ياسر شمسان الشبوطي -
من أخونة القضاء إلى محاولة أخونة البرلمان .. وماذا بعد ؟!
أن ما أقدمت عليه أحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمتها حزب الإصلاح المعروف بـ(الإخوان المسلمين في اليمن) من استحواذ وسيطرة على مجلس القضاء الأعلى ومحاولة التأثير على أحكامه الصادرة ومن ثم أخونته لا يخفى على احد ، حيث ظهر ذلك جلياً حين اصدر النائب العام وبتأييد ومباركة من الأخ / وزير العدل قرار إطلاق سراح المتهمين على ذمة جريمة تفجير دار الرئاسة والذي اعتبره العديد من القانونيين والمراقبين السياسيين قراراً مخالفاً لجميع القوانين والدساتير المعمول بها دولياً وذلك نظراً لبشاعة الجريمة التي هزت مشاعر كل اليمنيين والعالم وأدانتها في حينها كل القوى السياسية اليمنية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 ولكون القرار لا يخدم سير تحقيق العدالة وانتهاكاً فاضحاً لاستقلالية ونزاهة القضاء اليمني وتعدياً سافراً لحقوق أولياء الدم المطالبين بالقصاص من الجناة كما أن من يتستر على مثل هؤلاء القتلة والإرهابيين يعد شريكاً معهم في الجريمة وبالتالي فالقرار الصادر من النائب العام بهذا الشأن يخل بميزان القضاء والعدالة الاجتماعية وكان من المفترض بقاء هؤلاء المتهمين والمقبوض عليهم في السجن لعرضهم على المحاكمة العادلة ليقول القضاء فيهم كلمته وليس إطلاق سراحهم وتهريبهم بالشكل الذي حصل ولكي ينالوا جزاءهم العادل وكغيرهم من القتلة الإرهابيين الذين نفذوا أبشع جرائم القتل الأخرى في أماكن كثيرة من البلاد دونما أن تحرك وزارة الداخلية فيهم ساكناً أو تحاول القبض على جرائم مماثلة تحدث اليوم على طول وعرض البلاد .
إن صدور مثل ذلك القرار يحمل ابعاداً ودلالات خطيرة وكارثية باعتباره يهدد سلطات القضاء اليمني ويقوض من وظائفه في المجتمع وهي محاولة يائسة ومفضوحة لاخونة القضاء اليمني مثلما تم أخونة العديد من مؤسسات الدولة المختلفة من قبل حزب الإخوان المسلمين وحلفائهم وعلى مرأى ومسمع من الجميع وفي مقدمتهم الدول الراعية للمبادرة الخليجية ولم يكتفِ حزب الإصلاح في اليمن وحلفاؤه بذلك القدر من الهيمنة والاستحواذ على معظم مؤسسات الدولة بل انه يحاول اليوم وبكل ما أوتى من قوة لإيجاد موطئ قدم له في البرلمان اليمني خصوصاً في ظل تصاعد حدة الخلافات القائمة في البرلمان بين كتلة المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المشترك وفي مقدمتهم حزب الإصلاح وفي محاولة يائسة منه ايضاًَ لغرض هيمنته على البرلمان ! ولعل ذلك ما يؤكد أن البرلمان اليمني أضحى هو الأخر ليس بمنأى عن الصراع الحاصل في مؤتمر الحوار الوطني ، بل اخذ جزءاً من التوتر الملحوظ منذ مطلع شهر مايو المنصرم حين دخلت كتلة المشترك في خلاف مع كتلة المؤتمر حول وضع قرار يجيز إعادة الانتخابات في الجامعات اليمنية وكلياتها..
ففي الأحد الماضي فجر وزير الشئوون القانونية محمد المخلافي خلافاً حاداً مع حزب المؤتمر حين طعن في مشروعية جلسات مجلس النواب برئاسة يحي الراعي وفي ظل مقاطعة الكتلة البرلمانية للمشترك جلسات المجلس ! ، واعتبر المخلافي وهو قيادي في الحزب الاشتراكي أن كتلة المؤتمر البرلمانية فاقدة للشرعية وإنها ( جماعة متمردة) على شرعية الفترة الانتقالية معتبراً أن لا شرعية لما يصدر عنها .. وياله من تصريح غريب وعجيب ! إذ يأتي هذا التصريح الخطير للمخلافي كردة فعل على تصويت من كتلة المؤتمر البرلمانية مع أعضاء مستقلين على إحالة المخلافي إلى التحقيق بعد أن ابلغ المخلافي الرئيس هادي بعدم شرعية اجتماعات كتلة المؤتمر ! .
نقول للمخلافي إن مجلس النواب برئاسة يحي الراعي لا يزال يمارس سلطاته الدستورية والتشريعية الممنوحة لأعضائه من الشعب وطبقاً للتسوية السياسية القائمة في البلاد وللتفاهمات التي على أساسها تم التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من قبل أطرافها المعنيين وهما المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه وكصيغة توافقية فرضتها طبيعة الأوضاع والأزمة السياسية والمرحلة الدقيقة والحساسة التي مرت بها البلاد وما زالت والتي في ظلها يصعب إجراء الانتخابات النيابية وتم الاكتفاء بإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة والتي أفضت إلى تولي الرئيس هادي قيادة البلاد رئيساً توافقياً وذلك إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في فبراير العام 2014ووفقاً للبرنامج الزمني الذي نصت عليه وحددته المبادرة الخليجية المزمنة وبالتوازي مع نصيب المشترك في رئاسة الحكومة التوافقية تم التمديد لمواصلة المجلس النيابي مهامه وفقاً للدستور الحالي إلى حين الاستفتاء على الدستور الجديد الذي سيقره مؤتمر الحوار الوطني وإلا ماذا يعني أن يؤدي الرئيس هادي بعد انتخابه من الشعب مباشرة كرئيس توافقي اليمين الدستورية في مجلس النواب وبوجود يحي الراعي كرئيس لمجلس النواب .
ومن هنا نتسأل .. كيف وبماذا نفسر هذه الأزمة الجديدة والمفتعلة من قبل المشترك وعلى رأسهم حزب الإصلاح داخل البرلمان اليمني وبين الحكومة والمجلس النيابي وتمرد بعض وزراء المشترك ورفضهم المثول للمساءلة القانونية أمام مجلس النواب والذي سبقه وبأشهر مقاطعة كتلة المشترك لجلسات المجلس ؟!!
الجواب على ذلك هو للمطالبة بالمحاصصه الحزبية الضيقة ولتعطيل سلطات البرلمان التشريعية وتغييب دوره الرقابي على الأداء الحكومي ولكي يصعب على المجلس فضح بؤر الفساد الذي يمارسه بعض الوزراء المحسوبين على المشترك وخاصة من حزب الإصلاح إلى أخونة البرلمان وهي التي تعد أهم هيئة تشريعية في البلد !
ولعل ما قاله المخلافي من أن ما قدمته الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر يعد تعدياً على السلطة التشريعية والحكومة بحسب وصفه معتبراً أن الغاية من ذلك في النهاية هو تعطيل العملية السياسية للدولة ، وأضاف لأنها (جماعة من الماضي) ويقصد بذلك كتلة المؤتمر في البرلمان فإن تصريح المخلافي في الواقع يعد تراجعا عن العملية السياسية والتسوية القائمة ومقاطعة كتلة المشترك لجلسات المجلس أكدت بأنه عمل استباقي هدفه التعطيل لأعمال المجلس ومن اجل وضع أزمات جديدة أمام مؤتمر الحوار الوطني ومسيرة التسوية في بلادنا !!
وحين يصف المخلافي وهو وزير الشؤون القانونية والقيادي في الحزب الاشتراكي، كتلة المؤتمر البرلمانية بـ ( جماعة من الماضي ) نقول له .. هل تناسيت يا مخلافي بأن المؤتمر الشعبي العام لا يزال شريكاً رئيسياً في الحكم سواء عبر ممثليه في الحكومة أو في البرلمان أو الشورى أو غيرها من هيئات الدولة وهو احد أهم قطبي التسوية السياسية القائمة في البلد .. ولولا تنازله عن السلطة العليا ( الرئاسة) وإفساح المجال للمشترك ( المعارضة سابقاً) في تولي بعض الحقائب الوزارية وفي العديد من هيئات الدولة لما كانت المعارضة مشاركة في الحكم ؟ تم هل تناسى المخلافي بأن المؤتمر هو من لعب دوراً كبيراً وحاسماً في تجنيب الوطن الانزلاق نحو الحرب الأهلية وقدم الكثير من التنازلات من اجل الوطن وأمنه واستقراره مدركاً أن لا منتصر فيه أي قوى سياسية والخاسر الوحيد هو الوطن والشعب ؟! .
ولذلك نقول له : المؤتمر الشعبي ليس جماعة من الماضي بحسب ما تدعيه ويعشعش في ذهنية البعض ، بل هو الماضي والحاضر والمستقبل وهو الحامل الحقيقي لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة التي تركها وتنازل عنها حزبكم الحزب الاشتراكي بعد أن أضحى حزباً تابعاً ومنقاداً للأسف من القوى التقليدية في اليمن وعلى رأسها حزب الإخوان المسلمين على الرغم من عراقة تجربته الطويلة ومنافحته لمشروع القوى التقليدية والظلامية ( تيار الإخوان المسلمين) بوصفه تياراً تقدمياً وتحررياً يتوق لبناء دولة القانون والمؤسسات والدولة الحديثة المدنية لا أن يتحول إلى بوق من أبواق القوى التقليدية والتي تريد العودة بنا إلى القرون الوسطى.!
وصعد البرلمان اليمني برئاسة يحي علي الراعي من جانبه بالرد على وزير الشئوون القانونية واصدر بعد يوم واحد من طعن المخلافي لجلسات البرلمان اصدر مذكرة اتهام رسمية للوزير المخلافي بارتكابه مخالفات دستورية بحسب ما ذكرته المذكرة وقال الراعي : في حال تخلف الوزير عن الدفاع عن نفسه أمام البرلمان فإن البرلمان سيشكل لجنة إدعاء لمحاكمة الوزير وتضمنت المذكرة برسالة لرئيس الوزراء اتهاماً للمخلافي بخرق الدستور وعدم احترام القوانين والسلطة التشريعية والفصل بين السلطات وتضليل الرأي العام.
ولعل ما تريده الحكومة هو افتعال أزمة جديدة وبين البرلمان للحصول على موطئ قدم لها في البرلمان ومن اجل فرض مبدأ المحاصصة الحزبية والفئوية الضيقة للهيمنة على جلسات البرلمان وتسييره وصولاً في نهاية المطاف إلى اخونته ولكي يتسنى للحكومة أو بالأحرى للإخوان أن تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب من قبل البرلمان ! وعلى الرغم من أن رئيس مجلس النواب يحي علي الراعي قد أكد مراراً موافقته على مبدأ إجراء الانتخابات داخل البرلمان عبر الصندوق وليس عبر وسائل المحاصصة الحزبية الضيقة والمرفوضة سلفاً ..
ويبقى السبب في لجوء المشترك وفي مقدمتها حزب الإخوان المسلمين إلى خلق هذه الأزمة وتوتير الأجواء بين الحكومة والبرلمان وكل هذا القلق الاخواني خشية منهم على اعتبار أن رئيس مجلس النواب الحالي يحي علي الراعي يعد الرجل الثاني في الدولة وفي حال لا قدر الله جرى أي مكروه لفخامة المشير/ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية حفظه الله سيصبح رئيس مجلس النواب هو المسؤول من الناحية الدستورية عن إدارة الدولة حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وانتخاب رئيس جديد لليمن.
-نقلا عن صحيفة 14 اكتوبر