يحيى نوري -
الوفاق المفقود
ذكرى الثورة اليمنية "سبتمبر واكتوبر" مناسبة مهمة لمخاطبة الشعب اليمني صاحب المصلحة الاولى في الثورة والجمهورية من خلال بيان شامل يستعرض فيه رئيس الجمهورية مختلف مسارات الثورة وتقييم مسيرتها والتحديات الماثلة أمامها على طريق انجازها للاهداف والمباديء التي قامت لأجلها.
وباعتبار ان المناسبة تتطلب بياناً شاملاً وليس خطاباُ -كما يصفه البعض-فان المواطن اليمني ظل بانتظار هذا البيان تدفعة الى ذلك الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ورغبته في سماع أمر فيه تجديد لعله يخفف من حالة الاحتقان التي تمر بها البلاد ويهيئ المزيد من المناخات المواتية التي تمكن البلاد من تجاوز الازمة الراهنة بدرجة عالية من الانسيابية.
لكن أمراً كهذا لم يجده المواطن في البيان الذي تلاه المستشار الاعلامي محبوب علي نيابة عن فخامة الرئيس, حيث جاء البيان يحمل العديد من المضامين التي تزيد المشهد سوداوية في كونها قد تجردت من الموضوعية وبصورة تنحاز الى طرف دون غيره الأمر الذي جعل المواطن يصف هذا البيان بالانقلابي على التوافق والمبادرة الخليجية ومعيقاً للجهود الراهنة باتجاه انجاح الحوار.
لقد كان حري ببيان الثورة الـ51 ان يكرس بصوره مستوعبة تماماً للحدث الراهن المتمثل بالحوار الوطني باعتباره يمثل ابرز محطة وطنية وتاريخية في مسار الثورة اليمنية "سبتمبر واكتوبر" وان يقدم الصورة الكامله لكل مايعتمل بمؤتمر الحوار إزاء مجمل القضايا الوطنية وعلى رأسها الوحدة اليمنية والتي تحاك ضدها مؤامرات كبيرة يحاول معديها ومخططيها تمريرها من خلال مؤتمر الحوار في صورة تمثل استفزازاً فظيعاً لمشاعر اليمنيين واستهانة بعظمة انجازهم الوحدوي التاريخي الخالد.
وبما ان البيان لم يقدم كافة ابعاد المشهد وظل يحلق في الحديث عن الاماني والتطلعات فانه ذهب ايضاً للحديث عن قضايا وموضوعات زادت من تعقيداتها ماساعد على إحداث حنق كبير لدى المواطن الذي أصيب بخيبة أمل خاصة وان بيان الثورة لم يراع قيم ومثل الوفاق الوطني في الوقت الذي يدرك معدوه تأثيره على الحوار كعوائق جديدة يقدمها له في الوقت الذي يعاني منه الحوار من عوائق عدة مطلوب منه تجاوزها بدرجة عالية من التوافق والانسجام.
ولعل مايعكسه البيان وشطحاته هو ان المؤسسة الرئاسية باتت رهينة لتدخلات الاجندة الحزبية الضيقة وبصورة بات التشخيص الدقيق والمسؤول للقضايا العالقة أمر غير معمول به وهو مايعني احداث المزيد من الاختلالات في مسار التسوية السياسيه بل ويجعل من عملية الحوار الوطني عملية عبثية.
ولاريب ان انتاج منغصات جديدة وفي اطار بيان ثوري سبتمبري يخاطب كل اليمنيين عشية ذكرى الثورة كل عام لايعكس سوى الاصرار على السير باتجاه التصعيد واعلاء المزايدة والمناكفة السياسية بل وتشويه لهذه المناسبة الاحتفالية والتي تتطلب ان تكون اطلالتها اطلالة خير وسلام لكل اليمنيين ومحطة يمكن لهم من خلالها مراجعة كل اخفاقاتهم بموضوعية وبما يتفق مع طبيعة المتغيرات والتحولات الكبرى التي تشهدها الساحة اليمنية.
واذا كان رئيس الجمهورية عبر بيان الثورة قد حرص ايصال رسائل عدة.. الا ان هذه الرسائل لن تستطيع الوصول الى من وجهت لهم لكونها جاءت في مرحلة الوفاق الذي يعد وحده الرسالة الاسمى والأعظم لكل اليمنيين وبمختلف قواهم الوطنية مفادها ان التمترس وراء قضايا ومنغصات لن يساعد اليمنيين على بلوغ اهدافهم العظيمة التي اختاروا من أجلها طريق الانتقالية.
ولعل ما يمكن قراءته من هذه الرسائل هو انها لم تتمكن من الاجابة الكاملة والشافية لطبيعة المعطيات القادمة التي يتطلب من كل اليمنيين التعامل معها كتمديد الفترة الانتقالية والآليات التي ستعتمد عليها هذه المرحلة.. وذلك جعل كل المراقبين والمهتمين لا يثقون في المستقبل إذا ما اعتمد هذا المستقبل على المقدمات الراهنة وهو الأمر الذي يتطلب من المؤسسة الرئاسية اعادة النظر في ادارتها للعملية التوافقية تحقيقاُ للمصلحة الوطنيه وعدم جعل التوافق شبحاُ يؤرق اليمنيين بدلاُ من كونهم ارتضوه كمخرج وحيد من ازمتهم.. فاضاعة قيم الوفاق لن تترك لليمنيين فرصة أخرى أفضل من التوافق للعبور الآمن لهم إلى مرافئ السلامة.