المؤتمرنت - زعماء نزلوا عند رغبة شعوبهم الزعامات لا تحددها صناديق الانتخابات فقط، بل تعززها الظروف التاريخية والسياسية، والمقومات الكاريزمية، والقدرة على كسب عقول الجماهير وقلوبهم . وقد سجل التاريخ زعمات منتخبة عديدة فضلت الانسحاب من المشهد السياسي قبل انتهاء فتراتها الرئاسية، "حفاظاً على إنجازاتها وحب الجماهير لها، أو شعوراً بالندم على اقترافها خطأ ما في حق شعوبها أو إخفاقها فى الوفاء بتعهداتها خلال حملاتها الانتخابية.
في عصور مختلفة، شهدت أكبر الديموقراطيات في العالم مواقف تنحي رئيس الدولة أو رئيس وزرائها من منصبه قبل إكمال فترة ولايته، غير أن الأمر في عدد من تجارب الدول الكبرى بدا أكثر التزاما بالمبادئ والحريات، ولم يتسم بكونه انقلابا على الشرعية لأسباب متعددة يأتي في مقدمتها أن الحاكم لم يحظ بالقبول الشعبي بعد فترة قصيرة قضاها في منصبه، أو أنه أخل بالمبادئ والوعود التي قطعها على نفسه أمام الشعب خلال حملته الإنتخابية.
البداية من فرنسا، حيث لم يشفع التاريخ المشرّف لرئيسها الأسبق والأب الروحي لجمهوريتها الخامسة شارل ديغول لدى الشعب الفرنسي، الذي خرج في مظاهرات مناوئة له عام 1968، واستجابة لمطالب المتظاهرين قرر ديغول أن يجري استفتاءً حول تطبيق المزيد من اللامركزية في فرنسا، وتعهد قبل إجراء الاستفتاء بالتنحي عن منصبه في حال لم توافق نسبة كبيرة من الفرنسيين على تطبيق اللامركزية في البلاد.
وفي مساء 28 نيسان/أبريل عام 1969، أعلن ديغول تنحيه عن منصبه بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلاً من النسبة التي حددها سلفاً.
فضيحة ووترغايت
وفي واقعة شهيرة في الولايات المتحدة ، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون استقالته من منصبه في الثامن من آب/أغسطس عام 1974، قبل أن يكمل فترة ولايته الثانية، وذلك بعد أن كشفت التحقيقات مع 5 من أعضاء لجنة إعادة انتخاب نيكسون، أن عدد من الأفعال التي يحرمها القانون قد ارتكبها نيسكون لضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسية. من هذع الأفعال، أن فريق عمل نيكسون استخدم أدوات للتجسس على اجتماعات الحزب الديموقراطي داخل مبناه المعروف بإسم "ووترغايت" في فترة الحملات الانتخابية، فقرر نيكسون، قبل أن يوجه الكونغرس اتهاماً رسمياً له، أن يستقيل من منصبه في واقعة تعرف إعلامياً بإسم "فضيحة ووترغايت".
استقالة الثعلب
وفي بريطانيا ، تقدم رئيس الوزراء الأسبق والقائد العسكري المخضرم ونستون تشرشل باستقالته للملكة إليزابيث، في الخامس من نيسان/أبريل عام 1955، بعد أن شعر أن تقدمه في السن قد يعوقه عن أداء مهام وظيفته. ورغم حب البريطانيين للرجل الذي ساهم بشكل كبير في انتصار بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستقالة، حين رأى أنه قد لا يؤدي واجبه تجاه بلاده على النحو الأمثل.
وفي عام 2007 ، قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير استقالته من منصبه، بعد أن تراجعت شعبيته كثيراً عقب الكشف عن أرقام الضحايا البريطانيين في الغزو الغربي للعراق عام 2003، وشعر البرلمان البريطاني آنذاك أن بلير تعمد تضليله وتوريط البلاد في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. وانعكس هذا الشعور على الشارع البريطاني، الذي تراجع عن تأييده لحزب العمال الذي يتزعمه بلير، ما أسفر عن تقلص حجم تمثيل الحزب في البرلمان البريطاني بشكل كبير في الانتخابات، التي سبقت تقديم بلير لاستقالته في السابع والعشرين من حزيران/يونيو عام 2007.
النمو الآسيوية
أما ماليزيا، فقد شهدت استقالة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله بدوي عام 2009 من منصبه، قبل أن يكمل مدة ولايته، بعد نتائج هزيلة حققها الحزب التابع له في الانتخابات البرلمانية. وشهد عهد عبد الله بدوي زيادة الاستياء الشعبي، من جراء الأزمات الاقتصادية والإخفاق الإداري.
وفي إندونيسيا ، تنحى الرئيس الراحل سوهارتو من منصبه، بعد نحو شهرين من إعادة انتخابه من قبل البرلمان الإندونيسي في أيار/مايو 1998. فبعد سنوات، تمكن خلالها سوهارتو من الارتقاء بالاقتصاد الإندونيسي، شهدت البلاد أزمة اقتصادية حادة في آواخر تسعينيات القرن الماضي، تسببت بانهيار العملة الوطنية، ما حدا به إلى فرض حالة من التقشف أزعجت معارضيه.
وبعد إعادة انتخابه في آذار/ مارس 1998، خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاطه، وتحولت العاصمة الإندونيسية جاكرتا إلى ساحة احتجاج واسعة، الأمر الذي دفع سوهارتو إلى الاستقالة من منصبه.
* (ا ش ا)
|