يحيى نوري -
محسن والاختراع
الاختراع..الابتكار...الاكتشاف.. ثلاثية باتت تحكم مسار التطور العالمي.. ولأهميتها أنجز المجتمع الدولي العديد من المعاهدات التي تضمن الحقوق الفكرية، كما أن الاهتمام بها أخذ منحنيات مؤسسية رائدة أضحت الدول تتسابق في تحقيق المزيد من الإفادة من الاختراعات والابتكارات والاكتشافات في إحداث المزيد من المواكبة الحضارية المقتدرة، وأضحى ذلك يمثل ترمومتراً يقاس من خلاله إيمان الشعوب بحتمية النهضة العلمية الشاملة.
ولا ريب أن التوجه نحو الجنرال محسن ليكن راعياُ لهذه الثلاثية في بلادنا قد مثل صفعة شديدة للقيم العلمية، خاصة وأن الرجل لا يعرف شيئاً عن هذا المجال العلمي الدقيق المحكوم أصلاً بمنظومة تشريعية عالمية بهدف حفظ الحقوق، وما تمثله هذه الحقوق من قيم اقتصادية ومعلوماتية.
حيث جاءت رعايته لهذه الثلاثية انجراراً وراء التقليد المتبع لدى كثير من المنظمات والأندية والاتحادات، التي تبحث لها عن رئيس فخري يدعم مناشطها، وهو تقليد هنا ومع ثلاثية الاختراع والابتكار والاكتشاف غير موفق بالمرة باعتبار أن من يعمل في هذه المجالات من أعظم الكوادر المؤهلة، أو ما نسميهم هنا بالنخبة التي ترصد كل لحظة المتغير على صعيد الاختراعات وتأثيرها المباشر، وغير المباشر في تحقيق الانتعاش الاقتصادي والاستثماري والتحول الحضاري على صعيد البنى الإدارية والتخطيطية.
إن مشكلة المخترع اليمني حتى اللحظة مشكلة تعد عويصة، وتختلف اختلافاً جذرياً عما يواجهه المخترعون في البلاد الأخرى، ولعل أهمها التخلف التشريعي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشجع المخترع اليمني على المزيد من الإبداع، ناهيكم عن التخلف العويص الذي تعاني منه الجهات المعنية بتسجيل الاختراعات، والتي لا تمتلك أي بنى إدارية ومعملية ومعلوماتية وتشريعية تمكنها من القيام بحفظ الحقوق الفكرية، وعلاوة على كل ذلك عدم تمتع المخترع اليمني بالأبجديات الثقافية القانونية التي تمكنه من الحفاظ على سر ابتكاره أو عدم إفشائه بالصورة التي تجعله عرضة للقرصنة التي باتت تمارسها دول متقدمة تستغل هذه الأوضاع المتخلفة في نقل المعلومات الاختراعية والابتكارية دون أن يشعر بها أحد من المعنيين بها.
لقد كنت أتطلع كمتابع متواضع أن يقوم المخترعون اليمنيون بفعالية يطالبون من خلالها الحكومة بإصلاح المنظومة الشاملة التي يعاني منها المخترع اليمني، وتؤسس بالتالي لنظام محكم لا يقل أهمية من حيث التجارب الناجحة على الصعيد العربي وأن تقيم لتحقيق ذلك ندوات وحلقات نقاشية تهدف إلى الوقوف أمام هذا الواقع، واستشراف متطلباته التطويرية برؤية ثاقبة.
لكن يبدو أن اللجوء إلى الجنرال علي محسن من قبل بعض المخترعين كان بمثابة خير تعبير عن هذا الواقع المزري الذي يعيشه المخترع اليمني، وأصبح لا فرق هناك بين لجوء عدد من القبائل إلى الجنرال محسن لحل قضيه قبلية وقضية علمية، ولا ريب أن التعامل مع المتطلبات الحضارية والمعلوماتية والإدارية إلى خارج إطار المؤسسات يمثل انتحاراً للمخترع اليمني أخرجه عن نطاق البيئة العلمية والتشريعية، وذهب به بعيداً عن احتياجاته الملحة في بلوغ بيئة تساعد على الاختراع والابتكار والاكتشاف وتؤسس لمنظومة علمية ومعلوماتية تمد الحراك الحضاري للبلاد بمقومات التطور، والتحديث وتتشابك مع منظومة العالم في هذا المجال وبما يعزز من دور البلاد في النهضة العالمية، وهو دور سيكون له مردوده العلمي والمالي.
خلاصة نتمنى من الجنرال محسن أن يسارع إلى الاعتذار عن رعاية الاختراع وأن يعترف أن ذلك لا يندرج في إطار فهمه ورغباته.. كما نأمل من الحكومة أن تنظر لهذا الموضوع بأهمية بالغة وأن تضع اللبنات الأساسية والقوية المؤسسية منها والتشريعية والإدارية التي تؤكد إيمانها بأهمية الاختراع، وتؤكد بالتالي ربط الحاضر اليمني بالماضي الحضاري العظيم لليمن وإنسانها.
• عن صحيفة الاولى