بقلم-علي ناجي الرعوي -
في مواجهة فكرة التعصب والتطرف
تشكل مظاهر التعصب والتطرف والتشدد منظومة من التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، بل والحضارة الإنسانية برمتها؛ حيث يشهد عالمنا موجه من التيارات المصطبغة بنوازع العنف والمغالاة، ولا يخلو المشهد الاجتماعي والثقافي العربي الراهن من نماذج متفاوتة لبعض تلك السلوكيات الخاطئة التي تقود أصحابها إلى الإساءة للدين والإضرار بمصالح أوطانهم وشعوبهم..
ولما كان التطرف بكافة أشكاله وصوره يمثل الداء الذي يعبث بالقدرات والتحدي الذي يعصف بمقومات التنمية فقد وجدنا في اليمن أن محاصرة سلوكيات هذا الوباء الخبيث ودرء مخاطره على مجتمعنا سوى بالعمل الجاد والصادق الذي تتضافر فيه جهود كافة أبناء المجتمع سلطة ومعارضة أحزاباً، وأفراداً.
ففي حين أوكلت إلى أجهزة الضبط مهمة التصدي لتلك السلوكيات التي تتحقق فيها صفة الجريمة، فإن مؤسسات المجتمع المدني هي من ظلت مطالبة ليس فقط بتجريم وإدانة تلك السلوكيات، وإنما الاضطلاع بدورها في سد أي ثغرة قد يستغلها البعض لتحقيق مآربهم المريضة.
وأمام هذه المسلمات فلا غرابة إذا ما وجد الشارع اليمني نفسه مصدوماً بذلك البيان الصادر عن أحزاب اللقاء المشترك بشأن تلك الفتنة التي أشعلها الحوثي في منطقة مران بمحافظة صعدة.
فقد تعززت لدى الرأي العام اليمني ومن خلال ذلك البيان القناعة بأن العمل الحزبي في بلادنا مازال في جانب منه مطبوعاً باللؤم والمماحكات والكيد السياسي الذي تنتفي من جنباته كل الاعتبارات المتصلة بمعايير الالتزام بالنهج الديمقراطي واحترام الثوابت الوطنية.
فالحقيقة أن ذلك البيان قد خلا من أية مؤشرات تدل على وعي أو إدراك من أصدروه بخطورة المداراة والتبرير لذلك الفعل الفاضح الذي اقترفه الحوثي، سواء أكان مصدرها الجهالة، أو الانتفاعية، أو الحماقة.
والمضحك المبكي أن أحزاب اللقاء المشترك وهي من تحاول إقناعنا بأنها في صف الدستور والقانون، ومع كل الإجراءات الكفيلة بحماية السكينة العامة، فإنها لم تستطع حتى إقناع نفسها خاصة وإن كل تصرفاتها تتناقض مع ذلك المنظور الذي تدعيه وترتدي مسوحه.
وبمقدور ومتناول أي مثقف رصين أن يلمس في أكثر من موضع هذه الازدواجية العجيبة واكتشاف العلل التي تتحكم في مواقف وتوجهات هذه الأحزاب.
وحيال كل ذلك فلا ينبغي لحادثة تمرد الحوثي أن تمر مرور الكرام.. اعتماداً على حقيقة أن كل شيء سيهدأ بعد أمد قصير.
فلابد هذه المرة أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التي تؤدي بالبعض إلى اقتراف مثل هذه الأخطاء بحق الوطن، ولماذا يترك مثل هؤلاء بمضمون محاولاتهم الرامية إلى استدراج الوطن والزج به في مشكلات جديدة سيدفع الجميع ثمنها باهظاً.
فالحق أن مثل هذه الوضعية إنما هي التي تستدعي المراجعة والتحليل العميق، وبما يفضي إلى بناء استراتيجية ثقافية وتعليمية، وتربوية تقهر نوازع التطرف واندفاعات العنف وتنتقل بالعمل الحزبي إلى أنجع دروس الديمقراطية والشورى والتعددية والفكر المستنير.
إذْ أنه لا مصلحة لأحزاب المعارضة الوقوع في تلك الأخطاء والتي دفعتها إلى تبرير الأفعال النكراء التي ارتكبها المدعو الحوثي واتباعه المضللين وكذا التشجيع على الفتنة والتمرد ضد النظام والقانون.
خاصة وأن هذه الأحزاب هي من تستمد شرعيتها ووجودها من الشرعية الدستورية والقانونية والديمقراطية.
وليس بوسع أحد أن يصدق بعد ذلك الموقف المتواطئ أن تلك الأحزاب مع تجديد الخطاب الديني وتحريره من مظاهر التعصب والغلو سيما وهي التي لم تحسم موقفها بعد حيال تلك المدارس والمراكز العاملة خارج نطاق قانون التعليم العام، والتي وجهت الحكومة مؤخراً بإغلاقها بالتلازم مع مراجعة مناهج التعليم الدينية وتصويبها بما يجسد وسطية الإسلام الحنيف ويعزز الوحدة الوطنية ويرسخ الاستقرار والسلام الاجتماعي.
إن ما ورد في بيان أحزاب اللقاء المشترك لاشك وأنه قد شكل صدمة مؤلمة لم نكن نتوقعها من هذه الأحزاب التي أدى عجزها عن استثمار الديمقراطية وفشلها في المعترك السياسي إلى التوهم بأن الديمقراطية سلاح لا يخدم سوى السلطة، وأنها –المعارضة- ستظل عاجزة عن تحقيق أهدافها حاضراً ومستقبلاً إن هي سلمت بالديمقراطية وسيلة للتغيير، الأمر الذي أدى بها إلى اعتماد رؤى غير مدروسة وغير ناضجة في تعاملها مع بعض التطورات التي يشهدها الوطن، وكذا في تعاطيها مع الحكومة، ومع الديمقراطية نفسها، وهو ما أفقدها دورها كمعارضة ناجحة تؤازر عمليات البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال المشاركة الفاعلة في التغير وصنع المستقبل الذي يظل تحقيقه مرهوناً بتفاعل وإسهام كل المنظومة السياسية التي تمثل السلطة والمعارضة مرتكزها ومحورها الأساس.
وكما هو مُعّول من أحزاب اللقاء المشترك تصحيح موقفها المتخاذل فإن كل أبناء الوطن على ثقة تامة في أن قيادتهم السياسة بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح-رئيس الجمهورية- هي قادرة بحنكتها وحكمتها على معالجة تلك الفتنة التي أشعلها المدعو الحوثي من منظور يعكس التحضر في الحكم والسياسة.. وأنها بهذا الفكر تمهد أمام المجتمع بلوغ الغايات التي أراها الله لنا في هذه الحياة.
v رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة-رئيس التحرير