بقلم- -د.رؤوفة حسن -
الحجاب والاحتجاب
أنا لم أحتجب الأسبوع الماضي، بل كتبت مقالاً نارياً أجلد فيه ذاتي كصحفية لجبني وتخاذلي عن مناقشة القضايا الجوهرية التي تخص واقعنا، خاصة المتعلقة بالأحداث الأخيرة. ورغم الأمر المباشر والصريح من الأخ رئيس الجمهورية إلى كل من الزميلين الأخ علي الشاطر والأخ عبده بورجي بأن لا تتعرض مقالاتي في هذه الصحيفة لأي تحوير أو رقابة، فقد قررا حجب مقالي لرفضهما قسوتي على ذاتي. وهكذا، وجدت الأمر مضحكاً ومحزناً في وقت واحد. فأنا لا أستطيع أن أشكو مودتهما إلى أحد. فبين الحجاب والاحتجاب مشكلة نسائية وحماية رجالية مع اختلاف الأسباب. يقوم رجال بتحجيب وجه النساء وشعرهن, لحمايتهن من عيون رجال آخرين يملكون عيون شريرة قابلة للفتنة. ويقوم أصدقاء من الرجال بحجب أفكار بعض النساء وتأثيرهن خوفا عليهن من المجازفة. و تحتجب وجوه النساء أو كلماتهن خوفا على الرجال من الوقوع في الفتنة. أما هم -أي الرجال- فإن الدماء تسيل من الفتن التي يوقعون شعوبهم فيها واحدة بعد أخرى ولا يفكر أحداً في حجبهم ولا يشعرون هم بضرورة الاحتجاب ونادراً ما يتم التطوع من قبل أصدقائهم لحجب أفكارهم أو وجوههم المتسببة في الفتنة.
شكراً للحوثي وبن لادن:
حال الحوثي كحال بن لادن كلاهما خطابه الديني واضح جداً فيما يخص حجاب النساء وجهاً وأفكاراً وصوتاً وربما حركةً. لكنني أشكرهما هنا لأن تطرفهما ووصولهما إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه في تحويل حد الكلمات إلى رصاص وقنابل، هو الذي نبه السلطات في اليمن إلى خطورة استخدام الدين إلى عسر سياسي لا يقبل الفهم إلاّ للغة التكفير والقتل والدمار.
ففي منطقة كصعدة التي تعتبر واحدةً من أكثر محافظات الجمهورية في ارتفاع معدل الأمية، يتم حجب الفتيان والفتيات عن الذهاب إلى المدارس، وتتم مقاومة التعليم العام، لأن لغة الدجل والأكاذيب والإدّعاء بتمثيل الدين الحق، يجعل عقول الناس التي لم تتعلم سهلة للتلاعب بها والتأثير عليها.
و عندما سمعت قرار مجلس رئاسة الوزراء، الأسبوع الماضي بأن يتم تطبيق قانون التعليم العام على كل أشكال المعاهد الدينية فرحت لأن استخدام الدين للمصالح والأهواء السياسية سيصبح أقل انتشارا.
لكنني حزنت في وقت واحد، فهل كان ضروري لمثل هذا القرار أن تنسفك دماء الجنود والمواطنين الأبرياء قبل أن ننتبه إلى أن من يرفعون شعار الإسلام السياسي، ويجمعون الأموال لشراء السلاح يعتبرون دماء الناس غير ذات قيمة، مسموح سفكها لحماية شخص واحد يعتقد أن حياته أهم من حياة الجميع.
حاجبو الأفكار:
في الزمان القديم كان الحاجب أكثر الناس تأثيرا وتقريرا عمّا يجب عرضه على الخليفة ومن يسمح أو لا يسمح له بالوصول إليه.
في الزمان الحديث صار للحجب برتكول و مؤسسات وحتى وزارات.،و المتخصصين في علم الإعلام يسمون كل من يتدخل في صياغة الخبر قبل وصوله إلى القارئ، حارس البوابة أي بمعنى آخر حاجبا للأشخاص أو الفكرة.
و ربما يكون حرص الزميلين علي الشاطر وعبده بورجي على شخصي من أفكاري، سببا يجعل حراستهما لبوابة كل ما ينشر في زاويتي هذه مغفورا إذا حدث ثانية وقاما بإبلاغي مسبقا، لكن عدم حراستهما لبوابة كلما ينشر في هذه الصحيفة مزعج جدا بالنسبة لي.
فقد كنت خارج البلاد طوال الشهرين الماضيين، وعندما عدت اشتريت كل الصحف المحلية لأطلع على الأحداث وفي العادة تقدم لي صحف السلطة وصحف الدولة وصحف المعارضة وصحف المستقلين في حالة القراءة الجمعية لها ما يمكن أن يعطيني صورة واضحة عن الأحداث ما عدى هذه المرة.
فهذه الصحيفة التي أكتب فيها والتي يفترض أن تمثل ضمن ما تمثل القوات المسلحة والأمن لم تجر مقابلة واحدة مع أسرة جندي أستشهد في صعدة ولم تنقل صورة جريح في مستشفى، ولم تغط معاناة القوات المسلحة وهي تحتمل الجور و يقتل أفرادها الواحد بعد الأخر، وكأن الصمت هي لغة التقدير الوحيدة التي تملك هذه الصحيفة لمن تعبر عنهم.
وصورة القتيل الوحيدة المنشورة هي صورة أحد قتلى حرب الشوارع في بغداد.
أما المقالات فحدث ولا حرج فقد كانت في هذه الصحيفة جبهتين للحرب, إحداهما الحوثي والأخرى أحزاب وصحف المعارضة.
وحال هذه الصحيفة لم يختلف في كل الصحف الأخرى التي قرأت فالحرب لا تجرى رحاها في مكان تسبب فيها شخص وأشخاص لمصالح سياسية، ولا تسيل فيها دماء تستحق الوقوف جوارها ومساندتها، بل هي حرب ضد السلطة السياسية و حزبها الحاكم.
أين صحافة المعلومات وصحافة الحقائق؟ إما حجبها حراس البوابات في كل الصحف، وإما نسي الجميع بحكم التعود أن الإعلام في زمن المعلومات هو الحقائق لا الآراء. أقدم تعازي لكل أسرة جندي ومواطن سالت دماءه دون وجه حق وأدعو الله أن تصحو صحافة المعلومات.
[email protected]
نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر