أحمد الحبيشي -
مأزق النخب القديمة
تفاعلت تكنولوجيا المعلومات على نحوٍ مثير للدهشة مع غيرها من المعطيات المادية والمعرفية التي أفرزتها تكنولوجيا الصناعة والزراعة والطب والدواء والنقل والمواصلات والفنون والتعليم والإعلام، ثمّ فتحت بعد ذلك أفقاً واسعاً لولادة شبكة معقدة من العَلاقات البنيوية بين مختلف الفئات الاجتماعية والمهنية والمنظومات السياسية والاقتصادية، وتوليد قدرات معرفية جديدة تساعد على إعادة اكتشاف عالم الواقع، وتعميق معرفتنا بهذا العالم وبذاتنا وبغيرنا، وتنمية قدراتنا الذهنية، وتسريع عملية اكتساب الخبرات وكسر احتكار النخب الثقافية والسياسية القديمة للمعرفة. وبوسعنا القول أنّ التعامل مع هذه المعطيات يقتضي تخليص النخب الثقافية والسياسية القديمة من عزلتها الرهيبة عن متغيرات العصر المتسارعة وحقائقه الجديدة غير المسبوقة، وإعادة بناء الجهاز المفاهيمي لمختلف التيارات الفكرية والسياسية بما يؤهلها لتجديد طريقة فهمها للعالم وتصويب مواقفها السياسية من أحداثه ووقائعه ومتغيراته.
لا يجوز إنكار ما أحدثته تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من تحولاتٍ جذرية في مفهوم الثقافة وبُنيتها ووظائفها، بما في ذلك انعكاس هذه التحولات على المثقف نفسه. ومما له دلالة عميقة أن يتزامن ظهور معطيات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال في نهاية العقد الاخير من القرن العشرين المنصرم مع سقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية الدولية بمختلف أطيافها، جنبا ً الى جنب مع فشل المشاريع القومية، وانتكاسة المشروع الراديكالي المشترك للحركات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة في آن واحد نتيجة فشلها في قراءة التاريخ ومعرفة إشكاليات عَلاقتها بالواقع المحلي والبيئة العالمية، بالاضافة إلى انعدام المبادرة والقدرة على الفعل من لدن كافة التيارات السياسية والفكرية التي رفعت خلال النصف الثاني من القرن العشرين شعارات الاشتراكية والوحدة العربية والتنمية المستقلة والدولة الإسلامية.
لا ريب في ان هذه الأحداث والمتغيرات تشير الى أنّ المجتمعات البشرية لا تتشكل من خلال الآيديولوجيا أو السياسة أو الاقتصاد بمعزلٍ عن مفاعيل الحراك المتبادل بين الأفراد والجماعات والمؤسسات من جهةٍ، وبين الواقع المحلي والبيئة العالمية من جهةٍ أخرى.. وبوسعنا القول إنّ تكنولوجيا المعلومات تنطوي على حوافز هائلة لتعظيم دور هذه المفاعيل بفضل سيولتها ومرونتها وقدرتها السريعة على إحداث عمليات تغيير ذات أبعاد جذرية خلال وقتٍ قصير في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، الأمر الذي يؤثر على بُنية المجتمع الإنساني بصورة مباشرة.
ثمّة من يصف القرون الأربعة الماضية منذ انطلاقة الثورة الصناعية الأولى والثانية والثالثة، بعصر الحداثة فيما يتم وصف ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تزامنت مع ولادة الألفية الميلادية الثالثة بعصر ما بعد الحداثة.. ولئن كانت تكنولوجيا الصناعة قد أفرزت الدولة القومية والاقتصاد الرأسمالي والاستعمار وأسواق المال وحروب الإبادة الجماعية على امتداد القرون الأربعة الماضية، فمن غير المستبعد أن يتغير شكل ومحتوى المجتمع البشري تحت تأثير تكنولوجيا المعلومات، خصوصاً في البلدان النامية والفقيرة.
في هذا السياق خلصت التقارير السنوية لليونسكو منذ عدة سنوات إلى التأكيد على أنّ الخيال السياسي والاجتماعي في مجتمعات البلدان النامية والفقيرة يتسم بالخمول والاغتراب عن التحولات العميقة التي تحدث على الصعيد الواقعي في البلدان المتقدمة بتأثير الخيال العلمي، وهو ما يفسر جانباً من أسباب تخلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في مجتمعات البلدان النامية والفقيرة، واغترابها عن المخرجات الثقافية لثورة العلم والتكنولوجيا، التي تتجسد في غياب او تغييب البُعد الثقافي عن مظاهر الحداثة السطحية في حياة هذه المجتمعات، الامر الذي يستوجب ضرورة إعادة صياغة العَلاقة بين الإنسان والمجتمع والعالم، على أساس المعايير الحديثة لثقافة المعلومات، وبما يؤمن التفاعل الحي مع عالم الفضاء المعرفي والاندماج فيه، وامتلاك المبادرة والقدرة على اتخاذ القرارات وبلورة الخيارات.
من نافل القول إنّ النخب المثقفة والسياسية القديمة اكتسبت مشروعيتها خلال القرن الماضي من انسلاخها عن بيئة الأمية الأبجدية والثقافية.. وعلى تربة هذا الانسلاخ مارست هذه النخب وظائفها (الدعوية والدعائية) بصرف النظر عن فشل المشاريع والأفكار التي دعت إليها وتولت مهمة حراستها .. بيد أنّ المعايير الخاصة بالأمية الثقافية والسياسية تغيرت اليوم، حيث يتوقف الانتساب إلى ثقافة المعلوماتية - وهي غير نخبوية بطبيعتها - على محو أمية التعامل مع الكمبيوتر ونظم المعلومات، ومحو أمية الشكل والرمز وأمية الثقافة العلمية.. وهو ما يوحي بأفول عصر النخب المثقفة القديمة التي كانت تشتغل على الآيديولوجيا والخطابة والتعبئة والتحريض !
لم يعد خافياً أنّ النخب القديمة سواء أكانت دينية أو قومية أو ليبرالية أو يسارية او يمينية، تصدّت على مدى مائة عام لأسئلة النهضة وصدمة الحداثة الأولى ولم تتمكن من بلورة إجابات حاسمة على إشكالياتها وتناقضاتها، ثم بلغت ذروة مأزقها في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين لتواجه أسئلة صدمة ما بعد الحداثة الثانية، وتحديات عصر العولمة وثورة المعلومات دون أن تتمكن من الإجابة عن أسئلة الصدمة الأولى.
والحال أنّ تحولات عصر العولمة ومعطيات ثورة المعلومات طالتا الثقافة وبالتالي فاعليها وهم المثقفون حيث يتشكل عالم جديد بطريقة غير مسبوقة، بالتزامن مع ولادة ثقافة إنسانية جديدة بطريقة مختلفة، فيما تتغير عَلاقة الإنسان بعالم الحقيقة الواقعي انطلاقاً من التغيير الحاصل في معايير الأمية والمعرفة، وما يترتب على ذلك من ضرورة إعادة صياغة العَلاقة بين دور فاعلي الثقافة وسائر الفاعلين الاجتماعيين في المجتمع.
يقيناً أنّ النخب السياسية والتقليدية القديمة في العالم العربي آلت إلى وضعٍ مأساوي من العجز والإفلاس، بموازاة الدور الذي توخت إنجازه من خلال قيادة المجتمع وتبني مشاريع النهضة والتغيير والتحديث.. واللافت للنظر أنّ هذه النخب استقرت على أفكارٍ قديمة ومشاريع بالية وعقلية إقصائية، واكتفت بدور شرطي الحراسة لتلك الأفكار، الى حد الإدمان على الدوغمائية في التعاطي مع الجهاز المفاهيمي لتلك الأفكار والمشاريع وما ينطوي عليه هذا الدور من خطاب شعاراتي شعبوي و تحريضي و دعوي وإقصائي، متجاهلةً حقيقة أنّ القادة السياسيين والمثقفين لا يصنعون عالم السياسة والاقتصاد في هذه الحقبة من عصرنا الراهن بواسطة الأيديولوجيا والنظريات السياسية والعقلية الإقصائية، بقدر ما يصنعه فاعلون اجتماعيون آخرون مثل العلماء في المختبرات والمعامل ورجال الأعمال في الأسواق، ومهندسو البرمجيات ولاعبو الكرة ونجوم الغناء وحواريو الفضائيات الجادة وقادة المصارف والمؤسسات الإعلامية الخ.
لم يُعد بوسع النخب السياسية والدينية القديمة تنصيب نفسها لممارسة الوصاية على الثورة والحرية والحقيقة والدين والعقل.. ولا يحتاج المرء إلى جهدٍ كي يقتنع بأنّ هذه النخب فشلت في كل مشاريع التغيير التي بشرت بها وسعت إليها وغرقت في أوهامها، وعزلت نفسها عن العالم بعد أن داهمتها الصدمات والمفاجآت والهزائم!!.
قد يكون هذا الاستنتاج قاسيا ً ومؤلما ً، لكن الجهر به يستمد ضرورته واهميته من المأزق الذي وصلت اليه النخب االسياسية والقوى التقليدية القديمة بعد ان تكلست وعجزت عن إنتاج المعرفة بالإنسان والمجتمع والعالم.. وما من شكٍ في أنّ هذا العجز يعود إلى حقيقة أنّ مشكلة هذه النخب المثقفة القديمة لم تكن مع الإنسان أو المجتمع أو العالم، بل مع أفكارها.. فمهمة المثقف تتحدد في الاشتغال على الأفكار واجتراح طرائق جديدة للتفكير، وإنتاج أدوات تحليل معرفية تتيح إنتاج أفكار واقعية وفاعلة وقابلة للتطبيق..!
وحين يصل المثقفون إلى مأزق حادٍ، بسبب عجز الأفكار عن إنتاج المعرفة بالواقع، تفشل تبعاً لذلك العجز كافة المشاريع التي تصاغ على أساس تلك الأفكار.. وهي نتيجة طبيعية ما كانت لتحدث لولا انتقال المثقف من وظيفة الاشتغال بالتفكير وإنتاج الأفكار إلى الاشتغال في مهنة الدعاية وحراسة الأوهام و تسويق الشعارات الشعبوية والوعود الجاهزة والمطلقة .
لا يختلف حال المثقف في عالم تكنولوجيا الاتصال والمعلومات عن حال الثقافة والإعلام.. كلاهما يواجهان خيارات صعبة وتحدياتٍ داخلية وخارجية تتطلب نمطاً جديداً من الأفكار والمفاهيم والأدوات الجديدة التي أصبحت كونية ومترابطة وانسيابية، نتيجة الاستخدام المتزايد لتقنيات ومخرجات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
قبل الخوض في هذا الموضوع يتوجب القول إنّ الصورة العامة للمشهد السياسي والثقافي العربي واليمني تتسم بالاختناق والتأزم، ما أدى إلى ضيق مساحة التغيير الحقيقي والتعدد والتنوع والإبداع وغياب قيمة الحوار الداخلي، وتدهور المستوى الثقافي عند العاملين والناشطين في مجال التعبير الإبداعي، وصولاً إلى عجز النخب السياسية والثقافية بمختلف مذاهبها الفكرية والسياسية والفنية عن إدراك ما يجري حولها، وما سيحدث لها في المستقبل!
ومن الصعب أن يظل مفهومنا لإشكاليات السياسة والثقافة نمطيا ً وموروثا ًعن الماضي القريب أو البعيد، فيما العالم من حولنا يتغير على نحو مطرد ومتسارع، الامر الذي يستوجب الاعتراف بحقيقة أنّ العالم والوطن اليوم يختلفان عن العالم والوطن في القرن الماضي والقرون السابقة، بمعنى أنّ الزمن الجديد والمغاير يتطلب بالضرورة رؤى سياسية وثقافية جديدة، ومفهوماً جديداً لوظائف النخب السياسية والثقافية . ولعل أبرز ما يميز الحقبة الراهنة من تطور العالم المعاصر أنّ الثورة الجذرية في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات جعلت مصير العالم مرتبطاً بنتائج عمل ونشاط العقول والفتوحات العلمية، بعد أن تغيرت على نحوٍ جذري الوظائف التقليدية للنخب القديمة في ميدان السياسة والثقافة!
ما أحوجنا اليوم للتعامل مع إشكاليات السياسة و الثقافة والمثقفين من منظور جديد يتجاوز موروث طرائق التفكير والعمل القديمة والمفاهيم البالية والانعزال النخبوي، سواء على مستوى السياسات الثقافية أو الإبداعات الفردية، فكل الأطراف تنشط اليوم وسط عالم متغير وفوق ساحة كونية واحدة لا سيادة لأحد عليها سوى للعلم، فكما جعلت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من الفضاءين الطبيعي والإليكتروني مسافة ثقافية عابرة للحدود والقارات والقوميات، فإنّها حوّلت هذه المسافة أيضاً إلى حقل معرفي يختزن ويستقبل ويبث جميع أنواع المعلومات في مختلف فروع المعرفة.
أجل أنّه فضاء غزير بالأفكار والمعارف والتصورات التي تخوض في قضايا الفلسفة والدين والأخلاق والسياسة، وترصد أحوال الرياضة وأسواق المال والتجارة والصناعة والفن والأدب والموسيقى والسينما والهندسة الوراثية.
في ساحة هذا الفضاء الواسع تتلاقى العقول وتتحاور الثقافات وتتلاقح الحضارات، وتقام المؤتمرات والمعارض الحية وحلقات الدردشة والمواجهات الساخنة عبر الأثير.. بمعنى أنّه فضاء بلا حدود للأفراد والجماعات.. للأفكار والتصورات.. للمعارف والمعلومات.. للرجال والنساء، حيث تتم عملية تاريخية جديدة لإعادة صياغة العَلاقة بين الإنسان والعالم.. بين المجتمعات والثقافات.. بين الحقيقة والأيديولوجيا.. بين العقل والحرية.
لم يُعد ثمة مجال للأفكار التي تحصر مفهوم الثقافة في طوطم مغلق، خصوصاً بعد أن أصبحت الثقافة جزءاً أصيلاً من الفتوحات العلمية. ولقد ولى وإلى الأبد ذلك الزمان الذي كانت فيه الثقافة تطل على الواقع من أبراج الكلام والكتابة على أيدي نفر من المثقفين الذين يثورون على الواقع تارة، وينهزمون أمامه أو ينسحبون منه أحياناً، أو يحلمون بما هو أفضل منه في معظم الأحيان .
على امتداد قرون التاريخ في العصور السابقة كانت الثقافة الإنسانية تغتني وتتطور من خلال دورها في تحطيم أو تجسير المسافات التي تعزل الفكر عن الواقع، حيث تراكمت إنجازات الفكر الإنساني في مجالات الفلسفة والأدب واللغة والتاريخ وغيرها من العلوم الاجتماعية والطبيعية، لتشكل وظيفة جديدة للثقافة الإنسانية، وهي الدفع بحركة الحياة دوماً من القديم إلى الجديد.. ومن الثابت إلى المتحول.. ومن الحزن إلى الفرح.
ومع تراكم إنجازات الثقافة الإنسانية بالارتباط الوثيق مع تراكم تحولات النشاط الاجتماعي للناس، جاء عصرنا الحديث ليخرج الثقافة من أبراج التأملات والأحلام إلى ساحات الفعل الإنساني ولينقلها من سكون الفكرة إلى حركة الواقع حيث طرحت الحياة على نحوٍ علميٍ مهمة الربطة بين الفكر والممارسة.. وبرزت لأول مرة في التاريخ الإنساني ثقافة علمية بالارتباط الوثيق مع إنجازات الثورة التكنولوجية التي فتحت أمام البشرية طريق بناء العالم الجديد الذي حلم به المفكرون منذ سقراط وأرسطو في فجر تاريخ الحضارة المدنية، وحتى الآن حيث يواصل الداعون إلى الإقامة الدائمة في الماضي حربهم البربرية ضد العقل والحداثة.
مما له دلالة عميقة أن بنية الثقافة المعاصرة اتسمت بطابع انساني كوني، فلم يُعد المثقفون عبارة عن نخب من الدراويش والكهنة وحفظة النصوص، بل أصبح المثقف عالماً فيما أصبح العلم منتجاً لثقافة معرفية، وفي سياق التحولات المتسارعة التي أحدثتها الثورة الصناعية الثالثة، في بُنية الاقتصاد العالمي والعَلاقات الدولية والنظم السياسية والأفكار الإنسانية، اكتسب مفهوم القوة محتوى جديداً يقوم على أساس المعايير اللامتناهية للمعرفة .
لقد أصبحت القوة هي المعرفة، والمعرفة هي القوة، الأمر الذي أدى إلى أن يتميز الطور الراهن من مسار تطور العصر والحضارة المعاصرة بثورة المعلومات التي يتوقف عليهامدى النجاح في امتلاك مفاتيح المعرفة وبالتالي مفاتيح القوة .
ما من شكٍ في أنّ أبرز ما يميز الألفية الثالثة الميلادية من التاريخ العالمي تلك التحولات العميقة التي جعلت من الإعلام قوة مستقلة ومحورية تمارس تأثيراً متعاظماً، لا على سلوك الأفراد والمجتمعات فحسب، بل على العلوم والثقافات والنظم السياسية والعَلاقات الدولية والأسواق. وهناك سمة بارزة تميز العمليات الإعلامية في القرن الحادي والعشرين وهي صعوبة التعاطي مع نظم ونظريات الإعلام التي شاع استخدامها وتدريسها في المعاهد والجامعات خلال القرن العشرين المنصرم.. فهذه النظم والنظريات الإعلامية لم تُعد اليوم فاعلة بتأثير عاملين أساسيين: أولهما انهيار النظام الدولي القديم، وانتهاء الاستقطابات الدولية لمرحلة الحرب الباردة، بعد سقوط واختفاء الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية الدولية.. أما الثاني فإنّه يأخذ مداه من خلال الميول الموضوعية للتطور الاقتصادي العالمي باتجاه عولمة الأسواق ورؤوس الأموال، بالارتباط الوثيق مع التقدم الهائل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال والمعلومات، الأمر الذي أسهم في إيجاد فضاء إعلامي اتصالي عابر للحدود والقوميات، بعد دمج الفضاء الطبيعي الذي تشغله الأقمار الصناعية بالفضاء الإليكتروني الذي تجسده شبكة الإنتر نت العنكبوتية.
في القرن العشرين كان بمقدور عوامل مختلفة مثل الاقتصاد والدين والجغرافيا والأيديولوجيا، أن تؤثر في طرق استخدام وسائل الإعلام بوصفها أداة اتصال تؤثر في سلوك الأفراد والمجتمعات. وبالنظر إلى أنّ الاتصالات بين الناس تُعد من أبرز أشكال النشاط الاجتماعي الواعي والهادف للإنسان، فإنّها بالضرورة تساعد الناس على تعلم طرق جديدة لتغيير الأفكار وأنماط السلوك المختلفة.. وقد سهل التقدم التكنولوجي خلال القرن العشرين في ميدان النقل والمواصلات فرص توسيع قنوات التفاعل والاتصال بين الدول والشعوب والمجتمعات، سواء من خلال السفر أو من خلال الاستخدام الواسع لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والرسائل البريدية والمحادثات الهاتفية، الأمر الذي أدى إلى توسيع نطاق تبادل الخبرات والتجارب البشرية، وتسريع عمليات التغيير في حياة المجتمعات والشعوب.