بقلم :د.أحمد عبيد بن دغر الأمين العام المساعد للمؤتمر - - حينما تتقدم المواقف.. وتتغير القيم نقترب جميعاً من رؤى جديدة بشأن الدولة. أحزاب وقوى ومكونات، لدينا جميعاً الشعور واليقين بأن الدولة الحالية لم تعد قادرة على الصمود، كما أنها ليست الإطار المناسب للحفاظ علي الدولة الموحدة التي ننشدها.
في ظل الدعوات المتطرفة الداعية إلى فك الارتباط، والانفصال، فإن الفكر السياسي اليمني، والنخب الوطنية معنية بالبحث عن شكل ومضمون جديد للدولة اليمنية يستوعب معطيات الواقع، وآثار التاريخ، والثقافة السائدة.
الدولة التي رسمنا حـــدودها الدستورية، والقانونية في مايو العظيم تدعونا إلى إعمال الفكر، وإمعان النظر في المتغيرات التي ملأت حياتنا اضطـــراباً وحولت استقرارنا فوضى، وتكاد تعصف بما بقي لنا من سلم اجتماعي..
تغيـــــرت الكثيـــر من المواقـــــف، وسقطت الكثير من المسلمات، كل الأحـــزاب وكل القـــوى التي تجتمع اليوم تحت سقف مؤتمر الحــــــوار الوطني الشامل، تفكر بصـــــورة مختلفة. الأحداث والتطورات الأخيرة فرضت نمطاً جديداً مختلفاً في التفكير، والاتجاهات الفكرية والسياسية السائدة في الساحة الوطنية، أعادت النظر في حساباتها. وقدمت مشاريع جديدة لشكل ومحتوى الدولة. يخالف السائد في التفكير خلال السنوات بل والشهور القليلة الماضية، الكل مع الحوار يتغير والكل يحاول تأسيس رؤية تتفق وظروف واقعه، ونظرته إلى المستقبل.
المتحفظون وهم يخوضون في جدل وطني عميق نحو بناء الدولة، يجـــدون أنفسهـم محاصــرين أمام منطق الأحداث وقوة الحجة، يحاولون الهرب بصمت، أو بالمراوغة، أو بافتعال صخب عقيم مع مخالفيهم. لكنهم لا ينجحون، فيضطرون وعلى استحياء للحديث عن مستقبل من مواقع رؤيويه قديمة، يحاولون الاستعانة بالتاريخ والتراث لكنه لا يسعفهم كثيراً، فالتجربة الإنسانية في بناء الأوطان قد تجاوزت ابن خلدون والكواكبي، ولم تعد تقبل حتى بفلسفة الثورة لعبد الناصر.
في خضم هــذا الـجدل، تشق الأفكـار الجديدة، والمواقف التغييرية الملتزمة لمصالـح الـوطن العليا طريقها إلى صفوف المؤتمر الشعبي. عبد ربه منصور هادي- رئيس الجمهورية، الأمين العــام يتبنى أفكاراً تجديدية بصدد الدولة، يعلنها فيخوض المجتمع. والنخب نقاشاً عميقاً في مضامينها، ومراميها وأهدافها. وتتلقى قيادات وقواعد المؤتمر هذه الأفكار باهتمام.
الزعيم علي عبد الله صالح يقود مناقشات واسعة في صفوف المؤتمر للبحث في الرؤى المستقبلية وعلى نحو مختلف، يفاجئ المجتمع بنمط تفكيري جديد، وطني، وتقدمي. يطالب اللجنة العامة، وممثلي المؤتمر الشعبي العام في الحوار الوطني بتبني رؤية متقدمة، واضحة تقوم على شكل جديد للدولة قوي ومرن. دولة اتحادية، بأقاليم متعددة. ويدعوهم إلى تبني نظام سياسي برلماني، الأمر الذي سيغير كثيراً من شكل ومضمون الدولة، ويدعو إلى اعتماد النظام الانتخابي النسبي، حتى تتغير قواعد الممارسة الديمقراطية ويعاد صياغتها على نحو يتسم بالديمومة والبقاء وخدمة الهدف الأسمى.
موقف الزعيم هذا المنسجم مع موقف القائد الفذ عبدربه منصور هادي في المضامين، والأهداف، يعول الكثيرون عليه لإعادة الروح إلى الوحدة التنظيمية، والفكرية للمؤتمر الشعبي، وأهم من ذلك فإن اتفاق الزعيمين على رؤية وطنية فيها قدر كبير من التجديد يقرب المسافات ويختزل الزمن نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من صرح وحدة تكاد قواعدها تتآكل.. دولة تتقاذفها الرياح، وحلماً بحجم اليمن تسحقه الأحداث، وعنف الصراعات.
مواقف المتحاورين المؤتمريين في المجموعات التسع سوف تتغير من الآن فصاعداً، لديهم ضوءً أخضر فيما يتعلق برؤية المؤتمر الإستراتيجية نحو المستقبل، وقد يجدون أنفسهم مع كل القوى الوطنية التي اختلفوا معها في تفاصيل الحياة، ومسرح الأحداث في السنتين الماضين على خط بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية والحديثة.. بل سيجدون أنفسهم في الطليعة من هذه القوى، فالكل كان ولا يزال يعلق آمالاً كثيرة على مواقف المؤتمر الشعبي العام.. وها قد اقتربت مواقف المؤتمر من نقطة الوضوح، وتقدمت خطوات نحو المستقبل.
ترتفــع أصوات رافضة تثير لغطاً سياسياً، يتجاوز قيم الحوار، وأدب الاختلاف، تعارض الأقلية توجهــات المؤتمر، بل وتهاجــم قيادته، دون أن تحمل وجهة نظر يمكن أن تساهم في البنـاء الفكــــري والسياسي للتنظيم، تكتفي بالإساءة للزعيم علي عبدالله صالح وهي لا تدرك أنها إنما تحاول المستحيل. وتتنكر للمؤتمر الشعبي، دون أن تدرك أن خروجها على أدبياته ووثائقه ورؤاه إنما يعــــزز دوره ومكانته الوطنية والسياسية، وقد تكتشف في وقت ما خطأ موقفها، وأخشى أنها لن تجد الوقت للتصحيح.
*افتتاحية صحيفة الميثاق
|