلاء بأصواتهم كون ولي الأمر قد دعا لذلك وحث عليه ، وكأني بهم يلبون آخر أمنية للرئيس/علي عبدالله صالح قبل أن يغادر سدة الحكم .
ولابد من الوقوف على الجدل الفكري الذي صاحب انتظار اليمانيون لهذا الاستحقاق الديموقراطي ، فقد حاولت عناصر أحزاب اللقاء المشترك التشكيك في جدوى وأهمية العملية الانتخابية برُمتها طالما أن المرشح واحد ، وعلت بعض الأصوات والهمهمات التي تطالب بتوفير الأموال المنفقة لهذا الغرض ، متباكين على فداحة ما آل إليه الوضع الاقتصادي في اليمن وأن مشاريع التنمية أولى بتوجيه تلك الأموال صوبها ، وعلت بعض المطالبات الممجوجة والخبيثة بانتخاب الرئيس الجديد لليمن عبر مجلسي النواب والشورى في جلسة مشتركة لهما ، أو من خلال اتفاق كافة الأطياف السياسية باعتبارهم وفق تأصيل ديني مدروس هم أهل الحل والعقد ويمكن الاكتفاء باتفاقهم وتوافقهم على اختيار ذلك المرشح التوافقي المنصوص عليه صراحةً في المبادرة الخليجية المُزمنة ، وكل تلك الأطروحات الخبيثة والتي رددها وتغنى بها البعض ببراءة لم تكن سوى محاولة فاشلة لسلب الرئيس الجديد مشروعيته الشعبية الكاسحة المستمدة من كل أبناء اليمن على امتداد التراب الوطني من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب ، ولو كُتب لتلك الأطروحات النجاح لا قدر الله لكان رئيس الجمهورية القادم مستمداً لشرعيته من عدد محدود جداً من المواطنين يمتلكون طالما والحال كذلك حق نزعها منه وبكل بساطة في أي لحظة يرون فيها أنه لم يعد يخدم مصالحهم الخاصة التي أجمعوا عليه من أجلها .
-أكاديمي بجامعة صنعاء