الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:18 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأحد, 12-يناير-2014
المؤتمر نت -  طارق محمد عبدالله صالح بقلم: طارق محمد عبدالله صالح -
عن اشكالية تقسيم الاقاليم.. (دعوة لتفويض الشعب)..!
بات من الواضح أن كل قضايا الحوار الوطني بين فرقاء العملية السياسية المؤتلفين في فندق الموفمبيك اُختُزلت في موضوع (شكل الدولة) وأن كل التنظيرات التي كانت تتحدث خلال السنوات الماضية عن أزمات اقتصادية وسياسية، واجتماعية، وبنيوية، ومؤسسية" يعانيها اليمن وتقوده نحو الانهيار والفشل، كلها تمخضت، ليحتل ملف الأقلمة صدارة النقاشات داخل غرف الحوار ومجالس الساسة ونقاشات النخبة وتناولات الاعلاميين.

وجرى تصوير "الخارطة اليمنية" وكأنها عقدة الازمات ومفتاح الحلول، وكأنه لا مخرج من الازمات التي تضرب الجسد الوطني منذ ستة عقود إلا بإعادة فدرلة اليمن وتقسيمه إلى أقاليم وكنتونات تلبية لرغبات السياسيين وأجنداتهم وأهوائهم.. لا وفق رؤى علمية ووطنية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية العليا والإجماع الشعبي.

وبين من يصور أن إعادة رسم الخارطة اليمنية هي العقدة والحل.. ومن يطالب بإعادة تشكيلها لإقليمين وخمسة وستة ويتمسك برأيه دون أن يقدم أي توضيح بمسوغات ومساوئ هذا المقترح أو ذاك، وبين من يحذر من أن أي مساس بالخارطة الوطنية سيضر بالنسيج الاجتماعي.. ويبعث المشاريع الصغيرة والأكثر صغراً.. ويقود اليمنيين إلى حروب داحس والغبراء.. ويقود البلاد لسيناريوهات لا يعلم أحد منتهاها، يبدو جلياً لأي متابع أن إعادة تشكيل الخارطة والانخراط في تلك النقاشات حول الدولة الاتحادية القادمة والنظام الفيدرالي وخيارات تشكيل الأقاليم.. صار (شراً.. لا بد منه).
ووصفه هنا بـ"الشر" ليس من باب التجني فمخططات تفكيك المنطقة وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، تجري على قدم وساق، وشهدنا جزءاً من فصولها في السودان والعراق وسوريا ولبنان، وهي شواهد لا تبعث على الأمل أو التفاؤل، ففصل جنوب السودان لم ينه مسلسل الأزمات والمواجهات بين شطري السودان او داخل كل شطر على حده، كما أن تقسيم العراق إلى فيدراليات على أسس مذهبية وطائفية واثنيه لم يحسم الصراع ولم يوقف شلال الدم في هذا القطر العربي رغم ثرواته النفطية وإمكانياته البشرية والاقتصادية الهائلة.
مثل هذه المقارنات لا تبدو مطروحة على الصعيد اليمني، إذ أن أياً من النقاشات التي تدور اليوم عن خيارات وسيناريوهات "فدرلة اليمن" لم تأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي والخصوصية الجغرافية والجيوسياسية لليمن، ولم تدرس حتى مدى انسجام فكرة "الفيدرالية" من حيث المبدأ للواقع اليمني، كما أنها تجاهلت الكلفة المترتبة على تطبيقها وإعادة بناء الأجهزة والمؤسسات والبنى التحتية والإمكانات المادية والبشرية التي ينبغي رصدها والتي لا تتناسب والظروف الاقتصادية الذي تمر بها البلاد.

عدا عن ذلك فإن ما ينبغي أن يدركه الجالسون على طاولة الموفمبيك، أن أياً من الحلول التي سيقدمونها بخصوص شكل الدولة لا يجب أن يُقر بالإكراه ويفرض على قوى سياسية بعينها إرضاء لأطراف أخرى.. وينبغي أن لا تُفرض بحكم الأمر الواقع على المواطنين، وأن تلك الحلول ينبغي أن تلامس حاجات اليمنيين وتلبي تطلعاتهم وترتكز على ارادتهم الحرة في الاختيار، لأنها لو لم تضمن ذلك فإنها ستمثل أزمة جديدة تضاف لرصيد الأزمات وعبئاً إضافياً على قيادة اليمن.. ولن تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع ولن تكون أكثر من حبر على ورق.
والمخرج الوحيد للمؤتمرين في الموفمبيك هو تحويل الحوارات التي يتم ادارتها حالياً من نقاشات بين تنظيمات ومكونات سياسية إلى نقاشات مجتمعية (على المستوى المحلي) وأن يتجه مؤتمر الحوار لوضع الخطوط العريضة لشكل الدولة ويترك للمجتمعات المحلية في المحافظات حرية انشاء الأقاليم وحرية الاندماج مع محافظات اخرى ضمن اقليم من عدمه، وعبر الآلية التالية:

- اقرار المبادئ الأساسية والعامة لشكل الدولة ووضع النصوص الدستورية والقانونية التي تنظم طريقة توزيع السلطة والثروة على المستوى المحلي والوطني.
- اقرار المبادئ والقوانين التي تنظم عمل الاقليم (صلاحياته، مهامه، واجباته، مصادر الدخل والتمويل) وبما يحدد بشكل واضح توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم وآلية العمل بينها.
- بعد الانتهاء من اعداد الدستور وإجراء الانتخابات (الرئاسية والبرلمانية والمحلية) وفق قاعدة التقسيم المحلي الحالي للمحافظات.. تمنح السلطات المحلية (المنتخبة) الصلاحيات الكاملة التي تخولها القيام بالمهام التالية:
1- اعطاء الصلاحيات الكاملة للمجلس المحلي بالمحافظة لبحث الاندماج مع المحافظات المجاورة له، والبدء بعملية التفاوض مع السلطات المحلية المنتخبة في المحافظات الأخرى لتشكيل اقليم ضمن الدولة الاتحادية، وفق سقف (أعلى، وأدنى) يحدد عدد المحافظات التي يضمها كل اقليم.

2- أن ترتكز قواعد التفاوض بين المحافظات على تشكيل الاقاليم على قاعدتي (المصالح العامة، المنافع المتبادلة) والأخذ بعين الاعتبار العوامل الجغرافية والتضاريس التي تتنوع بين جبلية وزراعية ومنافذ بحرية وثروات نفطية والموارد الطبيعية سواء أكانت حيوانية أم نباتية.

3- إخضاع جميع المواطنين للنظام والقانون، وإعطاء الأولوية بفرص العمل في إطار الاقليم لأبنائه وبما لا يضر بمبدأ الكفاءة والقدرة، كون حصر الوظيفة في الانتماء للاقليم فقط دون الأخذ بهذين المبدأين سينعكس على الأداء العام.

4- أن يتمتع المواطنون في اطار الإقليم بكل الميزات والحقوق السياسية والاقتصادية، ويطبق معيار الانتماء للاقليم بالأخذ بـ(محل الميلاد، أو السكن، أو مقر العمل) وهو ما يؤخذ به في معظم الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

5- فيما يتعلق بالجيش الوطني والأجهزة الأمنية فهذا الأمر لا ينبغي أن يترك على طاولة النقاش بين السياسيين ما يخضع الأمر للحسابات السياسية والأمزجة الشخصية، فهنالك أنظمة معمول بها في مختلف دول العالم وهو ما ينبغي الأخذ به.

6- النص بشكل صريح وواضح في الدستور القادم على عدم جواز تحرك أي من الأقاليم بعد تشكيلها، من شأنه الإضرار بوحدة وسلامة وأمن واستقرار اليمن.

ولعل الأخذ بهذه الآلية –القابلة للتطوير- سيضمن التأسيس لمستقبل مستقر وآمن بعيداً عن الصراعات والتخندقات السياسية والحزبية والحسابات الشخصية والجهوية، كما أن الأخذ بها كفيل بالخروج من مأزق المساومات السياسية ومسلسل الابتزاز الذي تمارسه بعض الأطراف على القيادة السياسية، إضافة إلى كونها سترضي وتقطع الطريق على جميع المكونات بما فيها الحزب الاشتراكي والحراك الجنوبي (الداخل والخارج) والذي يطالب جزء منه بخيار الاقليمين والعودة لحدود ما قبل العام 1990م، كما ينادي طيف آخر بما يسمونه "تقرير المصير".

فأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية هم من سيقررون بأنفسهم عبر المحليات التي تمثلهم والتي منحوها ثقتهم.. ما إذا كانوا يريدون الانضواء ضمن اقليم واحد أو بخلاف ذلك، وبما من شأنه إسقاط كل اشكال المزايدة بقضاياهم والحديث باسمهم وسحب الذرائع التي تسوق لها بعض الأطراف خارجياً للنيل من وحدة اليمن وأمنه واستقراره.
وأخيراً.. وكي لا يتحول (مسار الحل) إلى عقدة وأزمة جديدة، لنكتشف مستقبلاً أنه لم يكن إلا مخطط لتقليم اليمن وتفتيته وأضعاف قوته بجره لصراعات بينية بين أطيافه ومكوناته، فإن خطوات أقلمة اليمن لا ينبغي أن تتم بمعزل عن إجراءات موازية تعزز الاندماج والتماسك بين مكونات وأطياف المجتمع وتعزز من قيم الانتماء والولاء والهوية الوطنية.

ولعل أحد أهم هذه الخطوات هو إعادة العمل بقانون الخدمة الاجبارية ونقل الشباب من مختلف مناطق اليمن لأداء الخدمة العسكرية في اقليم آخر، بما من شأنه التخفيف من عملية التجنيد النظامي في القوات المسلحة والأمن وما يرافقها من اشكالات في مقدمتها زيادة العبء على موازنة الدولة، كما أن من شأنها إعادة بناء جيل يتمتع بالولاء والانتماء الوطني.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر