فيصل الشبيبي -
هل سيستفيدُ الإخوانُ من الدرس؟
بكل بساطة يمكن القول : إن نُدرة الخبرة السياسية إن لم يكن انعدامُها لدى جماعة الإخوان المسلمين وقفزهم إلى السلطة بصورة كانت مفاجئة للجميع حتى للجماعة نفسها ، هي ما أدت إلى فشلهم في حكم دولة بحجم مصر ، حيث لم يستفد الأخوان منذ نشأة حركتهم قبل خمسة وثمانين عاماً من تجارب الآخرين ويعملون على تأهيل كوادر سياسية قادرة على تحمل المسؤولية بمجرد أن تناط بهم ، فقد ظلوا على مدى العقود الماضية معتمدين على العمل السري في تنظيمهم دون الانفتاح على الآخر المختلف معهم ، وحصر الحقيقة فيما يفكرون فيه هم ، ودون مسايرة الواقع والتكيف معه ، عن طريق التدرج في التعاطي مع الأحداث الداخلية وكذلك المحيطة بهم ، وقراءة الواقع قراءة مُتانية ، إضافة إلى اعتمادهم خطاباً واحداً غير قابل للتغير أو التراجع ، ما سببَّ حالاً من السخط والغضب في أوساط المجتمع..
على مدى عامٍ كامل لم يستطع الإخوان المسلمون تطمين الشارع ، بل على العكس من ذلك اتخذوا جملة من القرارات الفردية والأخطاء الفادحة التي جعلت الأطراف الأخرى تتهيب المستقبل في حال استمروا على ما هم عليه ، ورفعت من وتيرة الاحتقان في أوساط المجتمع المصري ، وكل ذلك بسبب انعدام المنهجية في رسم السياسات الآنية والمستقبلية التي تحول دون الوقوع في التناقضات أو تقلل منها ، لا سيما عند اتخاذ القرارات ، والمبالغة في الوعود والمواقف عندما كانوا في المعارضة الأمر الذي سببَّ لهم حرجاً كبيراً بعد تسنمهم زمامَ الحكم ، فالمعطيات الداخلية والخارجية تفرض عليهم التعاطي معها بطريقة مختلفة تماماً عن وضعهم السابق ، وهو ما لم يتمكنوا من التعامل معه بسياسة وحكمة ، ما أدى إلى انحسار مصداقيتهم واهتزاز صورتهم أمام الجماهير التي اختارتهم بناء على خطابهم السابق ، وكذلك عدم امتلاكهم مراكز أبحاث ودراسات متخصصة بقياس الرأي تمكنهم من معرفة الواقع واتخاذ قرارات تتماشى مع طموحاته واهتماماته ، ولو في حدودها الدنيا ، حتى خطابات الدكتور / مرسي لم تكن مكتوبة ، وإن كانت فسرعان ما نراه يتركها أمامه ويعتمد على اسلوب الخطابة المنبرية وهو اسلوب دائماً ما يتحاشاه الزعماء وصُنّاعُ القرار خشية الوقوع في هفوات وتناقضات غير محسوبة قد يكون لبعضها عواقب وخيمة باعتبارها صادرةً عن المسؤول الاول في هرم السلطة ، إضافة إلى عدم إشراك القوى والمكونات السياسية الفاعلة على الساحة ، بالذات في قرارات مصيرية ، كذلك الذي فاجأ به الدكتور / محمد مرسي الداخل والخارج منتصف الشهر الماضي عندما قطع العلاقات مع سوريا وطرد سفيرها في القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق ، في وقت كان البعض يتوقع أن تلعب مصر دوراً محورياً في حل الأزمة السورية بعد أن كانت شكلت في السابق لجنة رباعية تضم إلى جانبها السعودية وتركيا وإيران ، الأمر الذي شكّل صدمة للشارع المصري المعروف بعروبيته وقوميته وكذلك للشارع العربي الذي دائماً ما ينظر إلى مصر على أنها الشقيقة الكبرى وقلب العروبة النابض..
وبما أننا هنا نُقيّمُ سياسات الإخوان التي فجَّرت الغضب عليهم ، وحتى لا يظن البعض أننا نتجنى عليهم أو نتشفى فيهم ، فسنورد هنا بعض الهفوات والقرارات غير المدروسة التي ألّبت الشارع بهذا الشكل ، وهي وقائع وأخطاء معروفة للجميع وذكرها مفكرون وكتاب ومستشارون مصريون بعضهم مقربون جداً من حركة الإخوان ، وسنبدأها باعتراف محمد مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية في مايو من العام الماضي عندما قال : ( إن الإخوان المسلمين ارتكبوا جملة أخطاء انعكست في تراجع ملحوظ لشعبيتهم في الشارع المصري.. ومنها أداءهم في البرلمان).
ومن تلك الأخطاء على سبيل المثال لا الحصر ،، اتخاذ الدكتور / محمد مرسي ومكتب الإرشاد وحلفاؤهم قرارات هزت الثقة بهم وحركت المياه الراكدة واستثارت الشارع المصري حتى وصل إلى مرحلة الهيجان ، والتي سنوردها على شكل نقاط :
** البداية بعد إسقاط نظام مبارك عندما أعلنوا رسمياً على لسان العديد من قياداتهم ومنهم الدكتور سعد الكتاتني أمين عام حزب الحرية والعدالة آنذاك رئيس الحزب حالياً بعدم نيتهم الوصول الى رئاسة الجمهورية وقال حينها في مقابلة : (لن ترشح جماعة الاخوان أحداً للرئاسة) ، لكنهم سرعان ما تناسوا ذلك وقرروا ترشيح المهندس خيرت الشاطر للرئاسة ولما تم رفض ترشيحه قانونياً استبدلوه بالدكتور محمد مرسي .
** الاستفتاء على الدستور المؤقت (الاعلان الدستوري) بتاريخ 19/3/2011م والذي دعى اليه المجلس العسكري وأيده الإخوان مع القوى الإسلامية وأنصار الحزب الوطني الحاكم (السابق) على الرغم من اعتراف غالبية الموافقين على عملية الإستفتاء بأنها غير كافية ولا تعبر عن طموحات الثورة المصرية, وعارضته جميع الأحزاب والقوى السياسية وكانت تنادي بالدستور أولاً وليس بدستور مؤقت ومع ذلك تم التصويت بأغلبية شعبية على الدستور المؤقت والذي كان سبباً فيما بعد لتقييد أداء البرلمان في سلطته المطلقة.
** الاستئثار باللجنة المشكلة لصياغة دستور البلاد حيث استخدموا سلطتهم الدستورية في مجلس الشعب واختاروا أعضاء الجمعية التأسيسية التى يناط بها دستوريا إعداد الدستور الجديد الأمر الذي انعكس سلباً على القوى الأخرى فتكتلت وفرضت عزلة سياسية عليهم دون أن يراجعوا حساباتهم بل استمروا في ذلك دون النظر للواقع ..
** طرح الدستور الذي تم تعطيله للاستفتاء دون توافق الأطراف السياسية في وقت كانوا هم فيه بأمس الحاجة للتوافق كي لا يتحول الحلفاء والأصدقاء إلى معارضين ، وهو ما حدث بالفعل ، إضافة إلى المضي في سياساتهم الحزبية، وفن استعداء الآخرين.
** استعداء السلطة القضائية : المتمثل في المحكمة الدستورية بعد أن أعلنوا عن نيتهم فى إجراء إدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية وإعادة النظر فى تشكيلها بهف السيطرة على مجلس الشعب ، واستخدام السلطة التشريعية لتحقيق مكاسب حزبية ذاتية، تأثيرًا على المحكمة الدستورية وضمانًا لبقائه ودعمًا لمرشحه فى الرئاسة.
** الإفراط في الشعارات والوعود الكبيرة في الحجم، الأمر الذي رفع من سقف التوقعات عند كثيرين، خاصة مع الترويج لما سمّي خطة المائة يوم وبرنامج النهضة..
** عدم الوضوح في الرؤية؛ فتارة تدخل الجماعة في تحالف مع قوى مدنية وبعضها علماني وتخسر الحلفاء من المعسكر الإسلامي المكوّن لمرجعيتها، وتارة أخرى تتقارب مع تيارات إسلامية كانت تتباعد عنها قديماً وتصنفها في المعسكر صاحب الرؤى الإسلامية الصارمة، وهو ما ظهر في انتخابات مجلس الشعب والاستفتاءات.
هناك الكثيرُ والكثيرُ من الملاحظات ، لكن الأهم من ذلك كله ، هو أن الحياة دروس ، والسعيد من اتعظ بغيره واستوعب الدرس جيداً حينما يقع في الخطأ لتفادي ذلك في المستقبل ، والسؤال هنا هل سيستفيد مكتب الإرشاد مما جرى لمراجعة الأخطاء الفادحة التي وقع فيها ، أم أنه سيظل مرتهناً لقياداته المتشددة التي لا ترى إلاّ نفسها ، وستوقعه في أخطاء أكثر فداحة عن طريق جرِّ الجماعة إلى مربع العنف انتقاماً مما حدث لها ، بسبب غرور تلك القيادات وشطحاتها التي لا مكان لها في الواقع ، والتقوقع تحت شرنقة العمل السري ، والاستمرار في استعداء الآخرين واختزال الإسلام في منتسبيها ومن يؤمن بأفكارها فقط ؟ والنظر إلى الواقع بعينها وعين الآخرين ،، أم أن حركة الإخوان ستقوم بمراجعة شاملة لسياساتها السابقة للاستفادة من المثالب التي وقعت فيها ، لا سيما وقد تحولت إلى حزب سياسي علني بعد أن ظلت محظورة على مدى عقود خلت ؟
نتمنى ذلك ، فهم وكل القوى السياسية الأخرى جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والاجتماعي سواء في بلدنا أو البلدان العربية والاسلامية الأخرى ، فالسياسة بمفهومها الواسع والطبيعي أن تؤمن بالآخر كما يؤمن هو بك ، وتحترم رأيه مهما بلغت حدة الاختلاف معه ، ومسايرة الواقع بما ليس مخلاً بالثوابت ، وخدمة المصالح المشتركة ، ونبذ العنف بكل أشكاله وصوره ، والاحتكام لصناديق الاقتراع كوسيلة حضارية للتبادل السلمي للسلطة ،،، ولا شك أننا جميعاً معنيون للاستفادة من هذا الدرس ، كي يعيد الجميع ترتيب أوراقهم وينأوا بوطنهم من الوقوع في مثل هذا الفخ الخطير ،، حفظ الله اليمن والأمة العربية والإسلامية من كل مكروه ،، والله الهادي إلى سبيل الرشاد ..