المؤتمرنت - مصر : ارتياح شعبي غداة إعلان (الإخوان) جماعة (إرهابية) فرحة غامرة، وصدمة فائرة، وتنهيدة غائمة. قلوب تسارعت دقاتها فرحاً لقرار طال انتظاره، وأخرى تباطأت دقاتها صدمة لقرار مال حياده. طبل وزمر في تجمعات المقاهي ومواقف الباصات وتكتلات الشلل المروري التي باتت أشبه بمنتديات شعبية على مدار الساعة. وهرج ومرج في تجمعات شبيهة ومواقف لصيقة وتكتلات بعيدة. يرى بعضهم أن الحكومة تأخرت في إعلان «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، لكن يذكرهم آخرون بأن التأخير يظل خيراً من الغياب.
وتعثر رئيس الوزراء حازم الببلاوي في إصدار القرار، حتى ظن بعضهم أنه لن يصدره أبداً. لكنه يظل للبعض قراراً هو والعدم سواء، فكيف لقرار «انقلابي» أن يلغي بجرة قلم كياناً قارب على دخول عقده العاشر، وبنية تحتية قوامها يزيد على ألف جمعية «إسلامية» تباهي بأنها تعلم وتعالج وتساعد وتشغل وتكسي ملايين المصريين الذين تجاهلتهم الدولة على مدى عقود.
عقد المثقف الدارس الفاهم الواعي حاجبيه وقال مستنكراً بعدما استهل استنكاره بالتأكيد الكلاسيكي إن مروره على «الإخوان» كان مرور الكرام شأنه شأن الآلاف من طلاب الجامعات الذين يتم استقطابهم في الجامعات من قبل الجماعات «الإخوانية» منها والسلفي وانه لم يعد إخوانياً ولكنه يتفهم موقفهم: «لم يحدث في التاريخ أن نجح قرار قمعي في القضاء على كيان مجتمعي مهما كان تحت ضغط شعبي أو داعٍ أمني. المعالجة الأمنية للجماعات الدينية والإجراءات القمعية للجموع المغيبة لا تسفر إلا عن مزيد من المشاكل ولا ينتج منها إلا نظام حكم ديكتاتوري، حتى وإن كان يحظى بدعم الشعب».
لم يكد ينهي كلماته حتى تعرض لهجوم غائر من زملائه في المقهى الأنيق والذين لم يمروا، لا مرور كرام ولا لئام على الجماعات في الجامعات. تراوحت ردودهم بين اتهام صريح له بإنه هواه ما زال «إخوانياً»، وتلميح رقيق له بأنه أكل معهم عيشاً وملحاً ومن ثم «صعبانين عليه»، ومطالبات جريئة بأن ينظر عبر النافذة إلى الكتابات الجدارية المعبرة عن رغبة «الشعب يريد إعدام الإخوان» والموصفة لـ «الإخوان» بأنهم «جماعة إرهابية» وناعتة لأمير المؤمنين المعزول محمد مرسي بـ «الخائن العميل حبيب أردوغان ورفيق هنية وابن الأمريكان».
الغارة الثقافية التي تعرض لها المشكك في جدوى قرار الحكومة إعلان «الإخوان» جماعة إرهابية لم تقف عند حد المقهى بل امتدت لتصل إلى ربوع مصر وأحشائها مترامية الأطراف حيث الهرم الاجتماعي المقلوب بقاعدته العريضة الرازحة في شكل أو آخر حول خط الفقر ومن ثم تحوم في شكل أو آخر في مجال جمعيات الجماعة «الخيرية» بحثاً عن طعام وعلاج وكساء وعمل إضافة إلى وعد جنة الخلد، وقمته القادرة على الطعام والعلاج والكساء والعمل في منتجعاتها المغلقة وبالوناتها المفرغة وتجمعاتها الخاصة حيث عداوة مبطنة لـ «عشوائية الفقراء» و «جهل الأغبياء» و «سطحية الممسكين بتلابيب الإسلاميين»، وبينهما طبقة متوسطة ذاقت الأمرين من هؤلاء وأولئك، فالأولى تمحو هوية مصر وتجبرها على ارتداء عباءة لا تناسبها، والثانية جرت مصر نحو هاوية الثورة حيث تجاذب الجيش و «الإخوان» البلاد والعباد.
كثيرون من العباد فرحوا للوهلة الأولى بإعلان الإخوة والحرائر والشباب عماد الثورة وعفاريت وربات بيوت وأطفال ورضع وزملائهم ضد الانقلاب جماعة إرهابية، إذ كان ذلك المطلب الأكثر طرحاً والأعلى ترديداً في الإعلام الرسمي والخاص على مدى أشهر. ليس هذا فقط، بل ان شعوراً شعبياً عارماً جارفاً ظل يكبر ويتنامي ويتوغل ويتأكد بتواتر التفجيرات وتحقق التفخيخات التي وعد بها مشايخ «رابعة» وحكماء مكتب الإرشاد بأن الجماعة إرهابية وأعضاءها مسهم الجنون وقواعدها تعمل على حرق مصر والانتقام من شعبها تدميراً أو قتلاً أو هدماً أو تفخيخاً أو فتنة سمعاً لأوامر القادة وطاعة لمخططات التنظيم.
ولأن تنظيم «الإخوان» يرفض أن يرى أو يستشعر أو يعترف بما يموج به الشارع المصري تجاهه، خرج بيان الجماعة أمس رداً على تجميد أموال 1055 جمعية أهلية مؤكداً للخطف الذهني. لم تجد الجماعة أفضل من سلاح الفتنة ولا أروع من ماكينة الإشاعات ولا أجمل من تأليه الذات لتجابه به قرار اعتبارها إرهابية وتجميد أموال الجمعيات.
«إنهم يفعلون ذلك كراهية في الإخوان بزعمهم ورغبة في سحب الشعبية عنهم. من أجل ذلك يحاربون الإسلام نفسه الذي يأمر بفعل الخير وإسداء المعروف والبر بالفقراء والمحتاجين. كما أنهم يحاربون الفقراء من الشعب الذين يتمسكون بالشرعية والحرية والديموقراطية بمزيدٍ من الفقر والعوز»، يقول البيان في إشارة مجمعة واضحة إلى أسلوب الجماعة المعتاد باعتبارها ممثلة الإسلام على الأرض، ومن يحاربها يحارب الإسلام. وزاد طين احتكار الإسلام بلة الفتنة وتوجيه الاتهام إلى المسيحيين، فوفق البيان «بعد هذه الحملة الشعواء على الجمعيات الخيرية الإسلامية، انفتح الباب على مصراعيه أمام المنظمات التبشيرية التنصيرية لإخراج فقراء المسلمين من دينهم».
فقراء المسلمين وأغنياؤهم ومتوسطو حالهم ومعهم المسيحيون وبقية شعب مصر اعتراهم شعور مبدئي بالراحة مع صدور قرار رسمي بعد قرارهم الشعبي باعتبار الإخوان جماعة إرهابية. لكن الراحة ليست نهاية المطاف. فبحسب استطلاع رأي أجراه موقع «اليوم السابع»، يرى نصف المصريين أن القرار سيعيد الاستقرار لمصر، فيما يرى النصف الآخر أنه لن يفعل.
وعلى سبيل التكهن، ومن باب التوقع، ومن أجل تبيان الموقف العام من المشهد المصري الآني، قال 35 في المئة من المصريين إن جماعة «الإخوان» هي من نفذ تفجير مديرية أمن الدقهلية الذي استند إليه القرار، فيما توقع ستة في المئة أن تكون جماعة «أنصار بيت المقدس» هي الفاعل (قبل إعلانها مسؤوليتها)، وقال ثلاثة في المئة إن حركة «حماس» تقف وراء الحادث، وتوقع خمسة في المئة أن تكون جماعات تكفيرية هي المنفذة. وفي حدث مفاجئ معاكس لميل المصريين الفطري إلى المعرفة، قال 46 في المئة إنهم لا يعرفون الفاعل. (وفق استطلاع أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة»).
الطريف والمثير والمحزن أن تعليقات المدونين والمغردين اعتبرت الـ46 في المئة إما هي «أعضاء في التنظيم الإرهابي» أو «طابور خامس» أو «خلايا نائمة»!
• عن صحيفة الحياة
|