يحيي نوري -
الإعلام والإرهاب والمكاشفة
بما أن الزنداني في حديثه للفضائية اليمنية قد تحدث عن الإعلام وكاد أن يحمله المسؤولية كاملة جراء ما تشهده البلاد من تداعيات خطيرة للإرهاب، ولكون الحديث عن الإعلام بات يصدر عن كثيرين في أغلبهم غير مرتاحين لمستوى أدائه، بل وعجزه عن مواكبة التحولات الكبرى التي تشهدها اليمن، فإن كل ذلك يجعلنا نطالب الأسرة الإعلامية في الجهاز الإعلامي الرسمي بالاستغلال الأمثل لكل هذا النقد القوي الموجه ضدها، وأن تبدأ في الانتصار للقضايا العامة وبعيدا عن أي تعصب لأي كان وبصورة تعكس أعلى درجات الحيادية في كل ما تعرض له وتحلله بشأن القضايا العامة؛ متوخية الوعي الشعبي المتفهم لكل ما يعتمل في الوطن ورفع مستوى الاستعداد لدي كل مواطن للتعامل المقتدر مع كل ذلك بما يمنع تعرض الوطن للأجندة الحزبية الضيقة وتنأى به عن الانزلاق في متاهات التعصب الأعمى .
ولكون الإرهاب أبرز القضايا الوطنية التي تهدد الحاضر والمستقبل اليمن فإننا نتطلع أن تقوم الأسرة الإعلامية في الجهاز الرسمي بالتعاطي مع هذه القضية بأعلى درجات الشفافية والمكاشفة، وبصورة تفسح المجال من خلالها لكل الآراء والمواقف والاتجاهات المعبرة عن المزاج العام للرأي العام باليمن، وبما يجعل من برامج التفاعلية والحوارية أكثر مواجهة بين مختلف الآراء، وبما يعمل على وضع النقاط على الحروف وفي إطار من التوازن الإعلامي الحريص على جعل الجميع يشاركون بفاعلية في التعبير والرأي حول قضية الإرهاب والطرق والوسائل الممكنة لمعالجة تأثيراته وتداعياته الخطيرة على الأمن والسلام الاجتماعي.
نقول ذلك بعد أن رصدنا تفاعل الإعلام الرسمي مع قضية الإرهاب، وبعد أن لاحظنا اعتماده على إجراء حوارات مغلقة مع لون و اتجاه واحد كما عبّر عنه حوار الفضائية مع الشيخ الزنداني، والذي قدم رؤيته المعبرة عن اتجاهه السياسي؛ الأمر الذي جعل من الحوار لا يتسم بالشفافية والوضوح وعدم القدرة على الصراحة والمكاشفة حيث ظهر المذيع المحاور خجولا مكتفياً بوضع أسئلة تقليدية لا ترقى إلى مستوى الحدث وخطورة الإرهاب، ولا ريب أن الإعلام الرسمي إذا ما استمر في إنتاجه للمقابلات المغلقة فإنه يسهم ذلك في جعل الصورة غير كاملة بل ومشوهة، ولا تعكس فظاعة الجرم الذي يرتكب في حق اليمن وشعبه جراء الأعمال الإرهابية الوحشية، ولذا لابد من إتاحة الفرصة أمام الجميع في إطار برامج تفاعلية يشارك على مستوى كل حلقاتها أكثر من رأي وفي إطار إدارة حوار جريء قادر على إخراج كل ما في جعبة من تحاورهم وبصورة جلية لا لبس فيها، ولا تتحرج من طرح موضوعات أو اتهامات باعتبار أن الشفافية في التعامل مع الرأي العام وقضاياه تعد واحدة من المعالجات التي يستحيل الاستغناء عنها أو التمكن من تشخيص الواقع اليمني بمهنية عالية هدفها الأول والأخير الانتصار للمصلحة الوطنية العليا.
إن إجراء الحوارات يجب أن لا يتم مع أي شخصية مهما كان موقعها أو تأثيرها بهدف الترويج لها أو للاتجاه الذي تمثله، وإنما بهدف التعرف على الحقيقة برمتها من خلال تعدد الآراء والمواقف. كما على الأسرة الإعلامية أن تحترم استوديوهاتها، وأن تحرص على أن تأتي مختلف الشخصيات إليها بدلاً من ذهابها إليهم، فذلك يعد في غاية الأهمية لكونه يبرز تفاعل الجميع مع القضايا الوطنية، وهو تفاعل يحتم عليهم المجيء إلى استوديوهاتهم ليخاطبوا الرأي العام من خلالها لا أن يذهب الرأي العام إليهم.
والخلاصة أن اعتماد الشفافية في إطار إدارة حوار فاعل متمتع بالمعلومة والقدرات المهارية لكسب المزيد من المعلومات، وفي إطار الرأي والرأي الآخر في المواجهة الإعلامية هو وحده الذي يعكس عظمة المشاركة الشعبية الواسعة في تعزيز الحرب ضد الإرهاب، وهو الطريق الأمثل الذي يجعل الجميع يخشى الرأي العام، ويحرص على التعامل معه بمزيد من الشفافية والوضوح، وبدون ذلك ستكون الصورة غير كاملة تزيد من الطين بله بالنسبة لدور الإعلام التفاعلي مع القضايا الوطنية.