سامي العميسي - السبعين يصرخ في وجه العدوان حينما يذكر ميدان السبعين قد يلوح لبرهةً في أفق المتكلم أو السامع أنك تتحدث عن ميدان واسعٍ مرتّب مخصص للعروض والكرنفالات بمعنى أنه ساحة للاحتفالات والتجمعات المختلفة..
لكن الحقيقة أن هذه البقعة الطاهرة من أرض صنعاء هي أعمق من ذلك.. هي أكبر من ذلك.. وأنقى من ذلك.. إنها صوت الحق وميدان النصر..
أعمق لأن السبعين مرتبطٌ اسمياً وفعلياً بالتاريخ الحديث والحرج من تاريخ الجمهورية اليمنية.. جمهورية ما بعد 26 سبتمبر 62.. وجمهورية ما بعد 22 مايو 90.. وجمهورية 2011.. وهاهو اليوم على موعدٍ مع التاريخ الأحدث جمهورية الـ"26" من مارس 2016 ولكن ضمن المربع ذاته.. المربع الحرج من الأحداث الجسام في حياة الأمة اليمنية العظيمة..
إنه ميدان البطولات وساحة الانتصار.. انتصار الحق على الباطل.. والخير على الشر.. واليمن على اعداءه..
إنه ساحة الشرف.. ومعرض الرجال.. وسيمفونية الوفاء للوطن.. ومعزوفة حب القائد الباني والموحد..
"ميدان السبعين" فيه من اسمه الشيء الكثير.. فهو سمي بهذا الاسم العظيم تيمناً بالنصر المبين الذي تحقق للدولة الجمهورية على الزحف الملكي الذي كان يهدف لخنق الجمهورية الناشئة في شبه الجزيرة العربية إثر مغادرة الجيش المصري لليمن كنتيجةٍ طبيعية للنكسة العربية أمام اسرائيل في العام 1967.
نعم هو ميدان "الانتصار العظيم" على جحافل الملكية المتعطشة لوأد الجمهورية الوليدة التي حاصرت عاصمتها البطلة سبعين يوماً انتهت بفك الحصار عن عاصمة كل اليمنيين ورمز صمود الجمهورية.
بعدها سادت الجمهورية.. وخبتت نار الرجعية.. بل وانطفأت كأن لم تكن.. وأنطلق اليمن الجمهوري نحو البناء بعد أن كان طيلة ما يقرب سبعة أعوامٍ يدافع عن ثورته اليتيمة في شبه الجزيرة الملكية.. وبانحسار حصار السبعين دفن اليمنيون الرجعية إلى غير رجعة وحصلت المصالحة.
عقب دفن أوهام الملكية إلى غير رجعة وإذابة جليد أحلام عودتها انطلق اليمانيون في ماراثون البناء والاستعداد ليوم الوحدة الذي تحقق في الثاني والعشرين من مايو من العام 90 ويومها لم يكن السبعين غائباً واحتضن أول استعراضٍ للقيادة المشتركة لدولة الوحدة شمالاً وجنوباً.
ظل السبعين رمزاً لكل مجدٍ يماني في دولة الجمهورية وكان العيد العاشر لإعلان دولة الوحدة مهيباً عظيماً بعظم الوحدة..
وأمام جموع الحاضرين من قادة الخليج والأشقاء والأصدقاء مرت سيول الحصاد الوحدوي.. الجيش الناشئ المتأهب الذي استعرض قواته على طريقة الجيش الأحمر السوفيتي فكان مهيباً رائعاً أذهل من حضر وغادر قادة الدول وفي نفوسهم شيءٌ من حتى..
أما ذلك الاستعراض التاريخي الذي رأوه فهم لم يظنّوه إلّا سحراً أو أسطورةً تحكى.. فقد ظل في مخيلة من حضر من حكام الخليج مبهورين منه في الزاوية الظاهرة من تفكيرهم.. ويتوجسون منه خيفةً في الزوايا المظلمة من عقلياتهم التي لم تستوعب أن تملك الجارة الفقيرة الصغرى هذا الجيش الأسطوري..
انطلق اليمن متأهباً أكثر نحو الأمام المشرق.. في حين أن دهاليز الغدر والتآمر كانت تعد مصانع الفوضى الخلاقة باسم الربيع العربي الذي عصف بتونس وليبيا ومصر وجاء ليعمل معاوله القذرة في اليمن عبر ذات الأدوات الإيديولوجية المتآمرة..
ولكن السبعين قال كلمته هذه المرة أيضاً.. بل قالها بصوتٍ أذهل العالم وأغرق المشاريع التآمرية في بحورٍ من الحيرة والإبهام.. هذه المرة لن يعلو صوت السبعين الرسمي فقط.. بل سترد أموجه البشرية الوفية على أكاذيب الرحيل ومشاريع الساحات الصغيرة التي تريد أن تختصر الوطن في ساحةٍ للعصيان والتمرد والمجهول..
تدفقت ملايين السبعين أمام مرأى العالم ومسمعه لتقول لكل أصحاب المشاريع الصغيرة والتآمرية أننا نحن رجال هذا الوطن ولسنا من يترك زعيمه يصارع الربيع القارس..
يومها قال السبعين كلمته وفرض المصالحة الوطنية فرضاً وبعكس كل دول الربيع انصاع الأخر ومخططوه وداعموه وممولوه لصوت الشعب وصمود القائد على الرغم من جريمة جامع النهدين التي أدمت جمعة رجب الحرام لكنها لم تكسر إرادة شعب ومسؤولية قائد..
أستمر المخطط التآمري على اليمن الذي لم ينجح خريف الربيع العربي في تحقيقه.. وحينما يئس المتآمرون من صمود هذا الشعب الحر الأبي تكالبوا عليه فكانت عاصفة الغدر ومقبرة العروبة وملهاة اللا انسانية الدولية..
شنت مملكة آل سعود حربها على اليمن بغرفة عملياتٍ أمريكية وتحالف خليجي عربي مخزي فقصفت الأرض والحجر والعمارة والبشر.. قصفت كل شيء وكان للميدان الشامخ نصيبه من القصف ناهيك عن آلامه اليومية جراء الغارات المجنونة التي ضربت جبل النهدين الذي يحتضنه لأكثر من عام..
مرّ عامٌ من الصمود اليمني في وجه آلة القتل والتدمير السعودية الأمريكية الغربية الخليجية وحان الموعد الذي انتظره الميدان الأغر..
أنه يوم السادس والعشرين من مارس 2016.. الموعد التاريخي للصرخة المؤتمرية المدوية في وجه العدوان والذي أرعبت أمراء النفط وتجار الحروب..
تحيةً للصامدين.. تحيةً للملايين.. ولا عزاء للمرتزقة والمرجفين..
يوم السبت سيصرخ اليمنيون في وجه العدوان أن كفّ يدك التي صبرنا عليها وإلا فإن القادم لن يكون كما سبق.. واسألوا الربوعة والخوبة وجبال وقرى جيزان ونجران وعسير.. وأسمعوها من السبعين "قد أعذر من أنذر..!" |