المؤتمر نت -المحرر السياسي - الاشتراكي وغريزة الانتقام على غير التقليد الحزبي المعمول جاء بيان لجنة الحزب الاشتراكي اليمني المركزية في دورتها الأخيرة متأخراً، تأكيداً لمعلومات مؤكدة أصلاً عن وجود معارضة شديدة من قبل بعض القيادات العقلانية لمواقف الحزب التي تتبناها قيادات اشتراكية متنفذة بشأن قضايا محلية أهمها ومحور ارتكازها أحداث الفتنة في محافظة صعدة.
وبعد مرور أربعة أيام من انفضاض آخر سامر في دورة "مركزية الاشتراكي" جاء بيانها السياسي دندنة ممجوجة ومكرورة لأغنيته القديمة التي ظل يرهق بها الأسماع منذُ انتهت حرب صيف 94 م وتعرضت بذلك مصالح بعض قياداته إلى الهلاك.
لقد وجدت تلك القيادات في زمنها الأخير من أحداث صعدة منفذاً لتحديث مواويلها الرتيبة.
ولأن الكبوات، ولعل الصواب وصفها بالنكبات، التي وردت في بيان اللجنة المركزية كثيرة فإن المرء سيجد صعوبة في تحديد من أين يبدأ.
حسناً: لقد ورد في البيان تأكيد الحزب على موقفه الذي وصفه بـ (الثابت) فيما يخص أحداث صعدة ثم ترك المجال مرناً لتأخذ قوة الطباع دورتها عارضاً على الملأ نقاط موقفه لمن لم يعلم.
وأعاد البيان قائمة من المطالب المخزية والتي أكثرها دمامة المطالبة بسحب القوات العسكرية من محافظة صعدة وعدم توجيه الحملات ضد ذوي الرأي والمواقف المغايرة. بمعنى ما، فإن المدعو حسين الحوثي المتمرد على الشرعية الدستورية وأنظمة وقوانين البلاد يعد وفقاً لبيان الحزب صاحب رأي وصاحب موقف مغاير وهو بذلك يقدم دعماً سياسياً لحالة التمرد يلبسها ثوباً مغايراً للواقع في مغالطات كان يمكن أن لا تصبح عملاً سياسياً من أي نحو.
وبالصرف الكامل للنظر عن كون مطالب من هذا القبيل مستفزة فإنها في المقام الأول غير طبيعية بالنسبة لحزب يدعي المدنية والحداثة وسيادة النظام والقانون ويلهج آنا الليل وأطراف النهار بتراتيل الدستور وأحكامه والاحتكام إليه وفوق ذلك فإن الحزب الاشتراكي كان شريكاً في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وهنا يحق لكل أنصار الحزب وأعضائه ومتعاطفيه أن يبثوا مشاعر الأسف حيال هذه الانتكاسة وهذا السقوط المريع لحزب يتآكل من داخله بعد أن أصيب بقيادات أسقطت مرضها على سياساته.
فمنذُ انتهت حرب تثبيت الوحدة في صيف 94م فان أمر الحزب آل الى قيادات تركت السياسة كلية وابتلعت عقلية الثأر السياسي وغريزة الانتقام ليس من السلطة فحسب بل من المجتمع اليمني كافة الذي كان سبباً في سحق الانفصال الذي سحقت معه كل المصالح المشبوهة والضالة وأصبحت تلك القيادات، أشبه بغريق يتغشاه اليأس ويحدوه إلى التشبث بالقشة وأرجل الضفادع طمعاً في النجاة إذ أنها تجد في كل ما تعتقد أنه سيشب النار في طرف من أطراف الوطن بداية لانتشار الحريق في أرجائه كافة إشباع لضمأ الثأر مؤججاً بمحفزات خارجية.
حسناً سيقال أن كلاماً من هذا النحو فيه أفك كبير وهنا ندعو كل عقلاء الحزب وهم كثر تاركين عبدة الغرائز الانتقامية إلى شأنهم ثم نقول تعالوا إلى كلمة سواء (فمن حاجج فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبنائنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
إن هذا الوطن الذي نعيش فيه جميعاً أصحاب ثأر ومثؤر ضدهم هو بيتنا جميعاً. ومن أبجديات ما يتفتق عنه العقل أن أي شر يلج هذا الدار الذي يأوينا سيأتي بالقطع على كل نزلائه دون استثناء.
ومن الناحية الأخرى فإنه يظل من غير المعقول ان عقلاء الحزب لم يجدوا بعد الخيط الفاصل بين الحق وبين الباطل، بين السياسة وبين التخريب وبين الوطن وبين الغرائز.
إن أبلغ المغالطات التي وردت في كلمة الأمين العام للحزب الاشتراكي، والتي تحولت في بيان اللجنة المركزية، إلى وثيقة هامة كما جاء في البيان هي أن الحملة العسكرية موجهة ضد ذوي الرأي، وهنا وفي إطار النقاش الهادئ يحق لنا أن نضع تساؤلاتنا أمام القيادات العقلانية في الحزب أليس أن من واجب الدولة لحماية المواطنين وممتلكاتهم وأعراضهم التصدي لمن يفسد ويعبث والأخذ على يد الخارجين على القانون وضبط المستهترين بأنظمة وقوانين البلاد؟ أليس أن المتمرد حسين الحوثي الذي مارس فساداً كبيراً طال حقوق المواطنين وأرواحهم وتمرد على الشرعية الدستورية ولا يزال متمرداً، أليس من واجب الدولة إيصاله إلى العدالة لتقول كلمتها فيه؟ ثم أليس من واجب المجتمع أحزاباً ومنظمات وأفراد الوقوف إلى جانب الإجراءات الحكومية الساعية إلى تثبيت الأمن وضبط المخلين به. ألم يكن من الواجب الأخلاقي والوطني ومن الأدعى سياسياً أن يعلن الحزب موقفاً مناهظاً لتلك الأعمال التخريبية التي نفذها المدعو حسين الحوثي والوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة في إجراءاتها الرادعة لهذا الخارج عن القانون.
إننا نثق أن هناك قيادات وشخصيات داخل الحزب الاشتراكي هي على حال من العقلانية وحب الوطن وفهم المسؤولية الملقاة على عاتقها والمترتبة على انتماءاتها لهذه البلاد باستطاعتها أن تنقذ ما تبقى من حياة الحزب الاشتراكي الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة رعونة المتحكمين حالياً بزمام أمر الحزب ومقوده، إذ بلغت بها الشيخوخة وأمراض النفس وما يلفهما من حقد زؤوم على هذا الوطن إلى مناصرة الجريمة ورفع راياتها والاصطفاف إلى جانبها ضاربة عرض الحائط بكل ما قد يلحق بالحزب الاشتراكي من أضرار بالغة الأثر على مستويات عدة.
إن خطابة مهترئاً لا يتفق مع برامج الحزب ولا يتساوق مع أدبياته السياسية الداعية إلى الحداثة وسيادة القانون سيغدو بلا شك الرصاصة الأخيرة في رأس هذا الاشتراكي الذي كان يوماً شريكاً في صنع أعظم منجز وطني هو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وللذين تساءلوا كثيراً عن هذا الانتكاس الذي يدفع الحزب الاشتراكي دفعاً نحو الهاوية سيجدون فيما قاله الأمين العام في كلمته أمام دورة اللجنة المركزية وفي بيانه المتمخض عنها إجابات وافية.
فبعد تبريره لتمرد المدعو حسين الحوثي واعتبار الخروج عن القانون وقتل النفس التي حرم الله عملاً من قبيل الرأي والفكرة والدعوة إلى سحب القوات التي توجهت لضبطه، نفى الحزب الاشتراكي أن يكون طرفاً في تلك الأحداث !!؟
إنه بذلك أعاد إلى الأذهان مبدأ نفي النفي إثبات إذ لم يسمع أحد عن مصدر مسؤول في الدولة اتهاماً رسمياً ضد الحزب بالتورط في هذه الأحداث وهنا يتوجب إزاء التلميحات الكثيرة لتلك القيادات الشائخة التي -أصابها المرض وأعماها الحقد- الأخذ بها على محمل الجد إذ لا يمكن اعتبار الحزب رديفاً لعاشق الويل الذي تسعد حاله التهم.
وما لم تتخذ القيادات المتعقلنة داخل الحزب الاشتراكي موقفها لتنحو لحزبها سبيل الرشاد والنجاد فإن سلبياتها ستصبح أخطاءً مركبة سيحاسبها عليه التاريخ وقواعد الحزب، علماً أن موقفاً إيجابياً لن يصبح ذا معنى مالم يتخذ في ظرف كهذا حتى يعاد الاعتبار لسمعة الحزب ولعلاقته بالتراب الذي يعيش فوقه.
أما حديث الحزب عن المواضيع الاقتصادية وعن الهامش الديمقراطي الذي أبدى خشية كبيرة عليه فلم يكن سوى تحصيل ما هو حاصل في جعبته منذُُ سنوات، وكان على كتبة ذلك البيان العودة إلى الوراء قليلاً من الوقت ليروا حزبهم حينما كان مستأثراً بالسلطة في عهد ما قبل الوحدة ويخبرون بالمنجزات الاقتصادية والتنموية التي حققوها وكذلك الحريات الديمقراطية واتساع الهامش الديمقراطي.
إنه لمخزٍ بكل تأكيد ليس في تلك المجاعة السياسية والفكرية التي تعكسها قيادة الاشتراكي في تصريحاتها وبياناتها بل أيضاً في تقمص ذلك الطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل.
إذ لا يحتسب المواطنون من تاريخ حكم الحزب سوى أنه اتخذ مبدأ يقوم على عدالة توزيع الظلم معمما عدالته هذه على كافة الأسر والأفراد الذي عاشوا تحت نير حكمه الذي أتسم بالجبروت والبطش مكللاً بالفقر وانتهاك الحرمات.
|