نبيل عبدالرب -
الدستور.. سياسة وصياغة (2- 2)
فرصة تاريخية واتت اليمنيين للتغيير والانتقال إلى حيث يريدون في المستقبل، وبعد نجاح التسوية السياسية –ولو كان النجاح ما يزال هشاً- المبنية على المبادرة الخليجية، ونجاح مؤتمر الحوار الوطني في وضع مؤشرات عامة لمعالجة المشكلات اليمنية، ها هم اليوم ينتقلون إلى خطوة مفصلية، وخلاصة جوهرية لكل ما تم سابقاً، بالبدء في صياغة دستور جديد يمثل صلب الفرصة التاريخية، كونه وليد ظروف استثنائية، ويحظى برعاية دولية ستجعل من الصعب لاحقاً إخضاعه لتعديلات تفصله على مقاسات خارطة القوى السياسية.
الأهمية الاستثنائية للدستور الاستثنائي –من حيث كونه فرصة من الصعب تعويضها- تحمل الأطراف السياسية مسؤولية استثنائية تاريخية ووطنية، تحتم عليها الشروع في مفاوضات أو حوارات كما نحب نحن اليمنيين تسميتها، للإجابة على أسئلة سياسية لن تستطيع لجنة صياغة الدستور فنية الطابع والمهام، البت فيها وبلورتها في نصوص دستورية دون اتفاقات سياسية مسبقة.
ومضياً في تأكيد الجزء السابق من هذه المناقشة على التركيز في قضيتي شكل الدولة، والنظام الانتخابي لصلتهما بالقضية الجنوبية جوهر الإشكالية السياسية اليمنية سأحاول طرح بعض الاستفهامات التي تحتاج إجابات سياسية من القوى السياسية قبل الإجابات القانونية من لجنة صياغة الدستور.
عانت التسوية السياسية عقب توقيع المبادرة الخليجية وآليتها الكثير من الترحيلات للمشكلات بدءاً من إحالة تفاصيل إلى مؤتمر الحوار، وهذا كان طبيعياً لمبادرة خارجية، لكن المؤتمر على تجاوزه الفترة المحددة في لائحته لفعالياته رحل إشكاليات إلى لجنة الأقاليم، غير إحالات ترك معالجتها للدستور، وأتاحت وثيقة الحوار إمكانية إحالات أو ترحيلات جديدة للمشكلات إلى القانون أو القوانين الاتحادية، كإحالة شراكة إدارة الموارد الطبيعية بين المركز، والأقاليم، والولاية إلى القانون الاتحادي. وهنا تأتي استفهامات عن قدر التفاصيل التي سيتضمنها الدستور وتلك التي سيرحلها للقوانين الاتحادية.
أخشى ما يخشاه المرء أن تكون هشاشة الوضع السياسي مبرراً –قديماً جديداً- لصياغة دستور مختزل على نمط دساتير الدول الاتحادية العريقة، وليس على خطى دساتير دول اتحادية ناشئة حرصت على تضمينها تفاصيل تراعي فارق الثقافة والتقاليد السياسية بينها وبين الفدراليات القديمة.
من البديهي أن الدستور بحكم وضعه كأب أو مرجعية للقوانين، وبطبيعة إجراءات بنائه ونفاذه وكذا تعديلاته، يتمتع بمشروعية لا تتوافر لأي قانون أدنى. ولذلك لعل من المناسب ألا يضع السياسيون ولجنة الصياغة عدد أوراق الدستور هاجساً وهّماً، فالحاجة ملحة لأن يعالج الدستور المقبل –لا غيره- تحديد توزيع السلطات والثروات بين السلطة الاتحادية، وسلطات الأقاليم والولايات، ومسائل حل النزاعات في الاختصاصات، وحق النقض من عدمه للأقاليم في أية تعديلات دستورية، وكيفية تقسيم الاختصاصات المالية والنقدية، وكذلك الترتيبات السياسية الأساسية المتصلة بنظام الحكم، والنظام الانتخابي.
وعلى صلة بما سبق تضمين الدستور تدابير لتحقيق عدالة التمثيل بين الأقاليم، بما في ذلك النظام الانتخابي وكفالته التمثيل العادل على أساس العمليات الانتخابية.
وفي هذه الناحية أقر مؤتمر الحوار نظام التمثيل النسبي وفقاً للقائمة المغلقة، بيد أنه رحّل تحديد الدوائر وهو ما ينبغي أن تتولى القوى السياسية ولجنة الصياغة تعيين عددها على أساس الأقاليم أو الولايات أو على الأقل معايير لتحديدها في الدستور، وكذلك وضع نصوص انتقالية تعالج وضع تمثيل الجنوب مناصفة في الدورة الانتخابية الأولى، والمزاوجة بين المساحة والثقل السكاني لاحقاً، حسب موجهات وثيقة القضية الجنوبية وبما يجنبنا استخدام التمثيل ذريعة لإجراء تعديلات دستورية في أقرب فرصة.
اليمنيون اليوم بحاجة لدستور كامل شامل يجنبهم العبث بأهم وثيقة سياسية حسب الأمزجة، وخارطة القوة، وقلق الكرسي.. دستور مستقر يفضي إلى استقرار البلد.
*******