المؤتمرنت - جميل الجعدبي - الحـوار الوطني .. صناعة يمنية وثقافة شعبية في ساحات المؤتمر بالتئام طاولة الحوار الوطني الشامل أمس الاثنين في اليمن والتقاء أطراف الأزمة السياسية بعد عامين صاخبين بالتوترات يكون اليمنيون أعادوا الاعتبار مجدداً لـ"الحكمة اليمانية" وقدموا درساً حضارياً جديداً للعالم بكيفية حل خلافاتهم .. ويكون المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وأنصار الشرعية الدستورية والأمن والاستقرار والحوار، والتداول السلمي للسلطة، انتصروا مجدداً لوطنهم وخصومهم باحتكام أطراف الأزمة للغة الحوار بديلاً عن العنف، مثلما انتصروا بالأمس لصندوق الانتخابات ( 21 فبراير 2012م) كوسيلة حضارية لتحقيق التداول السلمي للسلطة.
ومنذ اللحظات الأولى لتفاقم الأزمة السياسية ونزوعها للعنف مطلع العام 2011م سارع المؤتمر الشعبي العام وقياداته السياسية إلى تقديم التنازلات والمبادرات الحوارية والفعاليات التي تُعلي من قيم الحوار والسلام والإخاء والاحتكام للشعب باعتباره مصدر السلطة ومالكها ، وعلى عكس مسميات جُمع أحزاب المشترك في شارع الستين ، جاءت مسميات جُمع ساحة ميدان السبعين تُعلي قيم الوفاء والإخاء والتسامح ، ومبادئ الوفاق والتصالح ، وتُعلي من شأن الحوار كوسيلة حضارية لحل الخلافات
جمعتان للحوار وثالثة للوفاق
وفي هذا السياق نظم المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه في الـ15 من إبريل 2011م (جمعة الحوار) وهي جمعة مليونية امتدت من ميدان التحرير إلى ميدان السبعين ، وجدد خلالها رئيس المؤتمر الدعوة لأحزاب اللقاء المشترك إلى أن يحكموا ضمائرهم ويتوجهوا الى الحوار للاتفاق على كلمة سواء من أجل أمن واستقرار الوطن .. وعزز المؤتمر الشعبي فعالياته الداعية للحوار في 30 سبتمبر من ذات العام بجمعة (الحوار والاحتكام إلى صناديق الانتخابات) وفي هذه الجمعة دعت الجماهير اليمنية مجددا أحزاب اللقاء المشترك إلى احترام إرادة الشعب المؤيد للشرعية الدستورية، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، واغتنام دعوات رئيس الجمهورية - حينها -المتكررة لحوار وطني شامل يخرج اليمن من أزمته الراهنة، وإنهاء الاعتصامات والكف عن أعمال العنف والفوضى وقطع الطرقات والاعتداء على الكهرباء، ووضع حدا للأعمال التخريبية والاعتداءات على المرافق والمنشآت العامة والخاصة.
وتبعت هذه الجمعة في نفس السياق جمعة (الوفاق الوطني) في الـ18 من نوفمبر 2011م قبل أيام من توقيع الأطراف السياسية على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في العاصمة السعودية الرياض، وتشكيل حكومة (الوفاق ) وذلك بعد شهور من المداولات والعمليات الحوارية بين قيادات المؤتمر والمشترك برعاية دولية.
مبادرات رئاسية لمغادرة السلطة
وخلال فبراير العام 2011م قدم رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام الزعيم علي عبدالله صالح حزمة إصلاحات كمبادرات مؤتمرية لمغادرة السلطة عبر صناديق الاقتراع والالتزام بالدستور والقانون، وتضمنت مبادرة رئيس المؤتمر لرأب الصدع وإصلاح ذات البين وإخماد الفتنة- تضمنت: عدد ثمان نقاط منها إيقاف الحملات الإعلامية والتهيئة لأجواء وإنجاح الحوار الوطني وسحب قانون الانتخابات ومشروع التعديلات الدستورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإجراء التعديلات الدستورية بالتوافق.
وخلال لقاءه يوم 28 فبراير 2011م بأصحاب الفضيلة العلماء خاطب رئيس الجمهورية السابق الداعين إلى السلطة قائلاً: "تعالوا إلى السلطة عبر القنوات الرسمية، والقنوات الشعبية.. تعالوا نتفاهم عبر الحوار، لكنهم يقولون نريد السلطة عن طريق الشارع.. انتهى وقت الحوار بحجة ارتباطهم بالشارع "
وفي ذروة الأزمة السياسية خلال النصف الأول من العام 2011م قدم المؤتمر الشعبي العام وقياداته السياسية العديد من المبادرات والدعوات للحوار الوطني ، ابرزها مبادرة (10) مارس حينما أعلن رئيس الجمهورية السابق الزعيم على عبدالله صالح مبادرة وطنية لتطوير النظام السياسي وإنجاح الحوار الوطني الشامل، تبعها في الـ(25) من ذات الشهر بدعوة الشباب في ساحة الجامعة لتشكيل حزب سياسي مبديا استعداده تسليم السلطة واشراكهم في الحكومة ، وفي مايو من ذات العام دعا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .
الحوار سلوك عملي ونظربات منهجية
ويعد الحوار منهجاً وسلوكاً وثقافة مؤتمرية بامتياز، فهذه الحقيقة الثالثة من حقائق "الميثاق الوطني" الدليل الفكري للمؤتمر الشعبي العام تؤكد أن الحوار الواعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق حياة أفضل للجميع، وأن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وأن محاولات أية فئة متعصبة للقضاء على الآخر ينأو إخضاعهم بالقوة قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله.
وتؤكد أدبيات المؤتمر الشعبي العام أن الاتفاق على القضايا الأساسية هو الوسيلة الوحيدة للتغلب على كل الظروف وأن العمل بالأسس الدستورية والالتزام بأساليب الحوار الواعي وتوفير المناخ الديمقراطي النزيه هو السبيل الوحيد لتجاوز التناقضات وترسيخ الوحدة الوطنية بمضمونها الديمقراطي المعبر عن إرادة الشعب.
وإذا كان المؤتمر الشعبي العام ولد في 24 أغسطس 1982م من رحم الحوار، وكان له شرف الريادة في خوض عمليات حوارية صادقة نحو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وبذل في سبيل ذلك جهود كبيرة مع شركائه في الحزب الاشتراكي اليمني عبر سنوات من المفاوضات والمراسلات والحوارات كللت بإعلان ميلاد الجمهورية اليمنية يوم 22 مايو 1990م ، ورغم مرور 31عاماً على ميلاد المؤتمر الشعبي العام وإقرار مبادئه في عقد اجتماعي عرف باسم "الميثاق الوطني" فإن اللافت اليوم ونحن على أبواب مؤتمر الحوار الوطني الشامل أن أصالة أسس ومبادئ المؤتمر ومضامين أدبياته وسلامة رؤاه وتصوراته للمستقبل لم تتأثر بتقادم الزمن، وما التفاف جميع أبناء الشعب والقوى السياسية حول الحوار اليوم إلا خير شاهد على ذلك.
فرسان الحوار في الصداره
ويدخل حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه مؤتمر الحوار الوطني بعدد112 عضوا بينهم 30 شخصية أكاديمية ، منهم 18 حاصلين على درجة الدكتوراه ، و13 حاصلين على درجة الماجستير ، بالإضافة إلى 52 شخصاً يحملون درجة البكالوريوس ، و14 شخصاً حاصلين على دبلوم ، و15 عضوا ثانوية عامة ، فيما يدخل التجمع اليمني للإصلاح بـ50 مقعداً، والحزب الاشتراكي اليمني بـ37 مقعداً، فيما حددت حصة ممثلي الحزب الناصري بـ30 مقعداً، وذلك من أصل 565عضوا وعضوة هم إجمالي المشاركين والمشاركات في مؤتمر الحوار الوطني الشامل والمقرر أن يتم خلاله إعادة صياغة الدستور، والاتفاق على قواعد لعبة جديدة من أجل الدخول في انتخابات عامة في فبراير من العام 2014م. وحسب مضامين المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية فسوف يقف مؤتمر الحوار الوطني أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وآمنه والنظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعدة. والإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.
تصدع المشترك وتماسك المؤتمر
والمفارقة الواضحة على سطح المشهد السياسي اليوم ، أن المؤتمر الشعبي العام الذي كان مستهدفا قبل عامين بالاجتثاث والتفكك والتمزيق يدخل اليوم مؤتمر الحوار الوطني كتلة موحدة ( التحالف الوطني- المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) كما حددتهم المبادرة الخليجية كأحد الطرفين ، في حين يدخل خصومه السياسيين ( المجلس الوطني -أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه) يدخلون مؤتمر الحوار فرادى وبدون ناطق لهم بعد موجة انقسامات وخلافات حادة وصلت ذروتها الى المواجهات المسلحة على خلفية تقاسم نسب التمثيل في مؤتمر الحوار وتقسيم مايمكن تسميتها غنائم الربيع العربي المفعم بالفوضى والركود الاقتصادي .
مرارة الاصلاح
ومع مطلع العام 2011م اهتز البنيان التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام باستقالة العشرات من كوادره وتعرضت مقراته في عموم المحافظات لـ 23 واقعة اعتداء وإحراق ونهب محتويات بما فيها مقرات تعليمية ومبان للصحف منها مقر فروع المؤتمر الشعبي العام بمحافظات تعز، البيضاء، أمانة العاصمة.. غير ان المفارقة الثانية تشير الى ان المؤتمر الشعبي العام يبدوا استرد عافيته تماما ، في حين يتجرع اكبر خصومه (الاصلاح) كأس شرعنة العنف وتبرير الفوضى وإحراق المقرات ويذوق مرارة تصدع بنيانه التنظيمي بتوالي استقالة عدد من ابرز كوادره وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية ، وانحسار حضوره الجماهيري الى ادنى مستوى له مقابل تمدد تيارات وقوى اخرى