صادق السالمي - المؤتمر الشعبي العام ومسيرة الوحدة لم تكن الوحدة بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام شعارا للمزايدة او لدغدغة عواطف الشعب من اجل الحصول على الشرعية والشعبية كما انها لم تكن خيار ضرورة يراد بها الهروب من ازمات ومؤامرات الداخل ولم تكن حلا اجباريا فرضه العجز عن حل الاشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانما كانت الوحدة بالنسبة للمؤتمر ثابتا وطنيا وارضية نشأ عليها المؤتمر وكانت محددا لسياساته وتوجهاته ومواقفه سواء منذ تأسيسه كمؤتمر يمثل كل فئات وشرائح الشعب في عام واحد وثمانين او كحزب سياسي في عام تسعين.
لقد اخذ المؤتمر الشعبي العام على عاتقه مسؤولية بناء الوطن منذ تأسيسه وعمل جاهدا مع كل الشرفاء والوطنيين على تحقيق احلام وآمال وطموحات اليمنيين جميعا ليس في حدود امكانيات الوطن المتاحة والمتواضعة وانما تجاوزها من خلال انتهاجه لسياسات خارجية على درجة عالية من المرونة والدبلوماسية عززت امكانياتنا المحدودة ورفدتها بما جعل المؤتمر قادر على تحقيق الكثير مما كان يحلم ويصبو ويطمح اليه المواطن اليمني ولن اتجاوز الحقيقة اذا قلت انه تحقق للوطن والمواطن الكثير مما لم يكن يحلم ونحلم به..
لقد كان المؤتمر منذ تأسيسه عند حسن ظن الوطن والمواطن وكان اهلا للثقة التي منحها اياها فكان المؤتمر هو حمامة السلام التي حملت غصن الزيتون لجميع افراد الشعب اليمني ايمانا منه بأن الدم اليمني غالي ويجب الحفاظ عليه و مهما كان الثمن فسيظل ارخص من اي قطرة دم يمنية تراق لذلك كان مؤتمر مصالحه وطني انهى فصول طويلة من الاقتتال والنزاع السياسي الذي كان دائرا في المناطق الوسطى والذي امتد لاكثر من خمسة عشر عام وتجاوز ضحاياه المائتي الف بين قتيل وجريح كما عمل المؤتمر على انهاء حالة الاحتقان السياسي مع الجنوب وترافق ذلك مع تفعيل لجان الوحدة واقرار دستورها ..
لقد سعى المؤتمر وعمل بكل طاقاته على تحقيق ماكان يحلم به المواطن فدشن خطط تنموية وانجز الكثير من المشاريع الاستراتيجية التي عادت بالخير وعمت فوائدها كل ربوع الوطن فبني الجيش على اسس وطنية وزود بالاليات والمعدات الحديثه و شقت الطرقات وبنيت المدارس والمستشفيات ونفذت مشاريع استراتيجيه عملاقه مثل شبكة الكهرباء وبناء سد مأرب واستخراج النفط وكلها كانت انجازات عملاقه لبت آمال وطموحات الوطن و المواطن ولم يتبقى مما يحلم به المواطن اليمني سوى اكبر احلامه واغلى امانيه وهي وحدة اليمن فلم يبخل عليه المؤتمر بها وعمل على تحقيقها بكل طاقاته وجهوده وخاض من اجلها مواجهات داخلية وخارجية عنيفة وتجاوز كل المعوقات والتحديات وحالة الرفض الداخلي التي كانت تبديها كل مراكز القوى في الداخل كما تجاوز العوائق الخارجية التي كان رفضها وممانعتها لقيام الوحدة اكثر مما كان عليه الحال في الداخل ومع هذا فقد قفز المؤتمر فوق كل هذه التعقيدات واتخذ قرار الوحدة وكان اقل مايوصف به هذا القرار هو انه مغامرة ومجازفة قرر المؤتمر القيام بها وتحمل نتائجها اي كانت في سبيل تحقيق حلم المواطن اليمني فتوج المؤتمر مشاريعه العملاقه وانجازاته الوطنية باكبر انجاز يمني ليس في العصر الحديث وانما منذ العصور الوسطى وهذا الانجاز هو الوحدة اليمنية ومرادفها الذي لا يقل حجما عنها وهو التجربة الديموقراطية..
لم تكن الوحدة هدف المؤتمر ولاغايته كمكون سياسي لانه كان في حينها كيان لكل المكونات و التيارات السياسيه اليمنية بواسع طيفها اليساري واليميني والقومي ولم يكن المؤتمر يسعى اليها من اجل ان يجعل منها منجز يضاف للرصيد الشخصي لامينه العام حينها وانما كان يسعى اليها لانه كمؤتمر يظم جميع فئات وشرائح الشعب يعبر عن تطلعات وآمال الشعب اليمني باكمله وكان الشعب يريد الوحدة وكان المؤتمر هو المعبر عن هذه الارادة فكان ان تحققت ارادة الشعب واعيد تحقيق الوحدة في مغامرة كان يمكن ان يكون ثمنها المؤتمر الشعبي العام اذ ان الوحدة ترافقت مع خروج الاحزاب السياسيه الى العمل العلني ولم يكن المؤتمر حزب حينها ووجد نفسه في معمعة الحياة السياسية وسط احزاب يبلغ عمر تجربة كل منها مالايقل عن الاربعة عقود ومع هذا فقد كانت الوحدة بالنسبة للمؤتمر اغلى من المؤتمر نفسه..
ولم تنتهي مهمة المؤتمر عند تحقيق الوحدة فقد وجد نفسه مضطرا لخوض معركة الدفاع عنها نيابة عن الشعب اليمني ابتداءا من يوم اعلانها وخاض معركة الدفاع عنها امام القوى الرجعيه التي رفضت دستورها فكانت معركة الدفاع عن دستور دولة الوحدة اول معركة خاضها المؤتمر دفاعا عن الوحدة وانتصر فيها لارادة الشعب وكانت المرحلة الانتقالية كلها معارك دفاع عن الوحدة وكانت انتخابات ثلاثة وتسعين ثاني اكبر معركة يخوضها المؤتمر دفاعا عن الوحدة وعن دستورها وعن تجربتها الديمقراطية بعد رفض الحزب الاشتراكي حينها لنتائج الانتخابات التي شهد العالم باكمله بنزاهتها ..
ووقع على نتائجها اعضاء ومراقبي الحزب في جميع اللجان الفرعية والاصلية والاشرافية واللجنة العليا لكن الحزب لم تعجبه النتائج ولم يحتكم لخيار الديموقراطية التي طالما تغنى بها ولا لنتائج الصناديق الانتخابية المعبرة عن ارادة الشعب التي منحت المؤتمر حينها الاغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة دون حاجة للاصلاح والاشتراكي وكان يكفيه مشاركة كتلة المستقلين او بعض الاحزاب الصغيره..
ورغم اغلاق دوائر الجنوب عليه الا ان الاشتراكي لم يرض بالنتائج التي جعلته يحل ثالثا فعمل على ادخال البلاد في ازمة وهدد بالانفصال اذا لم يدخل شريكا في الحكومة وكانت هذه ثاني المعارك التي دافع بها المؤتمر عن الوحدة فتنازل عن حقه الدستوري في تشكيل الحكومة كحزب حصل على الاغلبية ومنح رئاسة الوزراء للاشتراكي ومنحه ثلث الحكومة واهم وزاراتها وتنازل عن رئاسة مجلس النواب للاصلاح واكتفى بموقع النائب مثله مثل الاشتراكي رغم انه كان يملك مائه واثنين وثلاثين نائب مقارنة بستة وخمسين للاشتراكي وثلاثة وستين للاصلاح ولكنكانت الوحدة بالنسبة للمؤتمر اغلى من كل المناصب والمواقع الحكومية..
ورغم هذه التنازلات من اجل الوحدة فلم يقبل الطرف الاخر فاعقبها المؤتمر بتنازل آخر هو توقيع اتفاقية العهد والاتفاق ومع هذا واصل الطرف الاخر تصعيده وابتزازه ظنا منه ان كل تنازل يقدمه المؤتمر دفاعا عن الوحدة هوضعف من المؤتمر فواصل تصعيده الذي انتهى بحرب الانفصال في عام اربعة وتسعين والذي لم يخوض فيها المؤتمر الشعبي هذه المرة حربا سياسيه او دبلوماسيه او اعلاميه وانما مواجهة عسكريه قدم فيها المؤتمر قوافل من الشهداء من ابنائه واعضائه في الشمال والجنوب كما قدمت كل القوى الوطنية والوحدوية شمالا وجنوب قوافل من الشهداء الى جانب شهداء قواتنا المسلحه الشرفاء الذي لم يبخلو بارواحهم ودماؤهم في معركة الدفاع عن الوحدة التي انتهت بالنصر لجميع القوى الوحدويه بقيادة المؤتمر وانتهت هذه المعركة بالانتصار لارادة الشعب وترسيخ وحدته رغم خسائرها المادية والبشرية التي مهما عظمت تظل ارخص واقل من وحدة الشعب اليمني...
وقد يطول الحديث عن المعارك التي خاضها المؤتمر دفاعا عن الوحدة لكنها بدون مبالغه قد تكون بعدد الايام التي مرت علينا ليس من تاريخ الثاني وعشرين المجيد وانما من تاريخ تأسيس المؤتمر الشعبي العام وآخرها المعركة المستمرة التي تدور احداثها امام اعين الجميع منذ بداية ازمة الفين واحدى عشر الى اليوم والتي تنازل فيها المؤتمر عن حقوقه الدستورية في السلطة بمختلف مؤسساتها سواء الرئاسة او الحكومة او مجلس النواب وذلك حفاظا على وحدة وامن وسلامة واستقرار الوطن وحفاظا على دماء ابنائه الزكية التي هي اغلى من ان تراق قطرة واحده منها في سبيل اي مكسب سياسي..
وتشاء الاقدار الا ان تضع على عاتق المؤتمر مهمة الحفاظ على وحدة الوطن في هذه اللحظات الحرجه التي تكالبت فيها كل القوى داخليا وخارجيا على الوطن في محاولة لتمزيقه وتقسيمه وكعادة المؤتمر حزب المهام الصعبة والانجازات العظيمه حزب الوطن الذي لاينفصل عنه ولايتأخر عن الذود عنه فلم يتأخر في تلبية نداء الوطن وسارع الى انقاذه من المؤامرات التي تتهدده في وقت ساومت فيه كل القوى على وحدة الوطن وقبلت بمخططات تجزئته مقابل الحصول على مكاسب سياسيه وشخصيه تافهه ومهما بلغ حجمها فهي ادنى من ان تقارن بمكتسب بحجم وحدة الوطن التي هب المؤتمر للدفاع عنها بمفرده كمكون سياسي لكنه يقف الى جانب خمسه وعشرين مليون يمني لايساومون عن وحدتهم ولايتخلون عنها ولديهم استعداد للموت من اجلها ..
وقف المؤتمر صامدا شامخا مدافعا عن الوحدة على ارضية قوامها ملايين اليمنيين وقف المؤتمر رافضا كل الاغراءات الداخلية والخارجية متحديا كل الضغوطات والتهديدات الداخلية والخارجية مستمدا ارادته من ارادة الشعب مستمدا صلابته وشموخه من صلابة ورسوخ وشموخ تراب وصخور وجبال الوطن فانتصر لوحدة اليمن ارضا وانسانا ..
|