فيصل الصوفي -
ما درانا كيف نفعل ؟!
قيل إن واحداً من الأتراك الذين استعمروا اليمن، كان يلاحق يهوديا، يدعوه إلى الإسلام، وكلما رآه كرر وألح عليه..اسلم.. ادخل الإسلام.. وفي الأخير اضطر اليهودي للاستجابة، وقال للتركي: حسناً.. قبلت بالإسلام، لكن علمني كيف أسلم..فرد عليه التركي بسؤال الجاهل الحائر: أنا داري كيف تسلم؟ يعني أنا نفسي لا أعرف كيف يسلمون!.. وقد صار قول ذلك الجاهل التركي مثلا شعبيا في اليمن يضرب في الذي يدعو إلى أمر هو نفسه يجهله، أو يرفع شعارا نظريا، لا يعرف كيف يمكنه تحقيقه عمليا .
وعندنا في هذا الزمان مثل هذا التركي الجاهل كثر.. لما كانوا خارج السلطة، كانوا يصيحون في وجه الحكومة: نريد منك القضاء على الفقر، أنت لم تحسني بسط الأمن والاستقرار، ولم تكبحي الغلاء، ولم تبني جيشا وطنيا.. ولم تكافحي الفساد والإرهاب.. تهدرين المال العام.. وترفعين الدعم، وتثقلين كاهل المواطنين بالقروض الأجنبية وأذون الخزانة، وتغطين عجز الموازنة بمصادر تضخمية..و..و..و.. و كانت مزايداتهم لا حدود لها، حتى قالوا إننا عندما نصل إلى السلطة سنفعل كذا، وسنفعل كذا، وسوف تستقيم الأمور كلها ببركتنا.
فلما صاروا في السلطة، قالوا: ما درانا كيف نفعل؟.. الدنيا عيد، والعاصمة ليس فيها مشتقات نفطية، والرد: ما درانا كيف نفعل؟.. خمسة هجومات إرهابية في العيد، أودت بحياة أكثر من عشرين ضابطا وجنديا.. وما درانا أيش نفعل؟.. حرب أهلية في تعز بين مأرب وشرعب.. وما درانا أيش نفعل؟.. المواطنون لم يحصلوا على الأمن والراحة في عيد الله، لأن قطاع الطرق مرابطون في طرقات البلاد للتقطع والنهب، والمدن تتفجر ينابيع مخيفة، وعصابات الخوف ودراجات الموت تتجول في كل شبر.. وما درانا كيف نفعل؟
كانوا يدينون القروض، واليوم، في يوم عيد الله، الوزراء يبرمون اتفاقيات قروض أجنبية، فوق القروض والمنح التي تجاوزت 9 مليارات دولار، ومع ذلك لم تستلمها الحكومة، لأن المقرضين والمانحين يعرفون أن لسان الحكومة : ما درانا كيف نتصرف بالمليارات، نشتي نخصصها لمشاريع تنموية، لكن مادرانا كيف يفعل الناس؟
وهكذا.. تركي يقول كنا نتمنى القضاء على الفقر، لكن اليوم، والله ما درانا كيف يوقفوا تفاقم الفقر.. أنا داري لك كيف يمنعوا زيادة الأسعار؟.. خارج السلطة كانوا يطالبون ببناء جيش وطني، وداخل السلطة جندوا الإرهابيين ووزعوهم على المعسكرات لقتل الجنود والضباط وتدمير الجيش الوطني.. خارج السلطة، كافحوا الفساد، أوقفوا إهدار المال العام، لا ترفعوا الدعم، أمنعوا أذون الخزانة.. وداخل السلطة، زادوا الفساد، وضاعفوا أذون الخزانة، وبالغوا في إهدار المال العام، ويخططون لرفع الدعم نهائيا، وهذا باعترافاتهم، ويبررون بالقول إن هذا أمر واقع، ولا بد منه، ومن دون هذه العمليات الجراحية المؤلمة.. ما درانا كيف نفعل ؟