الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:25 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الجمعة, 02-يوليو-2004
عبد الباري عط وان -
صدام حسين يحاكم قضاته
لم يكن الرئيس العراقي صدام حسين يخاطب المحكمة يوم أمس، وانما الرأي العام العراقي بصورة خاصة، والرأي العام العربي والإسلا مي بصفة عامة، فالرجل لم يعترف بالقضاة، ولا الحكومة التي عينتهم، واصر علي انه ما زال الرئيس الشرعي للعراق.
المحاكمة، وبالصورة التي تابعناها عبر شاشات التلفزة، كانت بداية سيئة مرتبكة للعراق الديمقراطي الجديد الذي بشرت به إدارة الرئيس جورج بوش، فالقاضي كان شابا عديم الخبرة، والمحامون لم يكن لهم اي وجود، والرعب كان سيد الموقف.
فقد كان لافتا ان هيئة المحكمة والذين يقفون خلفها هم القلقون الخائفون، وليس ذلك الرجل الجالس في قفص الاتهام. فقد تعمد الأمريكيون الذين يملكون مائة وستين ألف جندي في العراق ان لا يذيعوا وقائع المحاكمة علي الهواء مباشرة، وحجبوا صوت المتهم ، واكتفوا ببث الصور المسجلة فقط في البداية، وتصرفوا تصرف المذعور، وليس تصرف الواثق الذي يمسك بزمام الأمور.
لم نشاهد وجه القاضي الشاب كاملا، كما اننا لم نشاهد وجه الحارس الذي يحرس قفص الاتهام، او اي وجه آخر في تلك المحكمة المهزلة، انه الرعب من الاغتيال وليس هناك اي تفسير آخر.
حتى الرئيس جورج بوش التزم الصمت وكذلك حليفه توني بلير علي غير عادتهما، فمن المفترض ان هذا يوم تاريخي، يستحق الاحتفال، ولكن حتى المنتصرين لا يرونه كذلك.
أداء الرئيس العراقي كان محسوبا بعناية فائقة، مثلما كان مظهره، كان شجاعا، جريئا، واثقا من نفسه، لم يتراجع مطلقا عن مواقفه، ولم يبد اي ندم علي غزوه للكويت، بل انه اراد ان يفتح جرح الكراهية العراقي المتقيح تجاه الكويتيين ويرش عليه ملحا جديدا عندما وصفهم بالكلاب، وقال انهم كانوا يستخدمون دنانيرهم لهتك اعراض الماجدات.
الرئيس صدام حسين كان مخيفا لاعدائه حتي وهو في القفص، واراد ان يستغل ظهوره القصير من اجل توجيه عدة رسائل الي اكثر من جهة نوردها في النقاط التالية:
الرسالة الأولى كانت إلى الإسلاميين عندما أطلق العنان للحيته، وتجنب ارتداء ربطة عنق، الامر الذي يذكر بمذيعي قناة المنار الإسلامية، ومعظم المسؤولين الإسلاميين الآخرين، وخاصة في إيران. ولا بد من التذكير بان الرئيس العراقي بدأ يتجه اكثر فاكثر نحو التدين في سنواته الأخيرة في الحكم، وهو الذي كتب عبارة الله اكبر بخط يده علي العلم العراقي. والله اعلم.
الرسالة الثانية كانت إلى العراقيين عندما أكد انه الرئيس الشرعي، وان البلاد ما زالت محتلة، وان المجرم الحقيقي الذي يستحق المحاكمة هو الرئيس بوش الذي غزاها ودمرها وقتل عشرات الآلاف من أبنائها، ودون اي مسوغات او مبررات قانونية، وان كل من يتعاون معه من العراقيين متورط في الجرم نفسه.
الرسالة الثالثة موجهة الي الرأي العام العالمي، يقول مضمونها ان هذه المحاكمة غير عادلة، وفوق كل ذلك عنصرية تعكس الازدواجية والنفاق الأمريكيين، غير عادلة لان المحامين غابوا عنها، او لم يسمح لهم بالتواجد للدفاع عن موكلهم. ورفض الرئيس صدام التوقيع علي لائحة الاتهام الا بحضور هيئة الدفاع هو للتذكير بهذه النقطة. أما أنها عنصرية فلأن القضاة الدوليين الذين حاكموا الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش قد غابوا عنها، فمجرم الحرب الأوروبي يجب أن يعامل معاملة خاصة متميزة، ومجرم الحرب العربي والإسلامي فيجب أن يحاكم من قبل خصومه.
الرسالة الرابعة موجهة إلى المقاومة العراقية، والي كل الجماعات الأخرى الرافضة للاحتلال، مفادها ان كل الترتيبات المنبثقة عن الاحتلال غير شرعية، وان عليكم أن تكونوا علي الدرجة نفسها من الصلابة والقوة ورباطة الجأش.
وهكذا يمكن القول ان الرئيس العراقي خرج فائزا في الجولة الأولى من محاكمته، وسجل العديد من الأهداف في مرمي أعدائه واستطاع أن يظهر بمظهر البطل وليس الضحية، ولا نعتقد أن الأخ الأمريكي الذي يدير هذا العرض المسرحي توقع هذه النتيجة.
خمسة وخمسون في المائة من البريطانيين قالوا في استطلاع للرأي أجرته القناة الخامسة أمس انهم لا يتوقعون محاكمة عادلة للرئيس العراقي قياسا لما شاهدوه يوم أمس. وهذا يعني أن الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث تري الشيء نفسه.
كنا نتوقع من الرئيس بوش، الذي يقول انه يتزعم العالم الحر، ويريد تحويل العراق إلى نموذج في الديمقراطية والقضاء المستقل، أن يتعلم من أخطائه أو بالأحرى كوارثه السابقة والحالية في العراق، وان يقدم لنا محكمة عادلة تسودها الشفافية، والنزاهة، ولكنه فشل فشلا ذريعا في هذا المضمار.
نشم رائحة اعتراف بالهزيمة، أو عدم الانتصار من قبل الأمريكيين والبريطانيين، وسلق هذه المحاكمة، وبهذه الصورة المخجلة، لا يكشف عن ارتباك فقط، وانما عن رغبة بالهروب السريع من العراق.
الرئيس العراقي صدام حسين سيظل قنبلة موقوتة، ومصدر لعنة، تطارد الأمريكان والكويتيين، فمحاكمته العلنية ستعني إعطاءه المنبر لإدانة أعدائه، وإعدامه سيجعل منه شهيدا في نظر الكثيرين في العراق وخارجه، وبقاؤه حيا يغضب أعداءه العراقيين الكثر، ويعطي أملا لأنصاره بإمكانية العودة.
إنها لعنة العراق، ولعنة صدام حسين

القدس العربي




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر