نبيل عبدالرب -
المواجهة الناقصة مع القاعدة (1-2)
منذ ما يقارب الشهر يخوض الجيش والأمن ملاحم بطولية في ساحات الاستشهاد الحقيقية بمناطق في محافظتي أبين وشبوة تمكنت عناصر تنظيم القاعدة من السيطرة عليها في وقت سابق. ومن الواضح إن رجالات الجيش والأمن يحققون انتصارات على القاعدة، بصرف النظر عن المبالغات التي تتناقلها وسائل الإعلام.
الملفت في الحملة الإعلامية المرافقة للحملة العسكرية والأمنية، صدور تصريحات حماسية من قيادات عسكرية تؤكد العزم على استئصال شأفة الإرهاب. وهذا ما نتمناه، ولا نعتقده بسبب الطبيعة الفكرية والتنظيمية للقاعدة، فهو للأسف ليس جيشاً نظامياً يمكن هزيمته بتفوق العدد والعتاد والاستيلاء على الأهداف، الجغرافية خصوصاً.
ربما يكون مناسباً محاولة توصيف القاعدة تاريخاً وفكراً وتنظيماً لتحديد أبعاد المواجهة، للتخفيف من تأثيرها، وليس لاستئصالها الذي يبدو مستحيلاً في مكونات المشهد الوطني والدولي الراهن.
يصل عمر التنظيم الدولي للقاعدة إلى حوالي ثلاثة عقود، بدأت مع تفويجات أنظمة عربية وإسلامية لـ"المجاهدين" إلى أفغانستان لـ"جهاد" الاتحاد السوفيتي وأتباعه الشيوعيين "الملاحدة" ومن ثم تولي المرحوم الشيخ أسامة بن لادن إنشاء "قاعدة" بيانات لـ"المجاهدين" قبل أن تضع الحرب أوزارها. وتكونت قاعدة بن لادن من خليط ضم إلى جانب خبرة الأساليب القتالية والاستخباراتية التي اكتسبتها من الحرب ضد ثاني أقوى جيش في العالم، خبرات مهنية شديدة التنوع، ومستويات تعليمية متفاوتة، فتشكلت من أطباء، وعسكريين، ومهندسين، وتقنيين، ورجال مخابرات، وأصحاب شهادات متقدمة وشباب قليلي التعليم، وكذلك خليط متعدد الجنسيات والثقافات، تجمعهم كلهم عقيدة سلفية تعطي الجهاد أولوية من بين الخيارات الدينية في أدبياتها الفكرية.
وبعد انتهاء الحرب الأفغانية عاد "المجاهدون" كل إلى وطنه ليشكلوا ما عُرف لاحقاً بالأفغان العرب. وتفاوتت علاقة هؤلاء العائدين مع السلطات الحاكمة في بلدانهم، لكنها بمجملها كانت أكثر ميولاً إلى عدم الاصطدام، والحفاظ على ود سنوت الحرب الأفغانية، ولم تطُل هذه الفترة وأخذت العلاقة بالتحول إلى العداء مع الإعتداء الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق بداية العام 1991م، وإقامة قواعد عسكرية أمريكية على الأرض في دول خليجية.
وبتوتر العلاقة القاعدية مع السلطات شرع الأفغان العرب بإعادة ترتيب صفوفهم على مستوى الأقطار وتجنيد عناصر جديدة وتنفيذ عمليات في العديد من البلدان وبالأخص اليمن والسعودية، لكنها في معظمها ضد أهداف غربية.
ونقل "المجاهدون القدامى" خبرات الحرب والتنظيم والاتصال والتمويل والاستقطاب إلى "المجاهدين الجدد" مستغلين سيطرة حركة طالبان السلفية على معظم مساحة أفغانستان. في توفير ملاذاً آمن للتنظيم وقاعدة جغرافية لما يمكن تسميته بمقر القيادة المركزية بزعامة بن لادن.
منعطف آخر في حياة تنظيم القاعدة وعلاقاته جاء مع تبنيه لأكبر عملية، وهذه المرة في عمق الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأعظم في العالم من خلال طائرات مدنية بعضها نجح في استهداف رموز للقوة الأمريكية، البنتاجون، وبرجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001م.
وكان الحادث فرصة للولايات المتحدة لقيادة اصطفاف دولي ضد "الإرهاب" وإرغام العالم على تبني وجهة النظر الأمريكية في تعريف الإرهاب وأسلوب محاربته، بما في ذلك استغلال هجمات سبتمبر في تمرير اتفاقيات أممية لمحاربة الإرهاب، والسيطرة على أفغانستان واحتلال العراق.
ورغم تأثير الحرب الأمريكية في حرمان القاعدة من أرض آمنة بقضائها على حكم طالبان في أفغانستان، إلا أن الاستغلال البشع لأحداث سبتمبر قَوّى من حجية الفكر الجهادي، وأكسب القاعدة تعاطفاً في الأوساط الاجتماعية الإسلامية المحافظة، ومنحها مرونة في التحرك وخبرة جديدة في طرق المواجهة، للأسف أضرت ببلدان إسلامية أكثر من الولايات المتحدة.
يتبع العدد القادم بمشيئة الله...
*******