عبده محمد الجندي -
لهذا نرفض تكرار الأخونة في اليمن
أخونة الدولة مصطلح سياسي ولد في جمهورية مصر العربية بعد تمكن الإخوان المسلمين من السيطرة المطلقة على جميع المؤسسات الدستورية لدولة عمرها سبعة آلاف سنة في لحظة غياب الحزب المنافس والقادر على إحراز قدر من النجاح يحفظ لهذه المؤسسات التشريعية والتنفيذية قدراً معقولاً من التوازن ومن المشاركة السياسية في السلطة، لأن الشباب وبقية الأحزاب الوطنية والقومية والاشتراكية والليبرالية الذين سرقت ثورتهم على حين غرة كانوا يفتقدون إلى ما يمتلكه الإخوان المسلمين من حركة سياسية وتنظيمية ودينية منظمة تمكنهم من الدخول في منافسات انتخابية فاعلة تملأ الفراغ الذي أعقب حل الحزب الوطني الحاكم والقادر على منافسة التنظيمات والحركات الإسلامية المنظمة مثل الإخوان المسلمين وغيرهم، كما أكدت على ذلك الانتخابات الرئاسية لولا ما حظي به الرئيس (مرسي) من ثقة أمريكية.
أقول ذلك وأقصد به أن الإخوان المسلمين قد أحكموا السيطرة الشمولية على الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى وتجاوز ذلك إلى ابتلاع المقاعد البرلمانية المخصصة للمستقلين بصورة استفزت الثوار الشباب والقوى المدنية الحديثة ودفعت الغيورين إلى الطعن أمام المحكمة الدستورية التي حكمت بعدم شرعية الانتخابات البرلمانية بصورة متزامنة مع نجاحهم في الانتخابات الرئاسية، ضاربين عرض الحائط بكل ما صدر عنهم من وعود وعهود تكتيكية خادعة بعدم السعي للحصول على الأغلبية البرلمانية وبعدم الدخول في الانتخابات الرئاسية وما تلى ذلك من سعي حثيث لأخونة الدولة وإحكام السيطرة على ما تبقى من مؤسسات قضائية وعسكرية تكونت عبر التاريخ، ناهيك عن الحركة النشطة للسيطرة على الحكومة، وعلى جميع الوزارات والهيئات التنفيذية التابعة لها، على نحو أفزع الشعب المصري ودفعه إلى مواجهة هذا الطوفان الفرعوني الذي يهدد بالسيطرة على الدولة المصرية وإعادة الأوضاع إلى ما قبل الثورة من الديكتاتورية الفرعونية المطلقة للشخص الواحد والحزب الواحد، ليصبح فيه المرشد العام للإخوان المسلمين هو الديكتاتور البديل للرئيس السابق، ويصبح فيه حزب الحرية والعدالة الاجتماعية هو البديل للحزب الوطني المنحل بشرعية ثورية تستمد قراراتها غير الديمقراطية من الدماء المقدسة للشهداء الذين قدموا حياتهم حطباً للدوامة العنيفة للثورة.
وهكذا أدرك الثوار فجأة أن ثورتهم قد سرقت وأنهم قدموا تضحياتهم رخيصة بلا ثمن، لتكون جسراً يعبر عليه الإخوان للفرعنة وفق ما أطلقوا عليه مصطلح (أخونة الدولة) وما سوف يترتب عليه من عواقب كارثية وخيمة، بوعي وبدون وعي، وبقصد وبدون قصد، لا سيما وأن الطنطاوي رئيس المجلس العسكري الذي انقلب على الرئيس السابق حسني مبارك وأجبره على الاستقالة رغما عن إرادته ،وتخلى عن واجبه في حمايته من المحاكمة وسلمه كما سلم السلطة في لحظة ضعف أو خيانة استناداً إلى الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الرئيس محمد مرسي ومنح نفسه فيه سلطات ديكتاتورية مطلقة أعدت خصيصاً لأخونة الجيش وأخونة السلطة القضائية، كان يجب على المجلس العسكري عدم القبول به أسوة بما قام به جيش التحرير في ثورة المليون شهيد الجزائر الذي حال في الدورة الثانية دون تمكين الحركة الإسلامية من الاستيلاء على الدولة لأن بداية الديمقراطية التعددية حسب ما صرح به رئيس الجبهة علي بالحاج في لحظة شعور بفرحة الانتصار وما نتج عنها من كشف المستور في كلمة صدق قال بأنها ستكون نهاية مؤكدة للديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، فكانت المحصلة لعدم استكمال الدورة الانتخابية الثانية بداية لحرب أهلية قضت على التطلعات الديكتاتورية الشمولية للحركة الإسلامية غير المؤمنة أصلاً بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان ،وذلك ما جعل البعض يشكك في عدم استقلالية الطنطاوي رئيس المجلس العسكري ورئيس أركانه الذي تنازل عن سلطات المجلس العسكري وعن حقه في التشريع طبقاً لما نص عليه الإعلان الدستوري السابق الذي توافقت القوى الثورية على قبوله حكماً في الدخول إلى الانتخابات الرئاسية.
وإذا كانت القوات المسلحة التونسية قد انقلبت على الرئيس بن علي ،فإن ما يحمد له الآن ما جاءت به الانتخابات التونسية في أعقاب نجاح الثورة لم تكن تشبه ما جاءت به الانتخابات المصرية بعد نجاح الثورة حيث جاءت للمجلس بأكثرية برلمانيه للإخوان ولم تأت بمجلس أغلبية ،فكان الاتفاق على رئيس جمهورية من خارج الإخوان وعلى حكومة ائتلافية برئاسة الإخوان الذين لم يتمكنوا من رفع شعار أخونة الدولة مثلها في ذلك مثل الانتخابات الليبية التي أعقبت ما سمي بالثورة الليبية حالت دون أخونة الدولة أو أخونة الدستور كما حدث في الثورة المصرية.
ورغم أن ما حدث في الجمهورية اليمنية لم يكن يشبه ما حدث في غيرها من بلدان الربيع العربي حيث تم حل الأزمة السياسية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة بالقبول بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقرارات مجلس الأمن الدولي بدعوة الرئيس المنتخب علي عبدالله صالح إلى انتخابات رئاسية مبكرة ،والتوافق على أن يكون نائبه عبدربه منصور هادي مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية ،وتشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة المعارضة بواقع نصف الحقائب للمشترك والنصف الآخر للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه، من خلال فترة انتقالية في عام 2014م بعقد مؤتمر الحوار ودستور يستفتى عليه.
أقول ذلك وأقصد به أن الإخوان المسلمين الذين قبلوا بمبدأ الشراكة في الحكم ووقعوا على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة إلاّ أنهم احتفظوا بما لديهم من الساحات والخطابات السياسية المطالبة بدماء الشهداء لفرض أجندتهم الحزبية ،والمضي قدماً في أخونة الدولة بصورة تتنافى مع أبجديات المبادرة وآليتها ومع القرارات الدولية مستفيدين من الأساليب التي انتهجها الإخوان المسلمون في جمهورية مصر العربية حيث يمارسون الأخونة على نطاق واسع في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والقضائية على قاعدة المثل القائل: "حبتي والا الديك" الدولة والا رأس الرئيس السابق" الذي ما برحوا يهددونه ليل نهار بإلغاء الحصانة ،وتجاوزوا ذلك إلى حد المقايضة بدمائه وكبار رجال الدولة مقابل دماء الشهداء الشباب في جمعة الكرامة.
وهكذا يتضح مما تقدم أن الإخوان المسلمين في اليمن الذين وصلوا إلى الحكم بدماء الأبرياء يحاولون عبثاً أخونة الدولة ،وقد تكون من قبل شباب مندفعين بتوجيهات حزبية ،ومن قبل جنود ومواطنين يدافعون عن المنشآت العامة والخاصة ،أو قل بمعنى آخر إن القوات المدافعة عن الشرعية الدستورية كانت في مواجهة عسكرية مع القوات المتمردة والمليشيات الحزبية المسلحة التي منحت نفسها حق حماية الثورة الشبابية وحولت الشباب إلى دروع بشرية لتمرير ما لديها من مخططات انقلابية دامية ومدمرة للوطن والمواطن.
أقول ذلك وأقصد به أن جميع الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية كانت تدرك أن ما حدث من انقسام بين صفوف القوات المسلحة في مجتمع معروف بأنه يتميز بعشقه للسلاح وأن الدماء التي سفكت خلال الأزمة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية كانت تهدد الجميع في حرب أهلية طاحنة بعد أن تعرضت قيادة الدولة لعمل إرهابي مجرد من القيم الأخلاقية لذلك حرصت هذه الأطراف على أن تنص المبادرة الخليجية على الحصانة القضائية للرئيس السابق وكل من عملوا معه، حتى لا تكون الأطماع السياسية وسيلة للملاحقات القضائية والانتقامية الكفيلة بإعادة الجميع إلى مربع الحرب الأهلية الذي انطلقت منها التسوية السياسية.
ولم يكن هناك في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والقرارات الدولية ما يجيز الربط بين ما حدث في شارع الجامعة أو في غيره من الشوارع الأخرى ،وما حدث في مسجد الرئاسة الذي اعتبرها قرار مجلس الأمن جريمة إرهابية قابلة للمحاكمة القضائية.
أخلص في من ذلك إلى القول إن ما يتعرض له المؤتمريون وأنصارهم وحلفاؤهم من عملية إقصاء ممنهجة من قبل المشترك وشركائهم بصورة منافية للدستور والقانون ،وإذا كان التجمع اليمني للإصلاح قد نجح في أخونة بعض قيادات أحزاب المشترك فسوف يفشل حتماً في أخونة الدولة بكافة مؤسساتها الدستورية المدنية والعسكرية مذكرين فخامة الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بما وعد به سابقاً أنه لا ولن يكون طنطاوي آخر في اليمن.
*صحيفة اليمن اليوم