بقلم- خيرالله خيرالله -
خطورة ما يحصل في اليمن
هل صدفة ان أحداث عزلة مران في مديرية حيدان التابعة لمحافظة صعدة اليمنية بدأت تأخذ ابعاداً في منتهى الخطورة مع عودة الرئيس علي عبدالله صالح من زيارته للولايات المتحدة الأميركية؟ لا يبدو الأمر مجرد صدفة اذا أخذنا في الاعتبار أن المطلوب في هذه المرحلة التعتيم على النتائج التي تحققت في تلك الزيارة وفي طليعتها ان هناك بين الزعماء العرب من هو قادر على الدخول في حوار في العمق مع القوى المؤثرة في العالم، أي مع الولايات المتحدة ومع الدول الأخرى التي تشكل معها مجموعة الدول الصناعية الثماني. هذه المجموعة التي تعقد اجتماعاً سنوياً مطلع يونيو في مكان ما من العالم تتخذ فيه اخطر القرارات واكثرها أهمية وتأثيراً على العالم في المجالين السياسي والاقتصادي. امتلك الرئيس اليمني ما يكفي من الشجاعة لتلبية الدعوة التي وجهت اليه للذهاب الى الولايات المتحدة والمشاركة في قمة الدول الثماني. وارتدت زيارته طابعاً شبه رسمي ولم تتح له عقد لقاءات مع كبار المسؤولين الاميركيين، وبين هؤلاء الرئيس بوش الابن ونائبه ديك تشيني فحسب، بل كانت ايضاً مناسبة للاتصال بزعماء آخرين يمثلون في واقع الأمر اهم القوى العالمية، ويمكن القول انه لم يكن ينقص سوى ان تشارك الصين في قمة الثماني ليكون العالم بثقله الاقتصادي والسياسي حاضراً في الجزيرة الاميركية التابعة لولاية جورجيا التي انعقدت فيها قمة الدول الثماني. اظهرت تلك القمة انه بات لليمن حضورها على المستوى الاقليمي والعالمي وانها دولة قادرة على ان تكون على تماس مع ما يدور في العالم والا تعزل نفسها عن الاحداث الدولية. والأهم من ذلك كله ان اليمن استطاعت بفضل رئيسها ان تبلغ اميركا والدول الكبرى ان لديها خطاباً سياسياً صريحاً يتماشى مع التطورات العالمية من جهة، لكن لديها من جهة اخرى وجهة نظرها في كل الأمور المطروحة بدءاً بكيفية محاربة الإرهاب وانتهاء بطريقة اجراء الاصلاحات. وفي هذا المجال ليست هناك جهة تستطيع القاء دروس على اليمن التي باشرت اصلاحات سياسية في العمق منذ قيام الوحدة في مايو من العام 0991. وتشمل هذه الاصلاحات اطلاق حرية العمل السياسي في ظل دستور يعترف بالتعددية السياسية ويضمن حقوق المرأة بما في ذلك حقها في الترشح والانتخاب. اذن، لم يكن صدفة ان تكون هناك قوى تعمل من داخل اليمن وبدعم خارجي على اعطاء صورة مختلفة عن البلد في هذه المرحلة بالذات، وهي مرحلة بدت فيها اليمن من الدول القادرة على الاستفادة من الاجواء الدولية لتحسين أوضاعها الداخلية والاستمرار في بذل الجهود من أجل معالجة مشاكل المواطن من جهة وتحقيق الأمن والأمان له من جهة اخرى بعيداً عن التيارات العاملة على تخريب الدول العربية من الداخل واعطاء صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين. ولعل اخطر ما في الاحداث التي شهدتها محافظة صعدة انه تبين ان الشخص الذي يقف وراءها يمتلك امكانات ما كان مكننا ان تتوافر له لولا وجود دعم خارجي. وما يقوم به حسين بدر الدين الحوثي الذي قررت الدولة التصدي له يفوق في خطورته الحركة الانفصالية صيف 4991 والتي استهدفت بدورها اعادة عقارب الساعة الى خلف، أي الى ان تعود اليمن بلدين على الرغم ان الطبيعي ان تكون بلداً موحداً ما يتفق مع منطق التاريخ والجغرافيا ووجود شعب واحد. تصدى أهل الجنوب للانفصال بالحزم نفسه الذي تصدى له كل يمني. وحافظت البلاد على وحدتها وصانت نفسها وحصنتها في وجه العواصف التي اجتاحت المنطقة. والآن يطلق الحوثي الذي سمى نفسه >أمير المؤمنين< دعوات اخطر من الدعوات الانفصالية بدعوته الى محاربة الدولة ومؤسساتها من منطلق عنصري وطائفي ومذهبي... كان الانفصاليون على الاقل يغطون خطتهم ونياتهم بشعارات براقة تحمل طابعاً عصرياً! لقد انزل الحوثي في المناطق التي سيطر عليها بالقوة مع ميليشيا تابعة له علم الجمهورية اليمنية ورفع علماً آخر لحزب في دولة خارجية وسعى على حد تعبير المسؤولين في صنعاء الى اشعال نار الفتنة وقطع الطرق والاعتداء على افراد الأمن والقوات المسلحة في النقاط الأمنية والتمترس بعد ذلك في منطقة في عزلة مران في مديرية حيدان حيث أخل بالأمن وخرج على الدستور والنظام والقانون. ما قام به الحوثي والذين يقفون خلفه اقرب الى دعوة الى ان تجتاح الفوضى اليمن كلها، ولذلك لم يكن هناك من مجال سوى التصدي له وهذا ما فعلته الدولة ولا شك ان عملية التصدي هذه ستأخذ بعض الوقت نظراً الى ان القيادة اليمنية حريصة على تفادي وقوع عدد كبير من الضحايا والى ان لديها حرصاً مستمراً على اقناع المتمردين بالعودة الى جادة الصواب بالحسنى وذلك من زاوية الحرص على حياة كل مواطن بمن في ذلك المغرر به... فالمطلوب عزل الحوثي عن مجموعته اولاً لأنها مجموعة مضللة تمهيداً لاعتقاله ومحاكمته. مثلما فشل الانفصال ستفشل محاولة اثارة الفتنة التي يقودها الحوثي والذين يقفون خلفه، وسبب ذلك عائد الى ان المجتمع اليمني في طبيعته مجتمع يؤمن بالوسطية ويرفض كل ما هو تحريض ديني وطائفي ومذهبي. ذلك ان هذا المجتمع يمتلك من الحكمة ما يجعله يدرك ان مثل هذا التحريض سيرتد عليه. انه مجتمع يريد ان يرتبط بالمستقبل من دون التخلي عن تقاليده وتراثه، ولن يقبل بعد مرور 24 عاماً على الثورة اليمنية العودة الى نظام كهنوتي يعزله عن العالم بدل جعله منفتحاً عليه. يبقى السؤال من يحرك الحوثي ومن يريد تصفية حساباته مع اليمن ومن يريد جعلها تدفع ثمناً لاستعادة وحدتها الطبيعية واقامة علاقات طبيعية مع كل جيرانها اثر حل المشاكل الحدودية معهم وايجاد مكان لها على خريطة المنطقة، مكان سمح لها ولرئيسها بأن تكون على اطلاع على ما يدور في الدوائر العالمية الفاعلة وان تمتلك خطاباً سياسياً يسمح لها بالحوار مع الجميع اكانوا كباراً او صغاراً... من دون اي نوع من العقد؟
نقلاً عن ايلاف