الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:35 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
المؤتمر نت -  حمود خالد الصوفي

الأحد, 03-أغسطس-2014
حمود خالد الصوفي -
رفع الدعم.. مشروعية القرار.. وتعثُّرُ المسار
لا شك أن الخطوة التي قامت بها الحكومة في قرارها زيادة أسعار المشتقات النفطية قد أثارت إنقساماً في تقديرات الخبراء والمتخصصين في هذا الشأن ، وكذلك بين السياسين والبسطاء والفقراء والأغنياء.

لا يهمني هنا أراء السياسيين... لأني أعلم أن مواقفهم ليس لها أي ارتباط منهجي مع القضايا الإقتصادية .. ومسبقاً أعلم أنهم سيسلكون مسلك النأي بالنفس عن أي مسئوليةٍ عن هذا القرار ، باعتباره لا يحظى بشعبيةٍ في الأوساط الإنتخابية ، وبالذات الفقراء منهم، وبالتالي سوف تعلن الأحزاب براءتها من هذا القرار براءة الذئب من دم بن يعقوب ، لا يهمها إن كان الناس يعلمون أنها أي الأحزاب هي من صنع هذه القرارات عبر حكومتها التوافقية المُشَكَّلَةِ من كل هذه الأحزاب ، وبالذات أحزاب الائتلافين الرئيسيين.

ما يهمني هنا : هو أراء الخبراء والمختصين في الشأن الإقتصادي ، حيث يرى البعض أنها ضرورية” مثل الدواء... طعمه مر” ، لكنه يقود في النهاية إلى التعافي والشفاء... بينما هناك من يقول أنها ستضاعف من الأعباء على كاهل شريحةٍ عريضةٍ من المواطنين . .. وتوجد فئة” ثالثة” تنظر للمسألة بطريقةِ ( نعم ! ولكن ) .. بمعنى أنها خطوة” في الاتجاه الصحيح ، ولكن لابد أن تصاحبها خطوات” أخرى قبل ،ومع، وبعد قرار زيادة الأسعار ضماناً لنتائج إيجابية.

ولأن الموضوع في غاية الأهمية والحيوية والخطورة أيضاً ، وله تأثيراته المستقبلية ، فقد كان من الواجب أن تسبقه أو تصاحبه أو تتلوه حزمة” من الإجراءات التكميلية .. لأن زيادة الأسعار ليست سوى نقطة” في بحرٍ إقتصاديٍ عميق يحتاج كل من يعبره إلى إرادةٍ سياسية قوية ، وتصوراتٍ اقتصاديةٍ محكمة ، وفوق هذا وذاك إسهامات وطنية من المهتمين وذوي الشأن بغض النظر عن مواقفهم السياسية والأيدلوجية ، لأن المسألة تتجاوز ( مع أو ضد ) إلى الإنفتاح على الصورةِ الكاملةِ بأبعادها الوطنية .. لأن الهدف أسمى من أن يحتمل أي نوعٍ من تصفية الحسابات .. بل لابد من الوصول إلى نتيجةٍ توضح الجوانب القريبة والبعيدة في قضية زيادة الأسعار، وقسوة الإجراءات لنتمكن من العبور والإنطلاق على أسسٍ علميةٍ صحيحة.

إن أول خطوةٍ في هذا المضمار : تتمثل في وجود مكاشفةٍ حقيقيةٍ مع الناس حول طبيعة الأوضاع الإقتصادية ، وعلاقة الأمر بالمنهجية وجوانب الإختلالات والفساد وحقيقة الموارد الضائعة أو المهدورة... ثم وضع إستراتيجية لتحويل الوفر من زيادة الأسعار إلى استثمارات عامة للنمو والتنمية ، وتعظيم الإيرادات من خلال توسيع أوعية التحصيل الضريبي والجمركي، ومكافحة التهرب الضريبي من كبار المكلفين، وخفض حقيقي في النفقات الإستهلاكية والترفيهية غير الضرورية ،وضبط التوسع فى الإنفاق العام لغير أغراض التنمية ، ودعم شبكة الحماية الإجتماعية ،ووقف استيراد السلع الكمالية المستفزة لحماية عائدات البلاد ـ المحدودة ـ من النقد الأجنبي... مع توضيح الإستثمارات التي سوف يُخَصَّصُ لها وفورات فوارق أسعار الوقود ، وبرامج الأمان الإجتماعي لحماية الفئات الفقيرة... أي أنه كان ينبغي على الحكومة أن تعلن- دون أي لبس -حصيلة ما سينتج عن رفع الدعم ، وأوجه أنفاق هذه الحصيلة ، والمشروعات التي ستدخل حيز التنفيذ ،واسم كل مشروعٍ ومكانه، وحجم ميزانيته، والجهة المسئؤلة عن تنفيذه ، والجدول الزمني المحدد للمشروع، مع التركيز على قطاعات الطرق والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية،حتى يثق الناس من استفادتهم من عائدات ارتفاع الأسعار.

أما الخطوة الثانية ، فهي أنه ينبغي على الحكومة إجراء دراسةٍ شاملةٍ عن الآثار المترتبة على هكذا قرارات ، وبالذات في جوانب الضغوط والأعباء التي - حتماً - ستتحملها الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وبالذات الموظفين، والعاملين في كافة القطاعات ، والمستفيدين من شبكة الضمان الإجتماعي ، والمعرضة - هي قبل غيرها - لتجرع مرارة نتائج هذه القرارات إثر اختلال منظومة الأسعار للسلع والخدمات الأساسية.. كنتيجةٍ حتمية لارتفاع أسعار البنزين والسولار وانعكاسها على تكلفة النقل ، سواءً للإفراد نتيجة ارتفاع تسعيرة الباصات والتاكسي التي يستخدمها منخفضو الدخل والفقراء في تنقلاتهم، أو تكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية ونقلها ، والذي سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار هذه السلع وهي المصدر الرئيسي لمحدودي الدخل والفقراء..

إذ كيف يمكن إلغاء دعم الطاقة ورفع أسعارها دون المساس بتكلفة معيشة الموظفين ومحدودي الدخل والمشمولين بشبكة الحماية الإجتماعية.؟

ولا اعتبار هنا لحديث بعض المسئولين في الحكومة عن عدم وجود علاقةٍ بين رفع أسعار المشتقات النفطية وبين ارتفاع أسعار السلع والخدمات،. فالمنتجات البترولية هي كالدائرة التي تشتعل بصورةٍ تلقائيةٍ بمجرد اشتعال النار في أي طرفٍ من أطرافها... والمطلوب هو المواجهة الشجاعة والعملية لهذه النتائج وليس ذر الرماد على العيون.

لكن تصريحات بعض المتطوعين للدفاع عن الحكومة تفتقد إلى الكياسة، والمنطق، ولا تحترم عقول الناس .. عندما تقول إن رفع أسعار الوقود لن يكون له تأثير” على الأسعار ، وأن هذه الإجراءات لن تطال الفقراء... أو أن أسعار الوقود هي الأقل في العالم، متناسين أن دخل الإنسان اليمني وقيمة عملته هي الأقل في العالم أيضاً ، وأن ما يتقاضاه الموظف لا يكاد يكفيه وأسرته لتغطية أيامٍ معدودات من أيام الشهر.. بعبارة أخرى لا أعتقد أن علينا أن ندفع فاتورة الوقود بالسعر العالمي ،ونتقاضى مرتباتنا بالسعر المحلي( يحتاج هذا الأمر إلى معجزةْ من الحكومة ).

الأمر الأكثر أهمية في هذه المنظومة: هو غياب العدالة في الإجراءات إذ لا يعقل، ولا يمكن أن يقبل إنسان” رشيد أن تُقْدم الحكومة على قرارات من هذا النوع وتدير ظهرها للعاملين في أجهزة الدولة والقطاع الخاص، وأصحاب المعاشات التقاعدية، والفئات المستفيدة من الضمان الإجتماعي دون معالجات جادة لمواجهة الوضع الجديد .. خاصةً وأن الحكومة تعلم حجم الإختلالات العميقة في هيكل الأجور سواءً في القطاع الحكومي أو في قطاع المال والأعمال والقطاع الخاص وبأنها تنذر بعواقب كارثية إذا لم توضع سياسات لعلاجها، وبالذات قطاع الدولة الذي أصبح مع الإختلالات والتشوهات التي أصابته في الفترة الأخيرة ... نتيجة الإنفلات والتراجع عن برنامج الإصلاح الإداري، والالتفاف على هيكل الأجور المحدد في القانون، وبرنامج إستراتيجية الأجور والمرتبات، ناهيك عن سياسة الغنائم والفيد التي أعقبت أزمة ٢٠١١ ، واجتاحت بعض القطاعات، الحكومية عن طريق توظيف الآلاف بمعايير سياسية، وهو ما دفع بمستوى التضخم إلى أرقام فلكية حيث أصبح حجم العمالة في قطاع الدولة من أكبر المعدلات في العالم مقارنةً بعدد السكان.

سيكون من الإجحاف بل من الظلم إنفاذ هذه القرارات دون إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور.. إذ لا يعقل أن يظل في حالة سكون كما تم إقراره في العام ٢٠٠٥،رغم ما طرأ على أسعار السلع الأساسية من زيادات، وتراجع مداخيل الأسر الفقيرة، ومحدودي الدخل بسبب ارتفاع معدل التضخم ، وسيكون على الحكومة أن تتخذ القرارات المصاحبة ، وأولها رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى خط الفقر الذي قارب الخمسين الف ريال حسب نتائج مسوحات موازنة الأسرة، التي تجريها الأجهزة المعنية..

ناهيك عن أن الحد الأدنى للأجور مسألة أخلاقية، تقرها جميع الشرائع، وليست اليمن بدعة بين شعوب الأرض. فوجود حد أدنى يكفل للموظف الحياة الكريمة، هو حق من حقوق الإنسان الذي توافقت عليه البشرية ونص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، ومواثيق منظمة العمل الدولية... إضافة إلى أن هذا الأمر مقر” في القانون اليمني ونصت إستراتيجية الأجور على الحد الأدنى الذي يكفل الحياة الكريمة للعامل وأسرته، لتغطية الحاجات الأساسية من سكن وملبس وتعليم ورعاية صحية في ضوء مستويات الأسعار السائدة ومتوسط معدلات الإعالة، مع ضمان مراجعة ذلك دورياً في ضوء معدلات التضخم لضمان الحفاظ على القوة الشرائية والقيم الحقيقية للأجور دون انخفاض.

قد يقول قائل” إن رفع الحد الأدنى وزيادة المرتبات وتنفيذ برنامج شامل للحماية الإجتماعية سوف يكلف الموازنة العامة للدولة أعبأً إضافية ويعود بعجز الموازنة إلى المربع الأحمر... لكن هذا الرأي مردود” عليه بأن إجراءات الحماية الإجتماعية وتحسين أوضاع الناس هي الوظيفة الأساسية للدولة بموجب العقد الإجتماعي بينهاوبين المجتمع ، إضافةً إلى أن برامج الحماية الإجتماعية تستهدف الفقراء، وتستبعد من لا يستحقون الدعم ، وهي -بالتأكيد- تقل كثيراً- عن الوفورات من رفع أسعار الوقود.. كذلك فإن نقل جانب من الدعم الحكومي الذي كان يشمل الأغنياء والفقراء على حدٍ سواء، ليستهدف الأكثر فقراً واحتياجاً ..هو في حد ذاته مكسب” كبير” لأنه ينطوي على إعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء ، لذلك فهو يساعد على تقليص عجز الموازنة ، وفي ذات الوقت يحقق عائداً إجتماعياً أفضل وأكثر عدالة.

خلاصة الرأي في قرار رفع الدعم، هو أنه ومن حيث المبدأ وقواعد الإقتصاد وآلية السوق، فإننا أمام قرارات سليمة وواقعية في مواجهة وضعٍ اقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ، خاصة إذا ترافقت مع التدابير المصاحبة التي تم تناولها هنا، وهي تدابير ضرورية لإدراك حالة من التوازن الحكومي والمجتمعي... لأن هذه القرارات بدون الإجراءات التكميلية مهما كانت سليمة إلا إن المواطن ليس ملزم” أن يدفع حياته قرباناً لحكومات فاشلة وفاسدةٍ، ومسئولين لا يخافون الله فيه لحظة واحدة،... نحن أمام مواطنٍ ساءت حالته، وهو غير مسئول عن مرضه، ولكن إهمال الأطباء وفساد الأدوية، والعمليات الجراحية الخاطئة كانت وراء انهياره وتصدع قوته.

عن اليمن اليوم




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر