بقلم /الدكتور عبد العزيز المقالح -
ومتي سيعتذرون عن اغتصاب العراق؟
كلهم في حالة اشمئزاز وتقزز مما حدث في سجون العراق الديمقراطية ، وكلهم تحت وطأة الصدمة غير المتوقعة يقدمون اعتذاراتهم عما حدث من تعذيب واغتصاب واحتقار للإنسان وامتهان غير مسبوق لكرامته. ولم يحدث الاشمئزاز والتقزز وتتجلي ملامح الصدمة الا بعد ان وصل استنكار العالم وخجله إلى درجة الانفجار.
بوش، ورامسفيلد، وبلير، وآخرون من زعماء الجريمة يشمئزون ويعتذرون، وليكن ذلك صحيحا، لكن متي سيعتذرون عن الفضيحة الأكبر عن اغتصاب العراق، واستباحة أرضه والعبث بكرامته واستقلاله ومحاولة تغيير هويته؟ وكيف سيكون الاعتذار؟ وما نوع التعويضات التي ستقدم لابناء هذا البلد الذي دمر الاحتلال كل ما أنجزه في قرن كامل من تقدم علمي وثقافي وصناعي ومعماري، ومن بني تحتية كانت نموذجا متقدما قياسا بما كانت عليه الأوضاع في الأقطار العربية الأخرى.
ولا جدال ـ علي الإطلاق ـ في أن الذين اقدموا علي اغتصاب العراق بكل ما في ترسا نتهم الثقيلة من أسلحة دمار مختلفة الأنواع والأشكال فأعادوه الي العصر الحجري، هم المسؤولون عن كل ما لحق ويلحق به من مخلفات ذلك العصر من انفلات وخصومات وثأرات وطمس للهوية الوطنية والقومية وعليهم وحدهم ـ أولئك الغزاة ـ تقع تبعة الفظائع البشعة التي حدثت وتحدث نتيجة وهم العظمة الذي تلبسهم، وقادهم ألى اغتصاب بلد مستقل بعد أن كانوا قد نجحوا في خنقه، وتدمير معنويات ابنائه بالحصار الجائر، والادعاءات الكاذبة التي صارت الان تشبه بكل الوضوح ادعاءات الذئب عي الحمل في تعكير صفو مياه النبع ليتمكن من الإجهاز عليه انطلاقا من قانون الغاب، وما يوصف به من وضاعة وانحطاط.
علي أصحاب وهم العظمة أن يتحملوا علي عاتقهم النصيب الأوفر من حصاد المأساة، وان يتحملوا ملف الفضائح بثقله وبشاعته وبكل ما كشف عنه من رذائل وسفالات غير مسبوقة في تاريخ الحروب والغزوات. وإذا كانوا يعتقدون ان الأوضاع في عراق ما قبل الاحتلال قد كانت مزرية وسيئة، فان المحايدين في العالم ـ وهم كثر ـ يرون، بل يعتقدون ان أوضاع العراق الآن صارت أسوأ مما كانت عليه قبل الاحتلال بما لا يقاس، بل يري بعض هؤلاء آن أوضاع العراق حتى بعد غزو المغول كانت اقل سوءا وكان المواطنون ـ يومئذ ـ اكثر تمسكا وشعورا بوحدتهم الوطنية مما هم عليه الآن. ومن حسن الحظ أن تتجلي الأمور ويتضح بأن الحديث عن إحلال الديمقراطية محل الديكتاتورية لم يكن سوي أكذوبة القرن الواحد والعشرين. وثبت في الواقع وفي الأذهان أن احتلال العراق لم يكن في حقيقة الأمر سوي ذريعة للاستيلاء علي ثرواته الطبيعية واستكمال السيطرة علي بترول العرب ضمن استراتيجية هادفة للسيطرة علي العالم والتحكم في احتياجاته من هذه المادة الضرورية للصناعة ولحياة الإنسان في كل مكان.
ويا له من مشهد شنيع لديمقراطية مخيفة ومرعبة، ديمقراطية الذئاب في الغابات أهون منها وارحم لانها تخلو ـ علي الأقل ـ من السفالة والاغتصاب، وكم كان علي حق ذلك الصديق الذي كتب يقول: لقد صار الرعب من الديمقراطية الأمريكية مبررا للقوي المختلفة للتخلص من بوادر الديمقراطية التي بدأ تطبيقها في بعض الأقطار العربية والإسلامية. واعداء هذا المبدأ صاروا بعد أن اكتشفوا الوجه الحقيقي لديمقراطية البيت الأبيض يحذرون وينذرون من هكذا ديمقراطية. وهو يذكر أن أحدهم قال له بانفعال: هل هذه هي الديمقراطية التي تريدون نقلها إلينا يا أولاد الـ... والحق ان الذي حدث كان إهانة للديمقراطية بمقدار ما كان إهانة للإنسان وللإنسانية، ولكل الشعارات التي كان علي الولايات المتحدة أن تبشر بها طوال قرنين من الزمن، ولما كانت تتباهي به من نهج قيمي يرعي حقوق الإنسان ويحترم عقله وجسده وحقه في الانتماء الروحي والأخلاقي والفكري.
تأملات شعرية:
يا أهل النجف الأشراف
يا أهل الفلوجة
الأمة تهديكم
ما في الأرض من الورد
وما في الشمس من الضوء
وما في الكلمات من الأقمار.
وتقول لكم:
بالدم يصلي الغائب والحاضر
والنصر لاصحاب الدار.
نقلاً عن القدس العربي